في غزة، لم يكن ل”حزب الله” أيّ صلة كما كان يأمل

مايكل يونغ*

مع تدهور الوضع في إسرائيل والمناطق الفلسطينية في الأسبوع الفائت، راقب “حزب الله” اللبناني التطوّرات عن كثب. رحَّب الحزب بالكثير مما حدث، لكن من السابق لأوانه الإحتفال. إن المكاسب الفلسطينية هي الأكثر احتمالاً من تأكيد جاذبية “حزب الله” المحدودة.

سيُركّز تقييم “حزب الله” في المقام الأول على ما يعنيه الصراع لإيران وحلفائها الإقليميين، بدلاً من التركيز على كيفية تعزيزه لمصالح الشعب الفلسطيني. سيُرحّب “حزب الله” بقدرة “حماس” على الصمود نسبياً أمام إسرائيل واستمراره بإطلاق النار على أهداف إسرائيلية، على الرغم من القصف العنيف لغزّة.

على غرار “حزب الله” في حرب لبنان في العام 2006، مثّلت قدرة حركة “حماس” على ضرب إسرائيل نصراً أخلاقياً لمؤيدّيها، بغض النظر عن التدمير الإسرائيلي الهائل للمناطق الفلسطينية. كما حدث تحسّنٌ في نوعية ونطاق أسلحة “حماس”، بحيث ألحقت المنظمة أضراراً في أماكن بعيدة مثل تل أبيب والقدس، حتى أنها أجبرت إسرائيل على إغلاق مطارها الدولي.

تُشير قدرة “حماس” إلى إعادة دمج الحركة بالكامل في “محور المقاومة”، تحالف الدول التي تقودها إيران والجماعات المسلحة المعارضة لإسرائيل والولايات المتحدة. لقد تحسّنت العلاقات بين “حماس” و”حزب الله”، التي تدهورت خلال الصراع السوري، بشكل ملحوظ في العام 2017. والجولة الأخيرة من القتال في غزة تأخذ بلا شك عملية المصالحة خطوة إلى الأمام.

وسيُرحِّب “حزب الله” أيضاً بتهميش “حماس” للسلطة الفلسطينية إلى حدٍّ كبير في الاشتباك مع إسرائيل بسبب اقتحام قواتها المسجد الأقصى في الأسبوع الماضي. بعد الجهود الإسرائيلية لطرد الفلسطينيين في حي الشيخ جرّاح كانت “حماس” هي التي قصفت أهدافاً إسرائيلية. على الرغم من أن هذا الأمر حَكَمَ على سكان غزة بتدمير جديد، إلّا أنه يؤكد سياسياً على عدم كفاءة القيادة الفلسطينية في رام الله، والتي فقدت مصداقيتها أصلاً بعد تأجيل الانتخابات التشريعية في 30 نيسان (أبريل).

التطور الثالث الذي سينظر إليه “حزب الله” بارتياح هو أن فلسطينيي الداخل في إسرائيل انضموا إلى الاحتجاجات ضد الحكومة الإسرائيلية، وخلق ما يشبه جبهة فلسطينية واسعة لصالح الحقوق الفلسطينية. بالنسبة إلى “حزب الله”، يشير هذا الأمر إلى أن التناقضات الإسرائيلية بدأت تظهر إلى السطح، الأمر الذي يؤكد في نظر الحزب حجّته بأن الدولة العبرية غير قابلة للحياة.

ورابعاً، ربما كان “حزب الله”، مثل إيران، قد اعتبر ضربات “حماس” ضد إسرائيل إنتقاماً لقصف إسرائيل للمقاتلين والوكلاء الإيرانيين في سوريا. يُمكن لطهران أن تدّعي أنها فرضت علاقة ردع مع إسرائيل. لا تستطيع “حماس” الإنتقام من كلِّ هجومٍ إسرائيلي على القوات الإيرانية أو القوات المُتحالفة معها في سوريا، لكن تأثير ما يحدث في غزة في الاستقرار الداخلي لإسرائيل أقوى من العواقب المحلية لما عانته إيران في سوريا.

على الرغم من كل هذا، على “حزب الله” أن يتوخّى الحذر في إعلان النصر في وقت مبكر. ليس هناك شك في أن حرب غزة الأخيرة، لأنها اقترنت باحتجاجات داخل حدود إسرائيل للعام 1948، مثّلت مُنعطفاً جديداَ مهماّ في العلاقة الفلسطينية-الإسرائيلية. علاوة على ذلك، أظهرت الانفعالات الإقليمية أن “المقاومة الفلسطينية”، التي تزعم إيران وحلفاؤها الإقليميون أنها مُناصرة لها، ما زالت تُسدّد ضربات قوية، لا سيما في مواجهة ظلم إسرائيل.

لكن بسبب ذلك بالضبط، سيعتبر الفلسطينيون أفعالهم على أنها استمرارٌ لأجيالٍ من النضال الوطني، حيث يكون دور إيران و”حزب الله” ثانوياً فقط. ولا ينظر معظم الفلسطينيين إلى “حماس” على أنها طليعة في كفاحهم من أجل تقرير المصير. في استطلاعٍ أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في آذار (مارس) الفائت، قبل الانتخابات المُتوَقَّعة، أراد 22 في المئة فقط من المستطلعين (15 في المئة في الضفة الغربية و33 في المئة في قطاع غزة) أن تقود “حماس” السلطة الفلسطينية المقبلة.

يُمكن للمرء أن يتوقّع من المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل أن ينظروا نظرة أكثر قتامة إلى “حماس”. إن التحرّر الوطني الفلسطيني في الأساس يبقى ظاهرة علمانية ووطنية، مع القليل من الروابط التي تربطه بأجندة إيران الإقليمية.

كما لم يتمكّن “محور المقاومة” من تحويل القتال في غزة إلى سلاحٍ لوضع خصومه العرب في موقع دفاعي. أدانت منظمة التعاون الإسلامي على الفور الإجراءات الإسرائيلية في الأسبوع الماضي وعقدت اجتماعاً لوزراء الخارجية يوم الأحد. في الاجتماع الافتراضي، أدان وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، “جرائم إسرائيل المنهجية” وأعاد التأكيد على مبادرة السلام العربية لعام 2002، والتي تجاهلتها إسرائيل إلى حدٍّ كبير.

وفشل القتال أيضاً في التأثير في الاتفاقات التي أُبرِمَت في العام الفائت بين دول عربية عدة وإسرائيل. يشير هذا إلى أن الأهمية طويلة المدى للقتال في غزة من المرجح أن يتم الشعور بها داخلياً وفي الأراضي المحتلة، مما يؤثر في علاقات إسرائيل مع الفلسطينيين في الداخل وتحت الحكم الإسرائيلي، بدلاً من تغيير العلاقة بين إسرائيل والجهات الفاعلة الإقليمية.

في حين أن “حزب الله” قد يستمتع بحقيقة أن أسلحة “محور المقاومة” تُسبّب المزيد من الضرر في إسرائيل، يجب أن يتذكّر أنه في أي حرب، إسرائيل هي أكثر قدرة على التصعيد والدمار أكثر من أعدائها. في حالة “حزب الله”، سيكون التحدّي الذي سيواجهه الحزب هو احتواء ردة الفعل الشعبية بعد أي حرب، لأن قلّة من العرب على استعداد لخسارة كل شيء لصالح إيران.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى