قرارُ نَزعِ سلاحِ “حزب الله”: مُواجَهَةٌ مَفتوحَة بين ضغوطٍ أميركية ومخاطر إسرائيلية
مايكل يونغ*
أثارَ قرارُ الحكومة اللبنانية، يوم الخميس الفائت، بتأييدِ أهدافِ خطّةٍ صاغتها الولايات المتحدة ردَّ فعلٍ سلبي من جانب “حزب الله”، وإلى حدّ ما من حليفه داخل الطائفة الشيعية، حركة “أمل”. ومع ذلك، فإنَّ الطرَفَين، وقد أدركا خطرَ عَزلِ نفسيهما أكثر، لم يسحبا وزراءهما من حكومة نوّاف سلام.
الوثيقة التي قدّمها المبعوث الأميركي المؤقت إلى لبنان، السفير توم برّاك، إلى مجلس الوزراء اللبناني، تضمّنت، ضمنَ أمورٍ أخرى، مسارًا لنَزعِ سلاحِ “حزب الله”. وقبل جلسة الخميس، كانت حكومة سلام قد أمرت الجيش اللبناني بإعدادِ خطّةٍ بحلولِ نهاية شهر آب (أغسطس)، لتنفيذ قرار الدولة بفرضِ احتكارها للسلاح بحلول نهاية العام الحالي.
الأساسُ القانوني لهذه العملية هو قرارُ مجلس الأمن الدولي رقم 1559، الذي يدعو إلى حلّ جميع الميليشيات في لبنان، لبنانية وغير لبنانية، إضافةً إلى القرار 1701 الذي أنهى حربَ لبنان في العام 2006. وقد فرضَ القرارُ 1701 انسحابَ “حزب الله” إلى ما وراء نهر الليطاني، وأكد أيضًا أحكامَ القرار 1559.
لا يزالُ من غير الواضِحِ كيفَ ستتمكّنُ الحكومةُ اللبنانية والجيش من تنفيذِ مثل هذه القرارات إذا واصلَ “حزب الله” رفضه تسليم سلاحه. كلٌّ من رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وسلام يسعيان إلى تجنُّبِ العُنفِ بأيِّ ثمن، والعمل على الحيلولة دونَ حدوثِ قطيعةٍ مع الطائفة الشيعية التي يدعم معظمها “حزب الله” و”أمل”.
أحد الجوانب التي لم يُسَلَّط عليها الضوء كثيرًا في هذا السياق هو ما قد تفعله إسرائيل إذا تمكّن “حزب الله” و”أمل” من إفشالِ خطّة الحكومة لنزع سلاح الحزب. فكلا الطرفَين، باندفاعهما، عليهما أن يُدركا المخاطر الحقيقية إذا ما استأنفت إسرائيل حملتها العسكرية في لبنان، خصوصًا مع حصولها على دعمٍ أميركي غير مشروط.
يجدُ “حزبُ الله” نفسه اليوم وحيدًا جدًا في لبنان. كثيرون يلومونه على جَرِّ البلاد إلى حربٍ من أجل غزة لم تكن ضرورية، وكانت مُدمِّرة للغاية، وأتاحت لإسرائيل إعادة احتلال أجزاءٍ من لبنان بعدما كانت سحبت قواتها منه في العام 2000.
منذ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، حين تمَّ التوصُّل إلى وقفٍ لإطلاقِ النار، واصلت إسرائيل استهداف مواقع “حزب الله” ومسؤوليه أو مَن تَزعَمُ أنهم مسؤولون، بشكلٍ شبه يومي. كما انتهكت إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار برفضها الانسحاب الكامل من لبنان في كانون الثاني (يناير)، كما نصَّ الاتفاق، وهو موقفٌ دعمته إدارة دونالد ترامب.
ربطَ مُقترَحٌ قدّمه برّاك لاحقًا بين الانسحاب الإسرائيلي من المناطق اللبنانية التي ما زالت تحتلها إسرائيل وبين نزع سلاح “حزب الله”. وبإقامة هذا الربط، حمّل المبعوث الأميركي الحزب مسؤولية استمرار الوجود الإسرائيلي.
من المؤكّدِ أنَّ الإسرائيليين سيأخذون هذا في الاعتبار عند التخطيط لاستراتيجيتهم في لبنان. فإذا كانت إدارة ترامب مُستَعِدّة لإلقاء اللوم على “حزب الله” في مسألةِ الاحتلال الإسرائيلي، فإنَّ ذلك يمنح حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خياراتٍ عدة لما يجب فعله لاحقًا إذا استمرَّ الحزب في رفضه التخلي عن سلاحه.
يُمكنُ للقوات الإسرائيلية احتلالَ المزيد من الأراضي اللبنانية حتى نهر الليطاني، والمضي في تدمير كامل البنية التحتية لـ”حزب الله” جنوب ذلك النهر — وهي عملية بدأها الجيش اللبناني بالفعل. حينها، يمكن لقيادة إسرائيل أن تشترطَ انسحابها بنزع سلاح “حزب الله” من قبل الحكومة اللبنانية، أو حتى توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل. وفي حال رفض لبنان، يمكن لإسرائيل التوسُّعية أن تضمَّ أراضٍ لبنانية بشكلٍ دائم.
خطّةٌ أكثر طموحًا قد تتمثّلُ في احتلالِ القوات الإسرائيلية أراضٍ حتى نهر الأوّلي، عند مستوى مدينة صيدا جنوب لبنان، وفرض مطالب مشابهة، أو حتى التفكير في الضم. وسيؤدي ذلك إلى إفراغ الجنوب من سكانه الشيعة، فيما ستُفاقم الأزمة الإنسانية الناتجة الضغوط على “حزب الله” والدولة اللبنانية للرضوخ لمطالب الحكومة الإسرائيلية.
إذا فشلَ اللبنانيون في ذلك، فقد تستخدمُ إسرائيل منشآتها الجديدة في جنوب لبنان لشنِّ حملة طويلة لتدمير مواقع ومستودعات أسلحة “حزب الله” في أنحاء لبنان، باستخدام الطائرات الحربية والطائرات المُسَيَّرة أو القوات الخاصة التي تُنقَلُ بالمروحيات، كما فعلت ضد مصنع صواريخ للحزب في مصياف بسوريا في أيلول (سبتمبر) الماضي.
يرى بعض المراقبين أنَّ إعادةَ انتشار القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان قد تمنحُ “حزب الله” شريان حياة، إذ يمكنه إحياء بُعدِ “المقاومة” بمواجهة الاحتلال. ربما، لكنَّ التحديات كبيرة. أوّلًا، سيكون الحزب بمفرده في ذلك، مع رغبةِ كثيرٍ من اللبنانيين في إنهاء الصراع مع إسرائيل. ثانيًا، من دونِ خطِّ إمدادٍ منتظم عبر سوريا، ستتراجع قدرة الحزب على مواصلة مثل هذا الجهد العسكري.
وثالثًا، إذا حاول “حزب الله” تشكيل جبهة ضد الوجود الإسرائيلي، لا سيما على طول نهر الأوّلي، فإنَّ ذلك سيعني ترسيخ وجوده في مناطق غير شيعية، حيث المجتمعات المحلّية مُعادية بشدّة له. في ظل هذه الظروف، سيجد الحزب على الأرجح صعوبةً استثنائية في خوضِ مقاومةٍ فعّالة.
االثُنائي الشيعي، وخصوصًا “حزب الله”، يُدركُ بالتأكيد مواطن ضعفه. علاوةً على ذلك، لا يبدو أنَّ الحزب يمتلك خطّةً بديلة موثوقة. فهو الآن تحت السيطرة المباشرة لإيران، بعد أن تمّت تصفية صفوف قيادته في العام الفائت، وبات يحاول الدفاع عن وَضعٍ راهن غير قابلٍ للاستمرار. إنَّ الاحتمالاتَ المُتاحة أمامَ إسرائيل تجعلُ مثل هذه الاستراتيجية أقل قابلية للنجاح، بينما تبقى النتائج المحتملة مُقلِقة للغاية.
- مايكل يونغ هو مُحرّرٌ كبير في مركز مالكولم كير كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيثُ يرأس تحرير مدوّنة “ديوان” التابعة للمركز. وهو كاتب رأي في الشؤون اللبنانية في صحيفة ذا ناشيونال، ومؤلف كتاب “أشباح ساحة الشهداء: رواية شاهد عيان عن كفاح لبنان في الحياة” (دار سايمون وشوستر، 2010)، الذي اختارته صحيفة وول ستريت جورنال كواحد من الكتب العشرة البارزة لعام 2010. يُمكن متابعته عبر منصة (X) على: @BeirutCalling
- كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.