غالبية اللبنانيين لا تريد حرباً بين “حزب الله” وإسرائيل

حتى مع إزدهار قرع طبول الحرب، فإن المزاج الداخلي في لبنان لا يحبّذ نزاعاً جديداً بين “حزب الله” وإسرائيل، لأن الوضع الذي كان موجوداً في العام 2006 قد تغيّر الآن.

العماد ميشال عون والسيد حسن نصرالله: تفاهم مارمخايل أنقذ “حزب الله” من العزلة

بيروت – رئيف عمرو

مع تزايد التوترات في سوريا بين إسرائيل وإيران، صار من المُسَلَّم به لدى الكثيرين أنه إذا اندلع القتال بين الجانبين هناك، فسوف يتوسع وينتقل إلى لبنان المجاور. والحجة هي أن طهران سوف تعبّئ عملاءها الشيعة، وقبل كل شيء “حزب الله”، الذي سيبدأ عندها بقصف الدولة العبرية على جبهة تمتد من مرتفعات الجولان إلى جنوب لبنان.
في الواقع قد يكون ذلك صحيحاً. إن الفكرة التي تقول أن “حزب الله” لديه هامش مناورة لإتخاذ قرارات تتحدّى الأولويات الإيرانية تبدو في كثير من الأحيان غير منطقية. ومع ذلك، فيما يفكر كل من إيران و”حزب الله” في مواجهة في ومن لبنان، يجب أن ينظرا إلى واقعٍ مهم: إن المشهد اللبناني المحلي يختلف اليوم عما كان عليه في العام 2006، عندما خاضت إسرائيل و”حزب الله” حربهما الأخيرة ضد بعضهما، إن الوضع اليوم ليس في صالح “حزب الله”.
في العام 2006، في الأشهر التي سبقت الحرب، أبرم “حزب الله” تحالفاً مع الحزب السياسي الماروني الرئيسي، “التيار الوطني الحر” بقيادة العماد ميشال عون. ولهذا السبب عندما بدأت الحرب، كان يتمتع الحزب الشيعي بدعم كبير من طائفة دينية لبنانية كبرى، بحيث لم يجد نفسه معزولاً محلياً بعد إنتهاء الصراع.
والواقع أن تحسن علاقة “حزب الله” مع الموارنة أعقبت الانسحاب السوري في العام 2005. فبعد أن فقد الحزب حليفه السوري، كان قلقاً من أن يتراكم الضغط داخل لبنان لنزع سلاحه. ولهذا السبب سعى “حزب الله” إلى ضمان أن يظل إثنان من المجتمعات اللبنانية الرئيسية، الموارنة والسنة، وممثليهما، مُنقسمَين سياسياً، حتى لا يتحدّيا الوضع العسكري المُستقل ل”حزب الله” الشيعي في الدولة.
هذا النهج عمل بشكل جيد لأكثر من عقد من الزمن، حتى أنه أدّى إلى إنتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية في تشرين الأول (أكتوبر) 2016، بدعم من “حزب الله”. لكن التحالف، حسب حسابات عون، مع الحزب الشيعي كان مدفوعاً في المقام الأول بأنه سيُسهِّل إنتخابه ووصوله إلى قصر بعبدا. ومع ذلك، كان فوزه أيضاً نتيجة قرار رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري بدعمه، ومنذ ذلك الحين تحسّنت العلاقات بين “تيار المستقبل” و”التيار الوطني الحر” بشكل كبير.
ومع إقتراب موعد الإنتخابات التشريعية في أيار (مايو) المقبل، فإن الرئيس عون في موقف مختلف تماماً عما كان عليه قبل أكثر من إثني عشر عاماً. فمن المتوقع أن يُشكّل مرشحوه قوائم مشتركة مع مرشحي الرئيس الحريري في دوائر إنتخابية عدة. وبصفته رئيساً للجمهورية، فقد حقق عون الطموح الذي كان يتابعه بلا هوادة منذ العام 2006 والذي تطلب منه يومها إقامة علاقات طيبة مع “حزب الله” مهما كانت التكلفة. وفي الوقت نفسه، أصبح الآن مسؤولاً عن الدولة ورفاهها، وهو يتشاطر المخاوف عينها التي يثيرها الحريري، الذي هو رئيس مجلس الوزراء.
وهذا الأمر لا يُمكن أن يُرضي “حزب الله”. والسبب هو سهل الفهم. إن الحرب المُقبلة مع إسرائيل ستكون أكثر دماراً على لبنان من العام 2006. وسيتم تدمير البنية التحتية للبلاد، وستكون تكلفة إعادة الإعمار هائلة، في الوقت الذي ليس لدى المجتمع الدولي ولا الدول العربية أي أموال للتعويض ومساعدة لبنان. والأسوأ من ذلك، أن الإقتصاد اللبناني في حالة بالغة الخطورة، ومن المؤكد أن الحرب ستدفعه إلى حافة الإنهيار، مما يخلق عاصفة كاملة من الدمار الواسع والإفلاس الوطني.
في مثل هذا المناخ، فإن رد الفعل الشعبي ضد “حزب الله” من المرجح أن يكون قوياً جداً، حتى بين الشيعة في لبنان، الذين سيتحمّلون العبء الأكبر من القصف الإسرائيلي. ورغم أن الحزب لا يزال يملك مدافعه وصواريخه، ولكن قدرته على الدخول في أي حرب جديدة مع إسرائيل ستعرضه لضعف شديد، وربما بشكل دائم.
هذا صحيح بشكل خاص لأن الكثير سوف يتغير على المستوى الطائفي. الرئيسان عون والحريري اللذان يُعارضان حرباً إنتحارية يقوم بها “حزب الله” ضد إسرائيل بإسم إيران ومن أجلها، من المحتمل أن يوحّدا جهودهما لوضع الحزب في موقف دفاعي. إن تدخل الحزب غير الشعبي في سوريا قد جعله فعلياً قوة طائفية عميقة، وليس منظمة تقاتل من أجل الحقوق العربية ضد إسرائيل. ونتيجة لذلك، يُمكن ل”حزب الله” أن يجد نفسه محصوراً ومُحاصراً داخل لبنان، وهو ما عمل جاهداً على تجنبه منذ العام 2005.
من السهل القول إن “حزب الله” لن يهتم ويستطيع تجاوز ذلك. لقد إستخدم الحزب القوة في الماضي لفرض إرادته وقد يفعل ذلك مرة أخرى. ربما، لكن “حزب الله” حريص دائماً على عدم أخذ الطائفية في لبنان كأمر مفروغ منه. إن الفكرة القائلة بأنه يمكنه تخويف الموارنة والسنة إذا كانوا مُتَّحدين هي أمر مضحك. إن “حزب الله” ينظر إلى توازن القوى ويهتم به، وآخر شيء يريده هو أن ينجذب إلى مواجهة طائفية في لبنان من شأنها أن تجعل الشيعة يقاتلون بقية اللبنانيين مُجتمعين.
وهذا لا يعني أن لبنان آمن. فقد يذهب “حزب الله” مع ذلك إلى الحرب إذا طالبته إيران بذلك، تماماً كما قد تضرب إسرائيل لبنان، إذا رأت فرصة لتحييد الحزب والقضاء على آلته العسكرية. ولكن هذا الواقع المُعقَّد يقف ضد قراءة أولية خام للبنان كبلد يسيطر عليه “حزب الله”. في الواقع، إن غالبية اللبنانيين تعارض الحرب مع إسرائيل اليوم، إدراكاً منها للخراب الذي ستجلبه. وفي هذه الحالة لا يُمكن ل”حزب الله” تجاهل هذا، مع العلم أن السياسة الطائفية في لبنان خذلت وأنهت أحزاباً أقوى منه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى