أعظم ثروة … الوقت

بقلم ميرنا زخريّا*

الناس، كل الناس، يولدون مُتساوين، لكنهم يتمايزون في كيفية إستفادتهم من أيامهم ولياليهم، إذ لكل فرد 24 ساعة في اليوم، وعليه فهو موردٌ يملكه الجميع وبالتساوي؛ لكن البعض منهم يهدر وقته وبالتالي يفشل فيما البعض الآخر منهم يستغل وقته وبالتالي ينجح. ذلك أن نجاح أي عملٍ، أكان على المستوى الشخصي أو على المستوى الوطني، هو لا محالة مُرتبط بالتوقيت. فالوقت، وعلى الرغم من كونه ذلك الشيء غير الملموس وغير المحسوس، إنما هو أثمن ما يمتلك الإنسان في الحياة؛ وهل من حياة من دون نعمة الوقت؟ وهل من إنجازات خارج إطار الزمان؟ يُقال: إذا كان الكلام من ذهب فالسكوت من فضّة، أما الوقت فهو الألماس الذي يُرصِّع لحظات الكلام والأحلام كما لحظات السكوت والسكون.
الوقت هو مِن أندر الموارد: إذا إنقضى لا يُعوَّض، وإذا وُجِد لا يُخزَّن. الوقت هو عُمر الإنسان، ما يؤكد أنه أثمن الثروات على الإطلاق وليس هناك ما هو أغلى منه؛ ما دعا علماء الإجتماع والإدارة إلى إيلاء موضوع إدارة الوقت الكثير من الإهتمام عند إجراء الأبحاث والدراسات التي باتت تطلبها الدول المتقدّمة بشكلٍ دوري، لدرجة إستدعت وجود مادة مُختصة جديدة تُعرف بإسم “مُوازنة الوقت”. إنها المُوازنة الوحيدة التي تُعنى بكافة جوانب الحياة: من إقتصادية وأمنية، إلى سياسية وثقافية، وإلى عائلية وإجتماعية، وحتى التاريخية والجغرافية. إنها أعظم ثروة، إنه الوقت.
الوقت هو ثروة قوميّة، لأنه من أهم العناصر المحرِّكة للحياة، لكن للأسف غالباً ما لا يوليه المسؤولين العرب إهتماماً كافياً، ما يؤدي حيناً إلى تأخيرٍ في تحقيق الأهداف وأحياناً إلى تبديلٍ في الرؤيا، ومن بعدها يبدأ الخلاف لأنه يكون قد مرّ الزمان وفات الأوان؛ لدرجة أننا إبتكرنا بروتوكولاً إجتماعياً عجائبياً يُشجع المسؤول على التأخر في الوُصول، لا بل يُلزمه بعدم إحترام الوقت لتأكيدِ مركزهِ في الوطن ومكانتهِ بين المواطنين. على عكس كثيرٍ من دول الغرب، التي من أهم أسرار قُدرةِ مسؤوليها وقُوةِ إنجازاتها هو تنظيمهم للوقت، إذ لا يوجد عمل من دون خطة كما لا توجد خطة عمل من دون خطة زمنية.
في الماضي، إعتبر قدماء العرب أن “الوقت كالسيف، إن لم تقطعه، قطعك”، للدلالة على سرعة إنقضاء الوقت وللحثّ على إستغلاله والإستفادة منه قبل فوات الأوان. أما في الحاضر، فإن النقمة التي طالت العديد من المسؤولين تشير إلى أنهم لا يُنفذون مهامهم وبالتالي يُتقنون هدر الوقت، وهذا أخطر من هدر المال العام لأن هذا الأخير يمكن تعويضه لا بل يمكن أن نزيده، فيما الوقت لا ينتظر أحداً، إذ لا يمكن شراءه أو بيعه ولا إستئجاره أو إستبداله، ذلك أن العمر هو دوماً في نقصانٍ مُستمر؛ لتتضاعف المسؤولية حين نكون حيال ملفاتٍ عمومية تؤثر بالعام وليس بالخاص فحسب.
إن تنظيم الوقت لا يعني الجدّ بلا راحة، بل يعني مزيداً من الراحة نتيجة النجاح والتقدم الذي سيجنيه الوطن والمواطن. وهذا ما يتطلب مجموعة من الإرشادات الأساسية التي تُعنى بإدارة الوقت، خصوصاً إذا كنا بصدد مسألة عامة لا تحتمل الخطاً:
1. قرار الإنجاز، إذ من الصعب تنفيذ عمل ما من دون الإيمان على مستوى الشخص وعلى مستوى الفريق بضرورة التنفيذ؛
2. تحديد الهدف عند تسلّم مهام أية وظيفة مهما تكن، لأن مَن لا يجد أهدافاً معينةً من وراء أعماله فهو لن يهتم لإنجازها؛
3. تعداد كافة المشاريع بحسب الأولويات من أجل المضي بها بدءاً بالأكثر ضرورةً، وإلا فإن الهوامش منها ستلتهم الوقت؛
4. الإستناد إلى خبراء في المسائل الدقيقة، بدل التسرّع والتفرّد والإتكال على قرارٍ شخصي غير متخصّص قد لا يصيب؛
5. تنظيم جدول زمني لسَير العمل يحوي كل ما هو مقرّر إنجازه، للتنبؤ بعدئذ بآثار المماطلة على المدى القريب والبعيد؛
6. التحسّب المُسبق للظروف الطارئة والخارجة عن السيطرة، فمن غير المستحبّ أن يحبس الواحد نفسه في خطةٍ يتيمةٍ؛
7. الرقابة والتقييم ثم المحاسبة لمختلف مُجريات أجزاء العمل، وذلك تفادياً لإضاعة الكلفة والمجهود بالإضافةِ إلى الوقت.
دراسة تلوَ دراسة يزداد الباحثون يقيناً بأن المواطن العربي: يُنتج في يومه أقل ممّا هو متعارف عليه ويهدر من وقته أكثر ممّا هو متعارف عليه؛ فقد أظهرت الدراسة الأخيرة التي أجراها الإتحاد العربي للتنمية الإدارية بأن معدّل إنتاجية الموظف العربي هو 18 دقيقة في اليوم، ممّا إستوقف الباحثين وعلت أصوات المتسائِلين الراغبين في معرفة إذا كان الإنسان العربيّ بطبعه كسولاً خمولاً. لا، الكسل ليس السبب، بل هو النتيجة، نتيجة عدم التحفيز. وإستناداً إلى ما توصّل إليه علماء النفس، فإن إدراك الفوائد التي سيجنيها شخص ما إثر تنفيذ عملٍ ما، هو الدافع المحفّز وراء تنظيم وقته وتحسين آدائه.
وعليه، فختامها مِسك، مَعَ عودةٍ إلى الكتب السماوية:
حين يحسّنا الله تعالى في الإنجيل المقدس على القيام بعملٍ ما، فهو يتبعه بالفوائد التي سوف يجنيها المؤمن من تصرّفه هذا.
والحال نفسه ينطبق على القرآن الكريم، حيث توضح الآيات الكريمة الأضرار من الفوائد التي سوف يكسبها المؤمن لاحقاً.
أما بعد الكلام المُنزل.. فلا كلام.. وعليكم السلام.

* باحثة في علم الإجتماع السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى