هل تُطبّع السعودية علاقاتها مع إسرائيل؟

بقلم بلال صعب*

بينما تمضي الإمارات العربية المتحدة والبحرين قُدُماً في عملياتهما المُنفَصلة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، فإن السؤال الذي يدور في أذهان الكثيرين، في كلٍّ من واشنطن والمنطقة، هو ما إذا كان السعوديون سيحذون حذوهما أم لا.

لقد جادلتُ منذ فترة طويلة أن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي الذي من المتوقع أن يحكم المملكة لعقود مُقبلة، مُترَدِّدٌ في إقامة علاقات ديبلوماسية كاملة مع إسرائيل في أي وقتٍ قريب، لأنه إذا فعل ذلك من المرجح أن يُولّد الأمر تداعيات وتكاليف سياسية باهظة محلياً.

بدايةً، يلتزم والده، الملك سلمان، بسلامٍ عربي-إسرائيلي شامل يأخذ بعين الإعتبار حقوق الفلسطينيين ويُحافظ على أهمية وسلامة مبادرة السلام العربية الخاصة بالرياض لعام 2002، والتي دعت إلى انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي العربية التي احتلتها منذ العام 1967، مُقابل اعتراف عربي بحق إسرائيل في الوجود وتطبيع العلاقات الديبلوماسية معها.

ثم هناك العناصر المُتشدّدة جداً في المؤسسة الدينية السعودية، التي تتمتّع بثقلٍ وازنٍ داخل مُجتمعٍ سعودي لا يزال مُحافظاً إلى حد كبير. فهي تُعارض بشدة السلام مع الدولة اليهودية التي تستبعد الفلسطينيين وتحسم بشكل غير عادل مصير القدس، ثالث أقدس الأماكن الإسلامية. إذا تجاهل محمد بن سلمان هذه العناصر أو نفّرها وأغضبها، فيُمكنها جعل الأمور صعبة للغاية بالنسبة إليه من خلال تقويض ما يهتم به أكثر من غيره: خطته لتحوّل البلد. يتعيّن على ولي العهد السعودي الشاب إبقاء الشيوخ الأصوليين راضين وهادئين حتى يتمكّن من المضي قدماً في رؤيته 2030، والتي لم يكونوا مُتحَمسّين لها بسبب إصلاحاتها الإجتماعية – لذا فإن اختيار معركة كبيرة معهم بشأن إسرائيل قد لا يكون أذكى شيء يُمكن القيام به.

هناك أيضاً أنواعٌ عنيفة من الناس يُشبهون تنظيم “القاعدة” في المملكة، والذين بمجرد أن يسمعوا عن موافقة الرياض على التعايش السلمي بين المسلمين واليهود سوف ينتقدون ويُهاجمون آل سعود، كما فعلوا في 1979 ثم مرة أخرى في 2003-2004. لذا على بن سلمان أن يكون حذراً وبالتالي قلقاً جداً بالنسبة إلى هؤلاء أيضاً.

أخيراً وليس آخراً، هناك إيران وتركيا، اللتان ستتحدّيان بشراسة القيادة الإسلامية العالمية للمملكة العربية السعودية وإدارة أقدس مساجد الدين إذا طبّعت علاقاتها مع الدولة اليهودية قبل الأوان – وهو أمرٌ مُثيرٌ للسخرية في حالة أنقرة إذ أن لديها علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل منذ العام 1949.

هذا، على الأقل، كان افتراضي طوال الوقت.

لكن ماذا لو انتشرت أخبار موافقة محمد بن سلمان على تطبيع العلاقات مع إسرائيل؟ بعد كل شيء، لقد تمكّن من صدمة العالم مرات عدة من قبل. على سبيل المثال، هل كان أحدٌ يتوقّع منه أن يُفجّر بمفرده النظام السعودي القائم منذ عقود على سياسات الإجماع؟ أم تهميش كل خصومه بمَن فيهم “حبيب” أميركا في مكافحة الإرهاب الأمير محمد بن نايف؟ أم شنّ حرب في اليمن ووضع الحظر على قطر؟ أم، وفقاً لوكالة المخابرات المركزية، إعطاء الأمر باغتيال المواطن السعودي وكاتب العمود في صحيفة “واشنطن بوست” جمال خاشقجي في تركيا؟

الجواب الصادق عن كل هذه الأسئلة هو كلا.

حجم العيّنة كبير بما يكفي لاستيعاب جميع الإحتمالات والسيناريوهات. بينما ما زلتُ مُتشككاً في أن يُقدم بن سلمان على تطبيع العلاقات مع إسرائيل رسمياً بينما لا يزال الملك سلمان على قيد الحياة – وهو مشهد يجب رؤيته، إذا فعل ذلك – فأنا على استعدادٍ للإعتقاد بأنه قد يفعل ذلك بعدما يُصبح ملكاً، وهذا لن يكون بعيداً من الآن بسبب تدهور الحالة الصحية لوالده البالغ من العمر 84 عاماً.

إذا فعل – للأسباب الأمنية والاقتصادية عينها التي يتقاسمها الإماراتيون والبحرينيون – فسوف يكشف ذلك عن حقائق مهمة عنه وعن المملكة العربية السعودية، ويقترح ويوضّح أحد أمرين: إما أن يكون مسؤولاً وحيداً وحاكماً بالكامل في المملكة وفعّالاً في لجم جميع أشكال المعارضة المحلية بما فيها النخبة الدينية ذات النفوذ التقليدي، أو لم يفعل، وقرر مرة أخرى أن يُجرّب حظوظه.

يشير السيناريو الأول إلى أنه على الرغم من جميع أخطائه، فإن محمد بن سلمان هو الزعيم بلا منازع لأكبر شريك عربي للولايات المتحدة، وهو قادر ليس فقط على اتخاذ قرارات تاريخية في السياسة الخارجية، ولكن أيضاً على تنفيذ إصلاحات داخلية رائدة من دون الاضطرار إلى الخوف من أي رد فعل محلي كبير.

صحيح أن الملوك في المملكة العربية السعودية يتمتعون دائماً بالسلطة المُطلقة، لكن كان عليهم أيضاً تقاسم السلطة مع مجموعة قوية من القادة الروحيين، العلماء. قد يكون محمد بن سلمان أول ملك يستبعدهم ويقلب ترتيب تقاسم السلطة التقليدي.

السيناريو الثاني يعني منطقياً أن محمد بن سلمان ليس قديراً في الداخل وأن العلماء السعوديين ما زالوا صوتاً قوياً ومُنافساً لعهده. يُمكن أن تؤدي ديناميكية الدفع والجذب الأكثر عدوانية بين بن سلمان وعلماء الدين إلى مشاكل لاستقرار المملكة.

إذن، هل سيحافظ محمد بن سلمان على السلام البارد مع رجال الدين، ويصدّ المتطرفين العنيفين، ويحافظ بالتالي على مشروعه التحوّلي؟ أم أنه سيُطبّع مع إسرائيل قبل الأوان وربما يخسركل شيء؟

  • بلال صعب، زميل كبير ومدير برنامج الدفاع والأمن في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. عمل من آب (أغسطس) 2018 إلى أيلول (سبتمبر) 2019 في مكتب وكيل وزارة الدفاع الأميركي للسياسة كمستشار أول للتعاون الأمني في الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى