الشهيد شهيد والضحيّة ضحيّة

بقلم ميرنا زخريّا*

كلماتٌ ليست كالكلمات لكنها كلها تدل على أنه مات… فهلْ كانَ: شهيداً أمْ ضحية، قتيلاً أمْ إنتحاريَّاً، إرهابياً أمْ جهاديَّاً… سؤال يُحيّر ولا يُنوِّر، بحاجة إلى جواب يُنوِّر ولا يُحيّر… فبينَ مرتبة الشهيد ومرتبة الضحيّة يتغيَّر الهدف وتتغيَّر النيّة…
بدايةً، لنسلّم جدلاً أن المرتبة الوحيدة من بين كل الكلمات والصفات التي إستحوذت على عيدٍ رسميٍ في أكثر من بلدٍ عربيٍ وأجنبيٍ، هو عيد الشهداء دون غيره، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل: على العطاء في نُبل الشهادة وعلى الصفاء في نيّة الشهيد، عطاء النفس وصفاء الفكر. رحمة الله على الإثنين، لا شيء يمنع من أن يكونا مُناضلين مِقدامين، لكنْ، وراء موتهما هدفين مُختلفين، مُحدَّدين ومُتمايزين.
لذا وجُب التحديد والتمييز بين مَن يُواجه الموت في سبيل الدفاع عن وطنه أو قضيته، وبين مَن يُفاجئه الموت على غفلة حتى وإن يكُن هذا الأخير بالأصل صاحب قضيةٍ نبيلةٍ وضميرٍ نقيٍّ؛ وعليه، فهناك شروط صريحةً ومعايير واضحةً لا بُد من التقيّد بها قبل إطلاق التسميات يُمنة ويُسرة.
هل الشهيد هو ضحيّة أمْ الضحيّة هو شهيد؟ لا ولا. فالشهيد وقبل أن يستشهد يكون قد وضع نصب عينيه مُراداً مُحدّداً، فيما الضحية وقبل أن يُضحّى به لا يكون على عِلم بأن ساعته قد حانت. وبالتالي:
1. الشهيد هو من إختار طوعاً أسلوب حياته هذه من دون ضغطٍ خارجيٍ، عائلي، إجتماعي، إقتصادي، ديني أو حزبي.
** الضحية هو من لمْ يختَر هذا الطريق بلْ هو الذي فاجأه من دون علمه ما إضطرهُ إلى مواجهة قدرهِ مُرغماً؛
2. الشهيد يدفع ثمن إختياره العقائدي الشخصيّ الذي أخذه بكامل قواه العقلية وليس ثمن إختياراتٍ عشوائيةٍ لغيره.
** الضحية يدفع ثمن أهداف غيره أكانت سلبية أو إيجابية وهو في الحالتين يكون قد فارق الحياة بسبب عقائد الآخرين؛
3. الشهيد من الصعب جداً إنْ لم يكن من المستحيل أن تكون غايته عقب إستشهاده مركزاً نافذاً أو مكسباً دسماً.
** الضحية من غير الممكن أن يكون همّه التضحية بنفسه حتى لوْ كان شخصاً شجاعاً ووراؤه سيرة من النضال؛
4. الشهيد في معظم الأحيان يتوقّع سلفاً حتميّة أنه سيُصبح عاجلاً أمْ آجلاً شهيداً ويكون مُستعداً نفسياً للإستشهاد.
** الضحية في مختلف الظروف والأحيان لا يعلم كيف ستكون نهايته وربّما هو يطمح إلى حياةٍ رغيدة وعُمرٍ طويل؛
5. الشهيد هو من وافق مسبقاً وعلناً على أنه قد يدفع حياته ثمناً لحياة غيره ولا يمكنه أن يرسل أحداً آخر للإستشهاد مكانه.
** الضحية ليس فرداً وافق على أن يدفع حياته ثمناً كما يمكنه أن يطلب من غيره أخذ مكانه في أوقات الخطر والشدّة؛
6. الشهيد يستطيع في ظروفٍ محدّدة أن يعود عن قراره وثم يسلك حياة عادية بعيدة من معايير يوميات الشهداء.
** الضحية هو من لا يملك أصلاً القرار بيده إذ إما هو لا يعرف ما ينتظرهُ وإما هو تحت تأثير مادةٍ ما كالمخدّر؛
7. الشهيد إسمه ممزوج بالإنتصار من خلال إستشهاده بحيث هو يبقى بالمعنى الحقيقي حاضراً في ذاكرة الشعب.
** الضحية إسمه ممزوج بالحزن من خلال تضحية الآخر به بحيث سيستغرب المقرّبون موته ولا يتقبلون فراقه.
نستدل ممّا تقدّم: أولاً، أن الشهيد هو “فقط” من يقدّم روحهُ لضروراتٍ تاريخيةٍ وذلك من أجل تحقيق أهدافٍ ساميةٍ؛ وثانياً، أن الشهيد هو “فقط” من يتمتع بالرغبة الذاتية التي تُمهد للإستعداد النفسي والعقلي والإيديولوجي.
وعليه، فالشهادة تتطلب عاملين مُترابطين ومُتتابعين، هُما الضرورة التاريخية والرغبة الذاتية.
وبذلك، تتبلور عند التحليل، الفوارق بين الشخص الذي يُضحّي بنفسه في سبيل الآخر وبين الشخص الذي يُضحّي بالآخر في سبيل نفسه. ما يعني أن الشهيد هو رمزٌ للتضحية بالذات فيما الضحيّة هو رمزٌ لغدر الآخر. كلاهما فقدا نعمة الحياة وكلاهما يُعتبران من رُموز ذاكرة المواطنين، ما يخلق أحياناً نوعاً من اللغط. إنما تبقى للشهادة نكهة خاصة، نكهة لا يسع الجميع أن يَفهمها وأن يَقبلها، نكهة لا تفوح إلا لدرءِ الضررِ المادي والمعنوي عن الوطن والمواطن. أما مَن يستهدف هلاك البشر ودمار الحجر، فلا تليق به كلمتا ضحيّة أو شهيد، بل تُناسبه تماماً كلمتا إرهابي أو إنتحاري. إنها فعلاً كلمات ليست كباقي الكلمات.
وإستناداً إلى الفُروقات والشُروحات التي سبق ذكرها، لعلنا نستنتج ضرورة توخّي الحذر من فِعل إسباغ كلمة “شهيد” على “ضحيّة”؛ إذ ْ بإمكان هذه الصِفة أن تُبرئ القاتل!!

• باحثة في علم الإجتماع السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى