التحوّل إلى إقتصاد السوق ليس مهمة سهلة بالنسبة إلى إيران

طهران – هشام الجعفري

في أواخر الشهر الفائت، وضعت منظمة الإدارة والتخطيط في إيران خطة البلاد الخمسية السادسة للتنمية الإستراتيجية. في الخطة، تحث المنظمة إدارة الرئيس حسن روحاني على حلّ هيئة حماية المستهلكين والمنتجين، التي يقول عنها النقاد بأنها تعطل الأسواق من خلال التدخل في آليات التسعير. إذا تم تمرير الإجراءات المقترحة في هذا الشأن من قبل البرلمان، فإن إدارة روحاني لديها سنة واحدة لحل هيئة حماية المستهلكين والمنتجين المثيرة للجدل، والتي تتبع لوزارة الصناعة والمناجم والتجارة.
وجاء اعلان منظمة الإدارة والتخطيط بعدما إنخرط وزير الطرق والتنمية الحضرية عباس أخوندي في إنتقادات لاذعة ضد المديرين التنفيذيين لهيئة حماية المستهلكين والمنتجين التي ألغت أخيراً قرار وزارته لزيادة أسعار تذاكر القطارات. لقد إنتقد أخوندي أولئك الذين يسعون إلى قمع الأسعار بشكل مصطنع ووصفهم ب”الاشتراكيين” و “الماركسيين” الذين تسبب أداؤهم في العقود الأخيرة بتبلور مجموعات “إحتكارية” في البلاد.
على الرغم من الجهود على ما يبدو للتخلص من دعامة الدولة التي تعتمد تشويه سياسات التسعير، فقد تركت منظمة الإدارة والتخطيط لكيانين تأديبيين آخرين – منظمة العقوبات الكمالية الحكومية، التابعة لوزارة العدل، ومجلس المنافسة، التابع لوزارة الشؤون الاقتصادية والمالية – حرية العمل. هاتان المنظمتان تحدّان بشكل كبير القطاعين العام والخاص من تسعير تنافسي للسلع والخدمات. ويقول بعض الاقتصاديين أنه إذا كانت إدارة روحاني جادة في تحرير الاقتصاد، فإنها ينبغي أن تأمر بإلغاء منظمة العقوبات الكمالية الحكومية ومجلس المنافسة كذلك، حتى لو إعتبرهما البعض الآخر أنهما يشكلان تحد مفرط لتحرير الاقتصاد تماماً بين عشية وضحاها.
وقد أشار محمد علي نجفي، السياسي الإصلاحي والمستشار الإقتصادي لروحاني، علناً بأن البرلمان والعديد من كبار المسؤولين لا يزال لديهم مخاوف عميقة حول إرتفاع الأسعار. في الواقع، فإن الرأي العام يفضل ساسة شعبيين يعبرون عن مساندتهم لقمع الأسعار، وبغض النظر عن الحقائق على الأرض. ويرى النجفي أن تحرير الأسعار يجب أن يكون تدريجاً. ويشاركه أفكاره يحيى الإيشاك، الرئيس السابق لغرفة التجارة في طهران، الذي يعتقد أن أي إرتفاع مفاجئ في أسعار السلع والخدمات يمكن أن يعمق الركود المستمر، لأن السوق ليست تنافسية تماماً حتى الآن.
الحاجة إلى تطوير منافسة حقيقية أشار إليها فرشاد فاطمي، عميد كلية الاقتصاد في جامعة شريف للتكنولوجيا. وقال فاطمي اذا تحسنت المنافسة، وعملت الضوابط النقدية على وجه السرعة للسيطرة على المعروض النقدي، فإن الاقتصاد سيكون أكثر كفاءة والأسعار سترتفع بشكل معتدل.
على نطاق أوسع، يتساءل المراقبون كيف أن إدارة روحاني – التي تتألف من تكنوقراط ذوي خبرة ومن المشجعين لإقتصاد السوق – لم تتمكن من إجراء تغيير كبير في بنية الاقتصاد الإيراني. ورداً على هؤلاء المراقبين، جادل سعيد ليلز، سياسي وإقتصادي إصلاحي، بأن الإدارة قد اضطرت للتعامل مع سياسيين مؤثرين الذين تحوّلوا إلى وسائل الإعلام في العامين الماضيين لمعارضة الزيادات في الأسعار وتساءلوا عن جدوى كل سياسة لفريق روحاني الاقتصادي. وقال ليلز حتى الآن نظراً إلى الضغوط المستمرة، كانت إدارة ناجحة نسبياً في تحسين بيئة الأعمال، وتحرير الأسعار.
مع ذلك، لا يوافق فاطمي على هذا الكلام. فهو يتهم ضمناً الحكومات الإيرانية بالتقاعس عن العمل، قائلاً بأن السياسيين يفوزون بملايين من الأصوات “لاتخاذ قرارات صعبة في الأوقات الصعبة”. وتجدر الإشارة، مع إستثناء ثلاث سنوات، أن إيران عانت من معدل تضخم في خانة العشرات منذ العام 1973. وطوال هذه السنوات، قمعت الحكومات خطأ الأسعار كلما إشتكى المواطنون حول إرتفاع أسعار السلع الأساسية – وصفة لم تنجح ولم تشفِ أبداً. ويعتقد فاطمي أن السلطات يجب أن تكون ملتزمة الانضباط المالي إذا كانت تشعر بالقلق إزاء ارتفاع معدلات التضخم، وانه لا يشجع التدخل المباشر في السوق – ما عدا في الحالات الاستثنائية.
ويتوقع الإيرانيون العاديون تقليدياً من الحكومة الحفاظ على الأسعار بشكل مصطنع، على الرغم من إرتفاع التكاليف – وهذا التوقعٌ جعل الوضع غير إقتصادي للعديد من الشركات للصمود والحفاظ على أعمالها. من ناحية أخرى، المجموعات الشعبية وشبه الاشتراكية داخل المؤسسة تدفع بشكل مستمر إلى نظام تسعير نزولي. وقد وجد الاقتصاديون الليبراليون أنفسهم في كماشة بين هاتين المجموعتين. حتى إذا أعطي دعاة إقتصاد السوق مساحة كافية للمناورة، فإن السوق الإيرانية تحتاج إلى شرط أساسي مثل وجود منافسة فعالة. ويصر فاطمي على أنه في غياب المنافسة، هناك دائماً خطر ظهور “التسعير الاحتكاري”، والذي على المدى الطويل سيعرّض جانب العرض للخطر.
وهكذا، يبدو أن كسب الرأي العام هو أخطر تحد تواجهه إدارة روحاني في جهودها الرامية إلى تعزيز اقتصاد السوق المفتوحة. إن المطلوب تفاعل وثيق بين الحكومة والأمة لتقديم جدوى اقتصادية ضرورية في النقاش العام، حيث سيتم إبلاغ المواطنين العاديين عن مزايا وعيوب السوق الحرة. أما التحدي الثاني الذي يحتاج إلى معالجة هو عدم وجود توافق في الآراء بين النخب الاقتصادية. لتحقيق التنمية المستدامة من خلال تنويع الاقتصاد المعتمد على النفط، فإن توافقاً في الآراء، مثل ذلك الذي أوصل النزاع النووي مع الغرب إلى نهايته، ينبغي التوصل إليه بين الاقتصاديين وصناع السياسة الاقتصادية – بغض النظر عن ميولهم السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى