المرأة السعودية بين المقاومة عبر الإنترنت والحقائق المادية الجديدة

ما هو الدور الذي لعبه العمل الجماعي ووسائل الإعلام الاجتماعية في قرار المملكة العربية السعودية برفع حظرها المفروض على قيادة المرأة للسيارة؟

تويتر: هل ساهم في إنجاح حملة المرأة السعودية لقيادة السيارة؟

بقلم هيله سليم *

في 26 أيلول (سبتمبر) 2017، أعلنت الحكومة السعودية عن تعليق حظرها السيِّئ السمعة والمُنتَقَد بشدّة المفروض على قيادة المرأة للسيارة. ومما لم يُثر الدهشة والإستغراب في حينه بأن البعض قد رحّب بالخبر فيما رفضه آخرون، على الرغم من أنه من الصعب معرفة الشعور الدقيق لتلقي الخبر من الناس لأن الحكومة تُقيّد بشكل روتيني حرية التعبير. ومع ذلك، فإن أقلية صغيرة ستكون بلا شك مُبتهجة ومُهلّلة: منذ العام 2011، قامت حملة من أجل حق المرأة السعودية في قيادة السيارة مطاردةً أطراف ومحيط الحوار الوطني، وأحياناً كانت تدخل المناقشات الرئيسية وتجذب الإهتمام الوطني. ومن المثير للإهتمام، في وقت متأخر، أن نسأل عما إذا كان هذا العمل الجماعي قد أثّر في القرار، وما إذا كان إطلاق الجزء الأكبر من هذه الحملة عبر “تويتر”، يؤكد الحجج المتفائلة المُدّعية بأن المساحات عبر الإنترنت يُمكن أن تكون أساساً وأصولاً لتغيير حقيقي ومادي؟
منذ ظهورها، إستطاعت تكنولوجيا المعلومات والإتصالات في عصر الإنترنت 2.0 أن تُغيّر جذرياً المناقشات حول الإحتجاج الإلكتروني. في الأيام الأولى لشبكة الإنترنت 2.0، إعتبر كثيرون طبيعة الإنترنت التفاعلية وعبر القومية كمؤشر إلى حقبة جديدة من الديموقراطية والترابط والتواصل، في حين رأى البعض الآخر ملامح مستقبل أكثر قتامة من التفتيت والإرهاب. واليوم، تلطفت التوقعات وهدأت وفقاً لذلك، مع إعتبار باباك رحيمي الإنترنت مجالاً أسطورياً مُغيّراً للنزاع الخطابي المستمر. ومع ذلك، لا يزال الكثيرون ينظرون إلى الإنترنت على أنها “فضاء” جذري يتجاوز علاقات السلطة التقليدية حيث يُمكن للأفراد الإنخراط في إعادة تفسير جذرية لرواياتهم الذاتية. هل يمكن لقرار المملكة العربية السعودية الأخير أن يُعزز حالة هذه الحجج المتفائلة؟ وهل يستطيع النشاط عبر الإنترنت أن يحقق التغيير حقا؟
يجب أن نشير أولاً إلى شعبية تويتر في المملكة العربية السعودية: في العام 2015 تزعّمت المملكة العالم العربي في إستخدام تويتر مع 2.4 مليوني مستخدم. وتُعطي “ستاتيستا” رقماً أعلى بكثير لعام 2016 مع 4.9 ملايين مستخدم نشط. وعلى نحو متزايد، أصبح تويتر الساحة التي تُعبّر فيها النساء (والرجال) عن المقاومة والمعارضة تجاه التمييز المُعتمَد رسمياً. وبالنسبة إلى بعضهم، قد تكون هذه المشاركة السياسية مفاجئة؛ إن الممارسات الإجتماعية والسياسية والقانونية في المملكة العربية السعودية تتسم بالتمييز والإقصاء تجاه المرأة. ومع ذلك، فإن هذه المعاملة يُمكن أن تُغذّي الغضب الذي يحفز بدوره المقاومة. أصبح العديد من “هاشتاغات” تويتر (على سبيل المثال، #StopEnslavingSaudiWomen) يحظى بشعبية كبيرة، واحد يتبع الآخر، مما يتيح للمرأة السعودية القدرة على تحدي النظام الإجتماعي الأبوي القائم (بشكل شبه سري ومجهول). إن فوائد إستخدام تويتر لمثل هذه الأغراض واضحة: يُمكن للمرء أن يُغرّد كمجهول، على الرغم من أنه لا يكون تماماً في مأمن ومن دون مخاطر من بيئة “تتميز بعلاقات الحد الأدنى من التسلسل الهرمي وعدم التجانس أو التنوع التنظيمي”.
ومع ذلك، فإن أي إحتجاج سياسي محفوف بالمخاطر في المملكة العربية السعودية، والخطاب السياسي من قبل النساء السعوديات غير مقبول بشكل خاص، وغالباً ما يستتبع عقوبات شرسة. هذه الظروف القاسية تؤدي في نهاية المطاف إلى “بيئة إحتجاج” فريدة من نوعها تشبه إلى حد كبير ما يعتقد الكثيرون تقليدياً بأنه “حراك”. على سبيل المثال، التهديدات الخارجية تعني أن هؤلاء الناشطات المجهولات من المرجح أن لا يلتقينها أبداً، وبالتالي فإن إحتجاجاتهن على الإنترنت لديها فرصة ضئيلة لكي تُصبح إجراءات على الأرض. في مثل هذه المقاومة المتناثرة المجهولة، هل يمكن أن تستمر فرص المقاومة النفسية الحقيقية؟
الأسئلة التي أريد أن أثيرها تكمن في كيف نُفكّر بالمقاومة: هل نحن غير أخلاقيين إذا خفّضنا من أهمية المقاومة عبر الإنترنت، مع علمنا بأنها قد تلعب دوراً صغيراً في تغيير السياسة؟ هناك قضايا أخرى أيضاً: يقترح ألكسندر هاسلم وستيفن ريتشر نموذج هوية إجتماعية من ديناميات المقاومة حيث يُجادلان بأن التركيز على عمليات القمع يُمكن أن يؤدي إلى المفهوم بأن “الهيمنة والإستبداد والإساءة هي أمور طبيعية أو لا مفرّ منها”. إنهما يُميِّزان المضطهدين بإعتبارهم ضحايا لا مفرّ منهم، مما يؤدي إلى إنخفاض الاعتقاد في القوة المُحتملة للمحرومين. بدلاً من ذلك، يجب أن نكون مُبدعين في السعي إلى المقاومة حيث يمكننا.
من أجل تسهيل تحديد المقاومة، يقترح هاسم و ريتشر نموذجاً من ثلاث مراحل يؤكد على أهمية الهوية الجماعية لعمليات المقاومة، وتسليط الضوء على القمع نفسه يُمكن أن يؤدي في كثير من الأحيان إلى خلق هويات مشتركة تستطيع أن تساعد على تحمل المحرومين لإضطهادهم. وبالتالي فإن فعل خلق الهوية نفسه يحتاج إلى إعادة وصفه بأنه عمل نشط للغاية – المرحلة الأولى في عملية المقاومة النفسية. وبمجرد إنشاء هذه الهوية المشتركة، يُمكن للمجموعة أن تحقق إستقراراً أو عدم إستقرار بالنسبة إلى التفاوت بين المجموعات بشكل أكثر فاعلية من خلال إيجاد بدائل معرفية (أو رؤى مشتركة للطرق البديلة للوجود)، والتي يتم تعزيزها من خلال المشاركة.
وبطبيعة الحال، إذا كان هناك شيء واحد يمكننا أن نقول بشكل لا لبس فيه عن تويتر، فهو: إنه يسمح للشخص رؤية آخرين مثله، وبالتالي تشكيل مجموعة (مهما تكن فضفاضة أو متباعدة)، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى خلق بدائل معرفية. وبمجرد تشكيل هوية المجموعة والبديل المعرفي، يُمكن إلتماس الدعم من أطراف ثالثة: وبالتالي هذه الأوهام المعرفية يُمكن أن تنتشر، وأفكار جديدة عن الوجود تسافر عبر شبكات الإتصالات العالمية.
مثل المراقبين الآخرين، أجادل بأنه حتى في هذه الحالة مثل المملكة العربية السعودية، قد لا تكون تأخذ المقاومة الإلكترونية على محمل الجد بسبب سوء التفسير المستمر والمنتشر على نطاق واسع “للمقاومة”، الذي يشير إلى حد كبير إلى تلك التي هي على آرض الواقع، وتقوم بأعمال المادية، التي تُعتبر أكثر تبعية. وعلى النقيض من ذلك، دافع علماء الحركات الاجتماعية أخيراً عن أشكال معاملة بديلة للتعبئة الجماعية كأهداف مشروعة للدراسة. في الواقع، قيل إن المقاومة النفسية الداخلية يجب أن تكون ذات قيمة عالية، لأنها توفر أرضية وسطية للمضطهدين، حيث تساعدهم على تحديد وجهة نظرهم العالمية وسط القمع من دون الحاجة إلى نشاط أو عمل – أو من دون، قد نقول، الحرية للقيام بنشاط أو عمل.
وفي ملاحظة نهائية آملة، في بيئة مثل المملكة العربية السعودية، الإحتجاج سيبدأ على الإنترنت، خفياً ومجهولاً. آمل أن يُظهر القرار السعودي أن مثل هذا النشاط يُمكن أن تكون له تبعية وعواقب أيضاً. وعلاوة على ذلك، هذا يدل على أننا بحاجة إلى دعم هذه البدايات، وهذه المراحل المبكرة من المقاومة الداخلية. وبنظرة خاطفة على هذه البدايات، يجب ألّا نكون مُحبَطين بسبب طبيعتها السرية، والمجهولة، والمحددة، والموجودة تحت الأرض. إن قرار السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة يُظهر أنه من خلال إنشاء هويات جماعية وبدائل معرفية، فإن هذه المساحات الخفية على الإنترنت قد تُنتج حقائق مادية جديدة.

• هيله سليم حاصلة على درجة الدكتوراه من كلية علم النفس في جامعة ساسكس في المملكة المتحدة. وهي أستاذة مساعدة في قسم علم النفس في جامعة الملك سعود في الرياض منذ تموز (يوليو) 2008.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى