النمو الإقتصادي البطيء يُجبر البنوك الإماراتية على البحث عن أسواق جديدة

تزايد تباطؤ الإقتصاد وشح السيولة يقدّمان للمُقرضين في دولة الإمارات العربية المتحدة مجموعة جديدة من التحديات. هل أن توسيع وجودها الدولي سوف يقدم حلاً؟ التقرير التالي يحاول الإجابة عن هذا السؤال.

البنك المركزي الإماراتي: توجيهاته كانت أساسية للمصارف الإماراتية
البنك المركزي الإماراتي: توجيهاته كانت أساسية للمصارف الإماراتية

أبو ظبي – سامر العريان

عملت دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل جدي ونشيط على تنويع إقتصادها في السنوات الأخيرة. وقد أدّت هذه الجهود إلى رفع مساهمات القطاع غير النفطي إلى حوالي 70٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وفقاً لوزارة الإقتصاد. ولكن، كما حصل مع مُصدّري السلع الأساسية الآخرين، لم تكن دولة الإمارات بمنأى عن تأثير الإنخفاض في أسعار النفط العالمية. ومع توقع أن يظلّ سعر النفط الخام مكتئباً في المدى المتوسط، فإنه يجري الآن إمتحان ووضع نموذج النمو في البلاد على المحك.
يتوقع صندوق النقد الدولي أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات إلى 3٪ في العام 2015، وهو إنخفاض ملحوظ من نسبة 4.6٪ المسجّلة في العام 2014. وفي هذه البيئة الأقل نمواً، من المتوقع أن تنخفض الإيرادات الحكومية – حيث أن 60٪ منها يأتي من قطاع النفط والغاز – بنحو 20٪ في العام 2015. وفي الوقت عينه، من المرجح أن يكون التوازن المالي في البلاد سلبياً في 2015 و2016، على الرغم من الإحتياطات المالية الكبيرة التي سوف تعوّض عن تأثير هذا العجز في السنوات المقبلة.

تأثير أسعار النفط

“إن إنخفاض أسعار النفط كان من المتوقع دائماً أن يضرب الإقتصاد ويصيبه بتأخّر طفيف، وهذا التأخّر قد مرّ الآن. نحن نتوقع أن نرى نمواً بطيئاً للفترة المتبقية من هذا العام وحتى في العام 2016. ويبدو من المرجح أن تستمر بيئة ضعف أسعار النفط لفترة أطول من عامي 2008 و2009. وإذا كانت هذه هي الحالة فإن إتجاه النمو سوف يسير نزولاً، وهذا سوف ينعكس في هبوط أسعار الأصول، بما فيها الأسهم والعقارات”، يقول سايمون وليامز، كبير الإقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في بنك “أتش أس بي سي” (HSBC) .
تراكمياً، هذه الظروف تعني أن الأمور ستصبح أكثر صعوبة بالنسبة إلى البنوك والمؤسسات المالية في البلاد. في السنوات التي تلت الأزمة المالية، تمتع القطاع المصرفي في دولة الإمارات بمعدلات نمو قوية على ظهر إقتصاد مزدهر، وإرتفاع أسعار النفط، وإنفاق حكومي سخي. ومع ذلك، فإن البيئة التنظيمية الحكيمة التي أنشأها البنك المركزي في البلاد قد ضمنت توجيه هذا النمو بشكل فعّال، حيث أن البنوك في دولة الإمارات تبدو الآن في وضع جيد لتحمّل هذه البيئة الأكثر تحدّياً. وبحلول نهاية العام 2014 كان القطاع يتمتع بمتوسط نسبة كفاية في رأس المال بلغ 18.2٪، وعائد كلّي على الأصول وعائد على حقوق المساهمين بلغا 1.7٪ و 13.6٪ على التوالي، وفقاً للبنك المركزي.
مع ذلك، فإن الصعوبات الناجمة عن إنخفاض أسعار النفط قد شعر بها معظم المقرضين في الإمارات. خلال الفصول المقبلة، من المتوقع أن ترتفع خسائر الإئتمان مع تباطؤ نمو الأرباح وإنخفاض جودة الأصول. بالإضافة إلى ذلك، إن سحب الودائع الكبيرة من قبل الحكومة والكيانات ذات العلاقة مع الدولة من القطاع المصرفي يساهم بالفعل في تضييق السيولة.

تحديات السيولة

“أعتقد أن بيئة السيولة ستضيق وتتشدّد، إذ أن إحتياجات الإقتراض ستزيد والجهات الحكومية ستجد نفسها تدير عجزاً بدلاً من الفوائض، ومع إرتفاع معدل الفائدة في الولايات المتحدة فإن كل هذا من شأنه أن يضع مزيداً من الضغوط على القطاع”، يقول وليامز.
في تشرين الأول (أكتوبر) 2015، ذكر بنك أبوظبي الوطني بأن هناك إنخفاضاً بلغ 13 مليار دولار في الودائع الحكومية خلال العام السابق. وقد إنعكس هذا الإتجاه على القطاع ككل، الذي سجّل إنخفاضاً بنسبة 13٪ في الودائع الحكومية منذ بداية العام 2015، وفقاً لبيانات من وكالة “ستاندرد آند بورز”. إن التقلبات في أسعار سوق المال في البلاد في الأشهر الأخيرة تعكس موقف السيولة السيّىء والمتفاقم. بين عشية وضحاها، إرتفعت أسعار الفائدة بين البنوك لثلاثة أشهر وسنة إلى مستويات قياسية لم تعرفها منذ سنوات طوال النصف الثاني من العام، الأمر الذي ولّد قلقاً متزايداً بين المُقرضين في البلاد.
“رداً على بيئة سيولة أكثر تحدّياً، فإن السوق قد تشهد زيادة عدد المصارف الإماراتية التي تتطلع إلى الحصول على التمويل من خلال أسواق رأس المال الإئتمانية. قد تكون هناك أيضاً زيادة شهية لإصدار السندات من الحكومات في المنطقة”، يقول شاين نيلسون، الرئيس التنفيذي لبنك الإمارات دبي الوطني، أكبر بنك في الامارات من حيث رأس المال فئة 1.
وتواجه الأسواق في أماكن أخرى في المنطقة تحدّيات سيولة مماثلة. إن برنامج إصدار السندات المحلية في المملكة العربية السعودية، الذي بدأ مع إصدار ال5 مليارات دولار في منتصف العام 2015، هو دليل على خسائر ما يقدر ب360 مليار دولار في عائدات التصدير التي عانت منها دول مجلس التعاون الخليجي على مدى العام الماضي. كما أن برنامج إصدار السندات المحلية في البلاد، والذي تم عرضه لسد العجز في الموازنة له آثار على البنوك الإماراتية أيضاً.
“تعمل المؤسسات المالية السعودية كمقدمة وموفّرة مهمة للأموال للسوق المصرفية الخليجية على نطاق أوسع، لذلك أي تدهور في وضع السيولة في المملكة له بعض التأثير في النظام المصرفي في دولة الإمارات”، تقول سهى عرقان، المديرة المساعدة لتصنيفات الخدمات المالية في “ستاندرد آند بورز”.
بأخذ كل الإعتبارات معاً، فإن أداء البنوك الإماراتية بدأ الآن يبرد. في الواقع، أظهرت غالبية المصارف علامات تباطؤ في نتائج الربع الثالث من 2015. فقد سجل بنك الإمارات دبي الوطني نسبة 2٪ فقط كصافي أرباح على أساس فصلي، في حين إنخفض صافي أرباح بنك أبو ظبي الوطني بنسبة 3٪ على أساس سنوي، و 8٪ على أساس فصلي. وفي الوقت عينه، كانت الأرباح الصافية لبنك الخليج الأول ومقره أبوظبي مُسطّحة بشكل فعال خلال الربع الثالث مقارنة مع الفترة عينها من العام 2014.
“في المجموع أتوقع رؤية تباطؤ نمو الإئتمان في القطاع المصرفي خلال العام المقبل. وسيرافق ذلك زيادة في تكلفة الأموال”، يقول وليامز.

حذر الشركات الصغيرة والمتوسطة

في الوقت عينه، تضع بيئة السوق الأكثر تحدّياً ضغطاً على الإقراض للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. على الرغم من أن هذه الشركات تُسهم بنحو 60٪ من الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات وتمثّل 92٪ من جميع الشركات في البلاد، وفقاً للأرقام الصادرة عن بنك الإمارات دبي الوطني، فإن مستويات الإقراض المصرفي للقطاع ما زالت منخفضة بشكل إستثنائي. وتشير التقديرات الحالية إلى أن حوالي 5٪ فقط من جميع القروض المصرفية تتجه نحو الشركات الصغيرة والمتوسطة في البلاد.
لكن، في ظل الظروف الراهنة، فإن معدلات التخلف عن الدفع لدى الشركات الصغيرة والمتوسطة آخذة في الإرتفاع، الأمر الذي أدّى بدوره إلى مزيد من الحذر بين المُقرضين في البلاد. “بالنسبة إلى قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة نتوقع أن نرى إرتفاع معدّلات التخلف عن الدفع في الربع الأخير من 2015 والربع الأول من العام المقبل”، تقول عرقان.
علاوة على ذلك، فقد إفتتح مكتب الإتحاد للمعلومات الإئتمانية في أواخر العام 2014 الذي يقدّم الآن للبنوك المعلومات الإئتمانية عن المستهلكين والشركات التي يعود تاريخها إلى تشرين الأول (أكتوبر) 2012. وفي حين أن هذا المكتب قد زاد مستويات الشفافية وسيؤدي إلى تحسّن السوق في المدى الطويل، فإنه أوضح أيضاً حالة المديونية لدى بعض الشركات. ونتيجة لذلك، فإن عدداً من المُقرضين أخذ يحدّ الآن من تعرّضه لعملاء أكثر خطورة من طريق طلب إعادة قروضهم فوراً وبأسرع وقت والحد من أنشطة إقراضهم.
في الوقت عينه، بالنسبة إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تركّز على الأسواق التجارية والعالمية، يمكن القول بأن الوضع لم يساعد بسبب تقدير قيمة الدرهم، وفقاً لويليامز من بنك “أتش أس بي سي”: “تقريباً كل العملات في الأسواق الناشئة قد ضعفت أمام الدولار الأميركي خلال العام الماضي. لكن، بسبب ربط الدرهم بالعملة الأميركية، لم يكن هناك تغيير إسمي مقابل الدولار في دولة الإمارات ولكن بالقيمة الحقيقية فإن العملة قد إرتفعت في الواقع”، كما يقول.
بالنسبة إلى المُقرضين الدوليين، فإن سوق الشركات الصغيرة والمتوسطة في البلاد هي أيضاً مصدر لبعض المخاطر. إن قرار بنك “ستاندرد تشارترد” بإنهاء أعماله في دولة الإمارات العربية المتحدة حيث بلغت مبيعاته السنوية 10 ملايين دولار في تشرين الأول (أكتوبر) 2014 جاء نتيجة لضغوط من المنظمين في الولايات المتحدة الذين كانوا يمارسون الضغط على المُقرض للحدّ من تعرضه للمخاطر. في الواقع، لقد إنسحب عدد من المُقرضين الدوليين من السوق المصرفية الإماراتية في السنوات الأخيرة، فيما تغيّرت الديناميات التنظيمية والسوق سلباً. على سبيل المثال خفّضت المصارف البريطانية “رويال بنك أوف سكوتلاند” و”لويدز” و”باركليز” من وجودها في البلاد.

التمويل الإسلامي

ثمة إستثناء ملحوظ في هذا الإتجاه يتمثّل بالذراع المصرفية لمجموعة ميتسوبيشي المالية، “بنك طوكيو ميتسوبيشي يو أف جي”. في تشرين الأول (أكتوبر) 2015، أعلن البنك عن إطلاق نافذته للتمويل الإسلامي إنطلاقاً من دبي. مغطّياً منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، فإن هذه الخطوة تأتي بعد غزوة البنك لسوق الصكوك من خلال وحدته في ماليزيا في العام 2014، حيث أصبح أول بنك ياباني يستفيد من سوق السندات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. وتضمّنت الصفقة أيضاً أول صكوك تُقَوَّم بالين في العالم.
“قرّرنا أن نجعل فرعنا في دبي المحور- المركز لإستراتيجيتنا للتمويل الإسلامي لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا. وهذا لأننا نرى أن هناك إمكانات هائلة للنمو في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي. لقد بدأنا مع منتجات بسيطة جداً، بما في ذلك سلع تمويل وودائع المرابحة. ونخطط في النصف الأول من 2016 إدخال منتجات الإستصناع والقائمة على الإجارة”، يقول شيشيتو توباري، العضو المنتدب والرئيس الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط في “بنك طوكيو ميتسوبيشي يو أف جي”.
وكما أشار تقرير مجلة “ذي بانكر” المالية في تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت عن أهم المؤسسات المالية الإسلامية في 2015، في حين بدأ نمو سوق المصرفية الإسلامية العالمي يتسطّح فإنه لا يزال يتفوّق على نظيره التقليدي ببعض المقاييس. على هذا النحو، ينظر “بنك طوكيو ميتسوبيشي يو أف جي” إلى خطوته إلى حيز التمويل المتوافق مع الشريعة بإعتبارها وسيلة للإستفادة من هذه الإمكانات، فضلاً عن توسيع قاعدة عملائه.
“تتطلب غالبية البلدان في المنطقة إستثمارات كبيرة في البنى التحتية، ونحن نرى الكثير من الفرص للإستفادة من هذا الطلب. وفي جميع أنحاء المنطقة فإن المؤسسات السيادية والخاصة على حد سواء تبحث عن السيولة بالدولار الأميركي وهنا نجد أن لدينا ميزة بسبب تمتّعنا بموازنة قوية “، يقول توباري.

الإبتكار الرقمي

على الرغم من التحديات، فإن القطاع المصرفي في دولة الإمارات العربية المتحدة يسعى إلى البناء على سمعته كقطاع رائد إقليمياً من حيث الإبتكار التكنولوجي والرقمي. في حين أن عدداً من الأسواق المصرفية في دول مجلس التعاون الخليجي قد إستثمر بكثافة في هذه النواحي في السنوات الأخيرة، فإن الإمارات ظهرت على أنها متميزة في هذا المجال. وهذا واضح سواء من حيث المنتجات والخدمات التي تقدمها، وكذلك من خلال الطرق التي يتعامل بها العملاء الآن مع البنوك.
“بلغت نسبة عملاء [بنك الإمارات دبي الوطني] الذين يستخدمون بصورة منتظمة الخدمات الرقمية 42٪ من قاعدة العملاء، مع وصول المعاملات التي تتم خارج شبكة الفروع الآن إلى 87٪، وهذا مَعلَمٌ جديد للصناعة المصرفية الإقليمية وعلى قدم المساواة مع أفضل الممارسات الدولية في الأسواق المتقدمة “، يقول نيلسون.
وفقاً للبيانات الصادرة عن بنك الإمارات دبي الوطني، فقد وصل البنك الآن إلى نقطة إنعطاف حيث يرى أن المعاملات الرقمية قد زادت بنسبة 29٪ سنوياً مقابل إنخفاض 17% في المعاملات التي تتم في الفروع. في المقابل، فإن هذه العملية تساعد المُقرض على إدارة تكاليف فروعه في حين يجتذب حوالي 10٪ إلى 15٪ من أعمال جديدة من خلال قنوات رقمية.
في أيلول (سبتمبر) 2015، أصبح بنك الإمارات دبي الوطني أول بنك في وسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا يشارك في برنامج المشاركة الرقمية ل”فيزا” (Visa’s Digital Engagement Programme). وهذا البرنامج يربط المؤسسات المالية وشركات التكنولوجيا من أجل تسريع تطوير خدمات وطرق دفع جديدة وتجارية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن طرح البنك لتكنولوجيا محمولة لإيداع الشيكات، فضلاً عن تطبيق التحويلات المجانية التي تغطي الهند والفليبين وباكستان، تشير إلى الإتجاه المتزايد للرقمنة في السوق.

النمو العالمي

وإستشرافاً للمستقبل، فإن عدداً من المُقرضين في الإمارات العربية المتحدة يسعى الآن بنشاط إلى إيجاد فرص نمو في الخارج. ومن المتوقع أن تؤدي المنافسة الشديدة في السوق المحلية، إلى جانب تدهور البيئة الإقتصادية الكلية، إلى تسريع هذه العملية. وقال الرئيس التنفيذي لبنك أبوظبي الإسلامي، طراد المحمود، الذي كان يتحدث في حدث إعلامي في تموز (يوليو)، أن البنك يدرس أهدافاً للإستحواذ في جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا في العام 2016.
والمعلوم أن بنك أبوظبي الوطني بدأ عملياته في الهند في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015. وقد مُنح البنك رخصة مصرفية كاملة من البنك الإحتياطي الهندي (المركزي)، وسيوفّر خدمات مصرفية بالجملة، بما في ذلك نشأة وتوزيع الدين، وتمويل المشاريع، والتمويل التجاري وتمويل الأصول. وتأتي هذه الخطوة في إطار حرص بنك أبوظبي الوطني على تطوير موقعه على طول ما يسمى ممر الغرب والشرق.
وبالمثل، يبدو أن بنك الإمارات دبي الوطني سيواصل إستراتيجيته للتوسع العضوي وغير العضوي على حد سواء خلال العام المقبل. “يستخدم بنك الإمارات دبي الوطني مزيجاً من المبادرات العضوية وغير العضوية لتوسيع وجوده الدولي. مع ذلك، ليس لدينا أي إطار زمني مُحدَّد، والأسواق المغطاة ضمن خططنا الحالية هي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا وجنوب آسيا “، كما يقول نيلسون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى