أوغندا تَرهُن مستقبلها للنفط في الوقت الخطأ

من المعروف أن غالبية الدول الناشئة الغنية بالنفط تُصاب عادة بما سمّاه الإقتصاديون “لعنة النفط”، ولكن يبدو أن أوغندا قد أصيبت باللعنة قبل ضخ النفط. بعدما عرفت إنتعاشاً إقتصادياً في العقد الفائت حيث شهدت نمواً سنوياً بلغ في متوسطه 6%، فقد تغيَّر الوضع أخيراً بعدما إكتشفت كمبالا النفط حيث رَهَنت مستقبلها له كما يفيد التقرير التالي:

الرئيس يوري موسيفيني: بدأ حكمه جيداً وقد ينتهي سيئاً
الرئيس يوري موسيفيني: بدأ حكمه جيداً وقد ينتهي سيئاً

كمبالا – أمين الحمّودي

إن الإنخفاض المذهل لأسعار النفط في أواخر العام 2014 يذكّر الجميع بنقاط الضعف الكامنة في الدول البترولية. إن البلدان التي تعتمد على هذا الذهب الأسود مثل روسيا وفنزويلا وإيران تكافح حالياً للتعامل مع التراجع في العائدات. ولكن ماذا عن الدول التي لم يبدأ نفطها بالتدفق بعد؟
لننظر إلى قضية أوغندا القاتمة. على مدى فترة وجودها، كانت أوغندا بلداً مستورداً صافياً للنفط، تعتمد بشكل مؤلم على أهواء أسواق النفط العالمية والجهات المانحة الدولية. ثمّ في العام 2006، إكتشفت هذه الدولة الإفريقية النفط، الذي أنعش الأحلام بطفرة مالية. ولو أدير الأمر بحكمة في حينه، فإن عائدات النفط ربما في نهاية المطاف كانت حسّنت حياة شرائح واسعة من السكان. بدلاً من ذلك، حتى قبل أن يتحقق أيّ عائد مالي، إختارت حكومة الرئيس يوري موسيفيني الإقتراض بشكل كثيف مقابل الدخل المستقبلي من النفط لتمويل جدول أعمال قصير الأجل.
على السطح، بدا الإقتصاد الأوغندي أنه يسير بشكل جيِّد. فقد بلغ متوسط النمو 6٪ سنوياً منذ العام 2005، وإنخفضت الديون بشكل كبير بين عامي 2004 و2008، بفضل مبادرتين لتخفيف عبء الديون نظّمهما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. مع ذلك، منذ العام 2008 حوّلت موجة من الإقتراض الحكومي الكثيف، مقابل عائدات نفط غير مُحقَّقة، أوغندا إلى واحدة من أكثر البلدان المثقلة بالديون في العالم. حتى قبل إنخفاض أسعار النفط في أواخر العام 2014، كانت هناك مخاوف من أن الحكومة كانت ترهن مستقبل البلاد مستندة على توقعات غير واقعية طويلة الأجل. مع الهبوط المفاجئ للأسعار، يمكن أن تواجه هذه التوقعات قريباً واقعاً مفاجئاً قاسياً جداً.
وقد ركّز الجزء الأكبر من الإقتراض الحكومي الأوغندي مقابل عائدات النفط المستقبلية على مخططات البنية التحتية الكبرى التي بنتها وموَّلتها الصين. في العام 2014 وحده، وقّعت الحكومة صفقات مع بكين لبناء سدّين للطاقة المائية تبلغ تكاليفهما 2.2 ملياري دولار، ومشروع لإنشاء وتطوير خطوط السكك الحديدية الذي يمكن أن يكلف ما يصل إلى 8 مليارات دولار، ومصنع للأسمدة تبلغ قيمته 600 مليون دولار. وهناك أيضاً مشاريع إضافية تشمل تطوير حقل نفط من قبل الشركة الوطنية الصينية للنفط البحري المملوكة للدولة، و350 مليون دولار لإنشاء طريق بين العاصمة الأوغندية، كمبالا، ومطار عنتيبي الدولي. وقد أثيرت أيضاً إمكانية ضمان البنك الصيني البرلمانيين الأوغنديين من خطر الذهاب إلى السجن لعدم الوفاء بديونهم.
وتدّعي الحكومة الأوغندية أن القروض من الصين أفضل من مثيلاتها من الغرب لأنها تمنح معدّلات فائدة أقل وتوفّر مرونة أكبر كما أنها لا تتطلب دفعاً فورياً أو مقدَّماً. من جهتها تقول الجماعات المعارضة بأن هذه المشاريع الكبرى للبنية التحتية ليست أكثر من مخططات لتحويل الأموال لتحقيق مكاسب شخصية وسياسية. ويشير النقاد إلى أن حكومة موسيفيني قد شجّعت حلفاءها على أخذ مناصب قيادية في المؤسسات المسؤولة عن هذه المشاريع، مثل هيئة الطرق الوطنية، ووزارات المال والنقل والطاقة. وتوفّر هذه الترتيبات فرصة كبيرة لسحب وسرقة أموال من هذه المشاريع، التي تُضفي موازناتها المرتفعة بسرعة مصداقية إضافية على إتهامات الفساد.
ويبدو أن تكاليف القسم الأوغندي من خط السكك الحديدية في شرق أفريقيا هي خارج نطاق السيطرة بشكل خاص. كان المبلغ الأوَّلي المتوقَّع للمشروع 4.5 مليارات دولار للجانب الأوغندي من خط السكك الحديدية، مقابل 3.8 مليارات دولار للجانب الكيني. وما لبثت التكاليف المقدّرة في أوغندا أن تصاعدت لتصل في وقت لاحق أوّلاً إلى 8 مليارات دولار ومن ثم إلى مبلغ مذهل 11 مليار دولار، مما دفع البرلمان إلى تعيين لجنة خاصة للتحقيق. وقد دفعت هذه الإنتهاكات جماعات المعارضة إلى تسمية القروض الصينية بالديون البغيضة، التي يزعم قادتها بأن التعاقد تمّ من طريق أعضاء حكومة موسيفيني لتحقيق مكاسب شخصية، وبالتالي، ليست مُلزِمة للبلاد. لا شك بأن الصينيين لهم رأي مخالف بالنسبة إلى هذا الموضوع.
المستويات الحالية لسوء إدارة الحكومة والفساد هي تطورات حديثة العهد. بين نهاية الحرب الأهلية في 1986 وإكتشاف النفط في 2006، إستطاعت أوغندا إحراز تقدّم إقتصادي كبير تحت حكم موسيفيني. ولمغازلة حسن النية لدى المانحين الغربيين الذين موّلوا جزءاً كبيراً من موازنتها، فقد أدخلت حكومة كمبالا إصلاحات إقتصادية وضعت البلاد على مسار من النمو المطرد الذي أدّى إلى إنخفاض كبير في الفقر. وفي الوقت عينه، فإنها حققت مكاسب في مجالات رئيسية من الحكم تُعتبر حاسمة للحفاظ على النمو الإقتصادي والانتقال إلى مستويات أعلى من التنمية. وقد وجد البنك الدولي تحسّناً في إجراءات الإعتراض العلني (رفع الصوت) والمساءلة؛ والإستقرار السياسي وغياب العنف؛ وفعالية الحكومة؛ والجودة التنظيمية؛ والسيطرة على الفساد؛ وسيادة القانون.
منذ إكتشاف النفط في العام 2006، شهدت أوغندا إمّا تدهوراً أو تقدماً محدوداً جداً في أربعة من هذه التدابير الستة. بعدما أحرزت تقدماً مطرداً إلى حد ما في الإعتراض العلني (رفع الصوت) والمساءلة في أواخر تسعينات القرن الفائت وأوائل القرن الجاري، بدأت كمبالا تتقهقر في العام 2007. وبحلول العام 2013، كانت البلاد تسجّل أدنى درجة بالنسبة إلى منتجي النفط الجدد في منطقة شرق أفريقيا، والتي تشمل كينيا وتنزانيا وموزامبيق. كما حدث إرتداد مماثل في درجات الجودة التنظيمية والسيطرة على الفساد. وأكثر ما كان مخيباً للآمال هو أداء أوغندا أخيراً في درجة سيادة القانون. بعدما قادت منتجي النفط الجدد في شرق افريقيا في هذا الإجراء قبل العام 2007، فلم تحقق أوغندا مكاسب كبيرة في هذا المجال- فيما كانت موزامبيق، التي عرفت حرباً أهلية مدمّرة، تحقّق خطوات هائلة.
إن إكتشاف النفط في أوغندا لم يسهّل فقط تحوّلاً أبعد البلاد من الديموقراطية على وجه الخصوص، ولكن أبعدها أيضاً من الغرب بشكل عام. في 2012، تمّ إكتشاف فضيحة تفيد بأن مسؤولين حكوميين قاموا بإختلاس كميات هائلة من المساعدات. وردّاً على ذلك، أحجم المانحون الغربيون عن متابعة منح المساعدات، وحجبوا 300 مليون دولار. ومن جهة أخرى، فقد تسبّب قانون مكافحة مثلي الجنس الذي صدر في أوائل 2014 أيضاً غضباً في الغرب، ما أدّى إلى التأخير في تقديم قروض وإيقاف برامج المساعدات. ولكن ذلك لم يثنِ الحكومة عن عزمها. فقد تجاهل متحدث رسمي الإنتقادات وأعلن: “إن الغرب يمكنه أن يلغي “مساعداته “إلى أوغندا، فنحن لا نزال نستطيع التطور والتطوير من دونها”. وعلى الرغم من إستئناف المساعدات بعدما قضت المحكمة الدستورية بعدم شرعية قانون مكافحة مثلي الجنس، فإن الساسة الأوغنديين تعهدوا بتمرير قانون منقّح. مع إحتمال وتوقع عائدات نفط كبيرة في المستقبل، فإن الحكومة الأوغندية شعرت بأنها أكثر حرية في تجاهل المطالب الغربية، وفضّلت الإنتقال إلى الإقتراض من الصينيين، الأمر الذي يتطلب القليل من المساءلة، وتحسين الحكم، أو التنمية المؤسسية.
إن زيادة الإستبداد والفساد والديون الخارجية بعد إكتشاف النفط ليست شيئاً جديداً. هذه الظاهرة شائعة جداً في البلدان النامية النفطية الغنية والتي يصفها الإقتصاديون إختصاراً ب”لعنة النفط”. وبإيجاز، إن تدفق عائدات النفط تعفي الحكومة من ضرورة زيادة الضرائب أو تطوير مصادر غير نفطية للثروة الشعبية أو الشخصية، في حين أن المواطنين غير الخاضعين للضريبة في البلاد لديهم حافز قليل لمساءلة حكامهم طالما هؤلاء يتابعون فورة الإنفاق العام. ومع ذلك، فإن أوغندا أعطت هذه الظاهرة فرادة من خلال حلول كل أعراض اللعنة قبل أن يبدأ النفط تدفقه.
فيما تستمر أسعار النفط بالغرق، فإن مستقبل أوغندا يبدو قاتماً. على الوتيرة الحالية، سوف تصل أوغندا قريباً إلى مستوى ما قبل الإغاثة من الديون (74 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2004). من جهتهم بدأ المستثمرون القلقون بالفعل تسعير الخطر المتزايد: إرتفع العائد على السندات الأوغندية لمدة سنة من 11.9 في المئة في حزيران (يونيو) 2014 إلى 14،2 في المئة في الشهر الفائت. بالأسعار الجارية، فإنه من غير المحتمل أن يكون هناك ما يكفي من الأموال لخدمة الإلتزامات المعلّقة غير المدفوعة، خصوصاً إذا كانت شركات التنقيب عن النفط الأجنبية، مثل “تولو” (Tullow)، خفّضت بشكل كبير عملياتها أو أوقفتها. وهذا يثير سؤالاً مهمّاً وغير مستكشف حتى الآن: ماذا سيحدث إذا كانت أوغندا غير قادرة على خدمة الدين الصيني لها؟ إذا كانت التطورات الأخيرة في فنزويلا هي سابقة، يمكن أن تصبح الأشياء قبيحة بشكل سريع جداً. إن أسعار النفط لن تظل منخفضة إلى الأبد. والسؤال هو ما إذا كانت حكومة موسيفيني، ومعها أوغندا، سوف تستطيعان الصمود في وجه العاصفة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى