الطريق إلى نجاح تمويل التنمية
إعتباراً من صدور هذا العدد يبقى 4 أشهر فقط حتى حلول موعد إفتتاح مؤتمر تمويل التنمية الرئيسي الذي ترعاه الأمم المتحدة في أديس أبابا، إثيوبيا. إبتداء من 13 تموز (يوليو)، سوف يجتمع مسؤولون من جميع أنحاء العالم لوضع القواعد الأساسية للإستثمار في أهداف التنمية المستدامة الدولية حتى العام 2030، والتي سوف يؤكدها قادة الدول والحكومات في أيلول (سبتمبر) المقبل في نيويورك. وفيما سيدرس هذا مؤتمر، في جزء منه، تحديد نهج جديد لتمويل البنية التحتية، فإنه سيعمل أيضاً على تأطير شروطٍ لإتفاق مناخ جديد من المقرّر توقيعه في كانون الاول (ديسمبر) المقبل في باريس. عملياً وسياسياً، يبدو أن جميع الطرق تمرّ عبر أديس أبابا في العام 2015.
إن الجدول الزمني لتمويل التنمية يعني أن هناك 21 أسبوعاً لصياغة الإتفاقات التي تحوّل التنمية العالمية المُستدامة من مسار أعمالها العادي. أما جدول الأعمال فهو متعدّد الأوجه. على الجانب الحكومي، فهو يتراوح بين القضايا الموضوعية مثل تمويل التعليم الثانوي، والحفاظ على المحيط، إلى قضايا جغرافية محدّدة مثل المساعدة الإنمائية الرسمية لأقل البلدان نمواً والجزر الصغيرة النامية. ويشمل قضايا معقّدة متعددة الأطراف مثل ما هو الطريق إلى تكثيف الإقراض بشروط غير ميسّرة للإقتصادات المتوسطة الدخل الناشئة.
ويمتد الجدول بشكل حاسم إلى أبعد من الحكومات أيضاً. سوف يوفّر القطاع الخاص حصة كبيرة من الموارد، والتكنولوجيا، وفرص العمل التي من شأنها أن تدعم النجاح الشامل. لذلك تتمثّل واحدة من أعظم مهمات مؤتمر أديس ابابا في التعرف على الحوافز للإستثمار الخاص في مجالات ذات أولوية، جنباً إلى جنب مع القواعد الأساسية للشراكات بين القطاعين العام والخاص. إن رفع مستويات ومعايير تقارير الشركات، على سبيل المثال، يشكّل حاجة لضمان العمل الشفاف والنظيف.
يمكن معالجة هذه القضايا فقط إذا عمل مسؤولو وزارات التمويل والتنمية والخارجية في العالم مع نظرائهم في الوزارات وفي القطاع الخاص لصوغ آليات وسياسات مالية قادرة على معالجة مشاكل أهداف التنمية المستدامة على نطاق واسع. إن آخر إجتماع كبير ينعقد قبل أديس أبابا لوزراء المالية سيحدث في إجتماعات الربيع للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بدءاً من 17 نيسان (إبريل) المقبل. وفيما قد يكون هذا الإجتماع هو المنعطف الرئيسي لهؤلاء الوزراء للتوقيع على مقترحات، فإنه يعني أيضاً أن هناك 63 يوماً فقط لتحضير المكوّنات الأساسية لمؤتمر أديس أبابا.
عند النظر في التحدي لهذا العام، فإن التاريخ المبكر للأهداف الإنمائية للألفية يبدو مفيداً. من المعروف جيداً أن مؤتمر مونتيري لتمويل التنمية، الذي إنعقد في آذار (مارس) 2002، كان له دور أساسي في إطلاق الأهداف الإنمائية للألفية. والإختراقات التكميلية التي لم تقيّم جيداً، أخذت شكلها في الوقت عينه تقريباً وحوّلت الأرض بأكملها من أجل التنمية العالمية: إتفاق الدول الفقيرة المثقلة بالديون في العام 1999، وإنشاء لجنة منظمة الصحة العالمية المعنية بالإقتصاد الكلي والصحة في الفترة 2000-2001، وإطلاق التحالف العالمي للقاحات والتحصين (الآن تحالف غافي) في العام 2000، وإطلاق الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا في العام 2002.
كلٌّ واحدة من هذه المبادرات لعبت دوراً حاسماً في إطلاق الأهداف الإنمائية للألفية أيضاً. وقد وضع إتفاق البلدان الفقيرة المثقلة بالديون الأساس لتوسيع الإستثمارات في القطاع الإجتماعي في البلدان ذات الدخل المنخفض. وأدّت لجنة الإقتصاد الكلي والصحة إلى توافق الآراء في مؤتمر مونتيري حول قطاع صحة واحد. وحدّد المتطلبات الأساسية للأنظمة الصحية التي تشكّلت، إذا جاز القول، أكبر ثغرة في جهود التنمية الدولية خلال تسعينات القرن الفائت. وفي الوقت عينه، أطلق التحالف العالمي للقاحات والتحصين والصندوق العالمي شكلاً جديداً من أشكال التعددية موجَّهة النتائج التي تربط القطاعات العامة والخاصة والعلمية وغير الربحية في جميع المستويات. على أرض الواقع، فيما بدأت البلدان النامية تسجيل نتائج إختراق، وخصوصاً في مجالات الصحة، إستجمعت المناقشات العالمية قواها للعمل على كيفية تحقيق جميع الأهداف الإنمائية للألفية.
وهذا يعني أن، مع مثل هذه الفترة القصيرة حتى إجتماعات الربيع، يحتاج صناع القرار إلى التركيز على أكثر من وضع قواعد جديدة لتمويل التنمية المستدامة. إنهم يحتاجون الى تأكيد سياسات ومبادرات محدَّدة عالية التأثير التي يمكنها أن تبدأ العمل فوراً. ومن الناحية التحليلية، يحتاج المفاوضون أن يأخذوا في الإعتبار المصادر والإستخدامات الإستثمارية الأكثر أهمية لنجاح أهداف التنمية المستدامة، حيث تستطيع الجهود السياسية الرفيعة المستوى أن تركّز على حل المشاكل التي لها تداعيات عظيمة.
يحتاج صناع القرار أيضاً إلى الإعتراف بأنهم يواجهون نوعين متميِّزين من المشاكل. يضم واحد تلك التي يمكن حلّها في الوقت المناسب قبل موعد مؤتمر أديس أبابا. والآخر يتضمن المشاكل التي لا تزال تحتاج إلى حل، ولكن ببساطة تتطلب المزيد من الوقت للعمل على مدى 18-24 شهراً مقبلاً. ولنجاح النوع الأخير فإن الأمر يتطلب بأن لا يعمد مؤتمر أديس أبابا ببساطة إلى وضع القضايا في إتفاقات نوايا فضفاضة. بدلاً من ذلك، يحتاج المؤتمر إلى تحديد مواعيد نهائية ونقاط مساءلة واضحة التي يمكن تتبعها في الأشهر المقبلة.
الخبر السار هو أن عدداً متزايداً من السياسات والأعمال التجارية وقادة المجتمع المدني في العالم حريص على تحقيق تقدم. في أواخر كانون الثاني (يناير) الماضي حضرت الإجتماع السنوي للمنتدى الإقتصادي العالمي في دافوس، سويسرا. وأحد جوانب الريادة في المؤتمر تمثل في مجموعة إستثنائية من كبار المديرين التنفيذيين من مختلف أنحاء العالم الذين تحدّثوا بوضوح وصدق حول التحدّي وأهمية إطلاق أهداف التنمية المستدامة بجرأة في العام 2015.
النتائج الناجحة في أديس أبابا – وفي وقت لاحق في نيويورك وباريس- سوف تتوقف على المشاركة الناشطة التي تمتد إلى الأعمال والحكومات والمجتمع المدني على حد سواء. في دافوس، تعرف المشاركون بلياقة وأناقة على التحدي خلال كلمة الجلسة الختامية لكاثرين غاريت-كوكس، الرئيسة التنفيذية ل”أليانس تراست” والرائدة منذ فترة طويلة في مجال الإستثمار المستدام. متقاسمةً المنبر مع رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم والرئيسة التنفيذية لمؤسسة “أوكسفام” الدولية ويني بيانييما، أطلقت غاريت-كوكس دعوة مؤثرة من أجل العمل بالتأكيد على أن “العام 2015 سيكون الإختبار النهائي حول ما إذا كانت شراكات القطاعين العام والخاص تستطيع العمل في الواقع”. وفي حين شدّدت على حساسية الوقت لمناقشات السياسة العامة لهذا العام، أكدت أيضاً على دور القيادة الشخصية: “نحن جميعاً مسؤولون للقول: هل فعلاً نريد أن نكون جزءاً من تشكيل التاريخ أم نريد أن نكون من دون فاعلية فيه؟”
إن مؤتمر أديس أبابا لتمويل التنمية سيشكّل منعطفاً محورياً في الجهود العالمية لتحقيق التنمية المستدامة. والأشهر الأربعة المقبلة الباقية ستوفّر نافذة نادرة لتشكيل المسار نحو الأفضل.
واشنطن – محمد زين الدين