السياسة النفطية السعودية تجدّد شبابها

الرياض – هاني مكارم

على الرغم من سرعة التغيير السياسي المفاجىء الذي أقدم عليه الملك سلمان بن عبد العزيز منذ توليه السلطة في كانون الثاني (يناير)- من الحملات العسكرية على اليمن، والمحادثات الأخيرة مع تركيا وقطر بالنسبة إلى الوضع في سوريا، وصولاً الى إستبدال ولي العهد، على سبيل المثال لا الحصر- فإن الإصلاح الأخير في قطاع النفط في البلاد قد طغى إلى حد كبير. ولكن بالنسبة إلى “البنك المركزي للنفط” في العالم، فإن التحركات التي أُعلنت في أوائل أيار (مايو) لإعادة هيكلة وزارة النفط وإنشاء هيئة رقابة إستراتيجية جديدة لقطاع الطاقة في المملكة يمثل أكبر هزة منذ أكثر من أربعة عقود. وحتى الآن، لا أحد يعلم بالضبط ماذا يعني هذا التحرك وإلى أين سيؤدي.
شيء واحد واضح. إن وزير النفط المخضرم علي النعيمي – الذي بقي في منصبه في الوقت الحالي، على الرغم من الشائعات المستمرة التي تفيد بأنه يريد أن يتقاعد – لن يكون المهندس الرئيسي لإستراتيجية الطاقة في المملكة.
النعيمي قد يكون لا يزال يحتل المقعد الساخن وتمثيل المملكة في إجتماعات “أوبك”، لكن السياسة النفطية هي من الآن فصاعداً من إختصاص المجلس الأعلى لشركة أرامكو السعودية المُشكّل حديثاً، الذي يرأسه نجل العاهل السعودي – وولي ولي العهد الجديد – الأمير محمد بن سلمان (29 عاماً). وبالإضافة إلى ترؤسه الهيئة العليا الجديدة، التي تقع على عاتقها مسؤولية صنع السياسة النفطية – في الواقع تحويل الإستراتيجية من وزارة النفط إلى شركة النفط الحكومية – فإن الأمير محمد هو أيضاً وزير الدفاع، إلى جانب ترؤسه لمجلس الشؤون الإقتصادية والتنمية المؤثر، وهو هيئة عليا لديها سلطة الإملاء في القضايا الأمنية والسياسية على مستوى عال.
“لقد أوصى بالتغييرات مجلس الشؤون الإقتصادية والتنمية، الذي يديره محمد بن سلمان، لذلك فقد أوصت هيئته بفعالية بإنشاء مجلس أرامكو الجديد ووضع الأمير نفسه قيِّماً عليه”، يقول كريستيان كوتس-أولريخسان، زميل في قسم الشرق الأوسط في معهد بيكر في جامعة رايس. “لذلك تعتبر هذه الخطوة جزءاً من دعم لتوحيد السلطة في هذا الصدد. ولكنه أيضا يتمشّى مع ما أقدم عليه بعض منتجي النفط الخليجيين الآخرين أخيراً”، مضيفاً.
ويشير كوتس-أولريخسان، الذي هو أيضاً محلل سياسي لشؤون الخليج، في هذا الصدد إلى حقيقة أن قطر للبترول قد غيّرت إدارة النفط، ومنحت شركة النفط الحكومية حرية تشغيلية أكثر والتي تفصل الوزارة عن قيادة شركة النفط (سابقا كان الدوران موحدين). إن التغييرات السعودية هي مماثلة لتلك التي حدثت في قطر في أواخر العام الفائت.
وزير النفط من الآن فصاعداً لم يعد من الممكن أن يكون رئيساً لمجلس إدارة “أرامكو”. وهذا يمكن أن يكون مقدمة لخلق شركة نفط حكومية أكثر إستقلالية وبفكر تجاري، مع مزيد من التركيز على الشفافية.
وكانت “أرامكو” نفسها تمتعت بسنة جيدة، على الرغم من تراجع أسعار النفط. وفقاً لتقرير الشركة السنوي الجديد، فقد تم إكتشاف أكثر عدد من حقول النفط والغاز في سنة واحدة في العام الفائت، مع ثمانية إكتشافات تؤكد ما يصل نحو مليار برميل من النفط الخام وأكثر من خمسة تريليونات قدم مكعبة من الغاز. وهذا يؤكد أن الشركة، في ظل النظام القديم، لم تكن مترهلة وإحتفظت بسمعة التميز التشغيلي الذي يميزها عن معظم شركات النفط الوطنية الأخرى في الشرق الأوسط.
ولكن هذا يعني أيضاً عدم وضوح الصورة حول كيف سيعمل المجلس الأعلى الجديد، وإلى من سوف يقدم تقريره. قبل كل شيء، سوف يكون هناك قلق بأن التأثيرات السياسية قد تبدأ تؤثر في “أرامكو” بطريقة لم يسبق أن عرفتها سابقاً.
ناصر أمين، وهو شخصية بارزة من ذوي الخبرة والمسؤول عن عمليات المنبع في “أرامكو”، تم تعيينه رئيساً جديداً للشركة خلفاً لخالد الفالح، الذي عُيِّن وزير الصحة الجديد – رغم أنه من المرجح أن يكون تعيين المخضرم أمين مؤقتاً. ويحظى الفالح، في الوقت نفسه، بدور في “أرامكو” كرئيس مستمر للشركة الذي كان في السابق حكراً على وزير النفط. وهذا يوفر توليفاً غير عادي وربما غير عملي للأدوار.
الواقع أن الفالح يجلب معه سمعة لكفاءة هائلة، ويشير تعيينه في وزارة الصحة أخيراً أن الملك سلمان يريد تكنوقراطاً فعالاً كمسؤول عن إصلاح هذه الإدارة ذات الأداء الضعيف. ولكن يمكن أن تكون لذلك أيضاً آثار جانبية مفيدة لإعطاء الفالح بعض الخبرة الوزارية القيِّمة، وربما تحضّره لكي يصبح وزير النفط في المستقبل.
“بطبيعة الحال إن وضع خالد الفالح في وزارة الصحة هو خطوة مثيرة للاهتمام. لقد عرفت هذه الوزارة إضطراباً وسوء إدارة، لذا ربما أراد الملك الإستفادة من خبراته التكنوقراطية لتنفيذ بعض التحديث الذي أحضره إلى شركة أرامكو”، قال كوتس-أولريخسن. “ولكن بالقدر عينه يمكن أن يكون أيضاً محاولة لمنحه خبرة حكومية تعدّه لمنصب وزير النفط في مرحلة ما. في تلك المرحلة سيكون عليه أن يتخلى عن منصبه الحالي في “أرامكو””، على حد تعبيره.
إن كل هذا لا يزال من باب التخمين. ولكن هناك شيئاً واضحاً. بوضع شركة “أرامكو” تحت الإشراف المباشر لأحد أعضاء آل سعود يمثّل تحوّلاً كبيراً في الطريقة التي تدير فيها المملكة العربية السعودية سياستها النفطية. لدى محمد بن سلمان الآن الميزة بأنه أول فرد من العائلة المالكة يشرف على أكبر شركة وطنية للنفط في المنطقة.
في كل هذا، يبقى التوقيت – أكثر من أي وقت مضى – هو كل شيء. إذا استقرت أسعار النفط عند مستويات مريحة من الناحية المالية لدول الخليج، فقد يمهد ذلك الطريق للنعيمي لأخذ تقاعده أخيراً. مع التغيير في الهواء في الرياض، كل الرهانات الآن توقفت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى