“كَرَكَلَّا”: التَحليقُ فَوقَ بعلبك وموسكو

تستعدُّ فرقة كركلَّا للسفر قريبًا إِلى موسكو، كي تعرض عملًا كوريغرافيًّا مميَّزًا على مسرح البولشُوي. وهي سابقةٌ أُولى لفرقة من لبنان والشرق الأَوسط تؤدي إبداعها على هذا المسرح العالَمي الفريد.

هنا كلمة من واشنطن للشاعرة والكاتبة مي الريحاني بعد مشاهدتها، في بيروت قبل أَيام، عمل كركلَّا الحالي “أَلف لبلة وليلة”.

 

مي الريحاني*

هي بعلبكيةٌ لبنانيةٌ أَصيلة. لكنها أَيضًا عالمية. هي ذي “فرقة كركلَّا”.

يتضمَّن الرقص في جوهره حركة إِيقاعية غالبًا ما تكون في تناغمٍ مع الموسيقى. وهكذا كركلَّا، في رائعته الفنية الحالية “أَلف ليلة وليلة”.

في الفصل الأَول يخلق مناخًا تلتقي به موسيقى الروسي ريمسكي كورساكوف (“شهرزاد”) بلغةٍ لأَجسادِ الراقصين مستوحاةٍ من رقة نسيم القرى اللبنانية ساعة الغروب.

وفي الفصل الثاني يَدمج كركلَّا بين جمال موسيقى “بوليرو” الفرنسي موريس رافيل وعنفوان الجسد المتمرد الآتي من تاريخ بعلبك وزحلة وعنجر ونيحا ودير القمر: أَرجُلٌ تضرب الأَرض فتهتزُّ عزيمةُ الطغاة.

بلى: فرقة كركلَّا للرقص تتحدَّى الحدود وتتحدَّى الظُلْم. فالرقصُ أَكثرُ من مجرَّد حركة جسدية: إِنه شكل من أَشكال الفن يحرِّك المشاعر بعُنف، ويعكس الهويات الثقافية. مع كركلَّا يصبح الرقصُ قصيدةً تنقل الروايات التاريخية كما ينقلها شكسبير، ويجمع معلَّقاتٍ تجمع بين الموسيقى والأَجساد الراقصة على جسر يربط بين الشرق والغرب.

جمالياتُ الرقص عند كركلَّا تكْمُن في قدرته على دمج التاريخ بالتجدُّد فيتطاير الإِبداع. كأَنما يحافظ على الثقافة من خلال تمرير القصص والطقوس، من جيل إِلى جيل، على كف الحركة الجسدية. وأَكثر: من خلال الرقص، يتحدَّى المعايير الاجتماعية التقليدية، ويُلهِم جمهوره بالانطلاق في فضاء جديد.

الرقص، في النهاية، شكلٌ حيويٌّ يعكس ثراء التجربة الإِنسانية والإِبداع. وكركلَّا يُواصل التطور، يواصل خلْق جمالٍ مغايرٍ، مستلهمًا تَطوُّر الرقص العالمي، منْصتًا إِلى قصص الشرق ورواياته، خالقًا رقصًا نابعًا من تاريخنا، متجاوزًا حدود التقاليد والجغرافيا، مرتفعًا إِلى سماء التكيُّف الدائم والإِبداع المزدهر.

عبد الحليم كركلًّا: رايةٌ أَنت لبنانيةٌ ترفرف في سماء العالم.

أَليسار وإِيفان كركلَّا: أَعطاكما والدُكُما عبد الحليم حريةَ التحليق فوقَ بعلبك وصنين، كما أَرادكُما أَن تحلِّقا أَيضًا فوق باريس وموسكو ونيويورك.

وإِني أَسمع، من هنا، جمهورَ هذه العواصم ينحني أَمام المايسترو، ويصفِّق طويلًا لــ… ثلاثةٍ من بعلبك.

  • مي الريحاني هي شاعرة، كاتبة، وباحثة أكاديمية لبنانية تعيش في واشنطن منذ نصف قرن. عملت في مؤسّساتٍ تنموية تربوية أميركية كبرى، وكانت مرشحةً رسميةً لرئاسة الجمهورية اللبنانية لكنها اعتكفت عنها لأسبابٍ صحّية. لها مؤلفاتٌ عدة بالإنكليزية والعربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى