10 روائع عالمية بتوقيع زَها حديد ( 2 من 2)

هنري زغيب*
في الجُزءِ الأَول من هذا المقال، ذكرْتُ كيف لم يكُن عاديًّا أَن تحتلَّ المهندسة المعمارية العراقية الأَصل (البريطانية الجنسية) زَها حديد (بغداد 1950 – ميامي 2016) صدارةَ هذا الفن العلْمي الراقي بين جميع أَعلامه في العالم. وأَكثر: يعتبرها مؤَرِّخو هذا الفن وخبراؤُه من أَبرز المعماريين في آخر مئة سنة. ذلك أَنها خرجَت عن كل مأْلوف كلاسيكي واشتقَّت لأُسلوبها بصمة طبيعية سبَّاقة رائدة. فَتحَت الطريق العالمي للمرأَة في هذا القطاع، إِذ كانت أَول مهندسة في العالم تنال “جائزة بْريتْزْكِر للهندسة المعمارية” (سنة 2004)، وهي أَعلى مكافأَة في العالم تُعادل تمامًا “جائزة نوبل”، تُمنحُ “لِمَن يُظهر في عمله موهبة ورؤْية والتزامًا بخدمة الإِنسانية وتقَدُّمها عبْر فن الهندسة المعمارية”.
في الجزء الأَول عدَّدتُ خمسة تصاميم عالَمية بتوقيع زها حديد. في هذا الجزء الآخر تتمةٌ عن خمسة تصاميم أُخرى بتوقيعها.
- مركز لندن المائي–2011
مواصِلةً عملَها الناجح على تصميم مقر عند حدود الماء (كنجاح تصميمها دار أُوبرا غْوانغْسو على ضفة نهر بيرل، جنوبي الصين)، صمَّمت زَها سنة 2012 مركز لندن المائي، خصيصًا للأَلعاب الأُولمبية عامئذٍ هناك. جرت محاولات عدَّة لتخفيض تكاليفه لكن جميع التوقعات فشلَت، وبلغَت التكاليف أَعلى بكثير مما كان مرصودًا. وبعد انقضاء الأَلعاب الأُولمبية تـمَّ إِلغاء أَقسام منه وتدوير موادِّها في استعمالات أُخرى. وما يبقى منه اليوم هو شكل لطيف على قمته موجةٌ تفقش على الشاطئ.

- مركز حيدر عالييف – أذربيجان 2012
هو أَحد أَغرب تصاميم زَها حديد وأَكثرها غرابةً في النظر إِليه، لا من حيث شكلُه وحسب، وفيه متَّسَع واضح لخيال زَها، بل من حيث تجسيده حلْمًا في مبنى. كان من المتوقع أن يكون المبنى قلب العاصمة باكو الثقافي، في نهضة تمحو ما كان في المدينة من تصاميم قديمة ضخمة منذ ما بعد العصر السوفياتي. فإِذا بهذا المبنى في تصميم زَها يبدو متطلِّعًا إِلى المستقبل، بتضلعاته وخطوطه غير المستوية كلاسيكيًّا. من هنا تساءل المعنيون عما يمكن أَن يجتذب هذا المبنى الغريب من سياح ومعجبين. وأَجمع الخبراء على أَن هذا الشكل يعكس التغيُّر الجذري المتصاعد في البيئة الاجتماعية الأَذربيجانية ومجتمعها المتطور.
- مدينة الجنوب الرياضية – قطر 2019
هو تصميم آخر من زَها حديد أَثار جدلًا. لا بشكله الغريب، بل بوظيفيته. فمباريات كأْس العالم لكرة القدم في قطر كانت في ذاتها محطَّ جدل واسع. تم إِنجاز مباني المدينة بعد وفاتها، بعدما كان وضْع التصميم مثار جدل على حياتها، لأَنه جاء صادمًا بغرابته وطليعيته الرائدة. فشكله جاء مبهمًا على تعقيد، متلولبًا على اتسىاع في الداخل، متعدِّد الاستعمالات بالرغم من منظره الخارجي المغلق، على عكس الانفتاح على الهواء الواسع لدى محطة الإِطفاء في فيترا (ورد ذكْره مع صورته في الجزء الأَول من هذا المقال). مَن ينظر إِلى مبنى الجنوب، يتساءل: إِلى أَين ستؤَدِّي بزَها هذه الطليعية الغريبة. وهل المبلغ الخيالي الذي كانت تتقاضاه كان سيودي بها إلى مشاريع أَكثر كلفةً، أَم أَنها كانت ستتراجع عن وضع تصاميم بتلك الكلفة العالية؟
- قبضة الباب – 2008
صحيح أَن زَها حديد اشتهرت بتصاميمها الكبيرة لمبانٍ ضخمة ومشاريع هندسية كبيرة، لكنها لم تقتصر دائمًا على تلك الضخامة في وضع التصاميم. فهي وضعَت تصاميم لأَعمال صغيرة أَو منمنمة تدل على قدرتها في إِطلاع شكل ضئيل يمكن أَن يكون في ما بعد جزءًا من تصميم ضخم كبير. من ذلك مثلًا تصميمُها قبضة أَبواب ونوافذ لشركة “فالي إِند فالي”، تم تنفيذها لفندق “بويرتا أَميركا” في مدريد.

- كرسي لشركة صوايا موروني – 2011
مواصِلَةً عملَها على تصميم أَعمال صغيرة، صمَّمت زها حديد كرسيًّا جميل الشكل لشركة مفروشات “صوايا وموروني” (أَسسها اللبناني وليام صوايا وباولو موروني). ولم تُصنِّع منه الشركة سوى 24 نسخة. والشكل طريف يوحي بأَنه بسيط لكنه ذو فائدة عليا في إِبقاء الجلوس مريحًا مع الظهر المستقيم، وقدْرة على الحمْل أَيًّا يكن وزن الجالس عليه.

مصير إِرث زَها حديد
بعد وفاة زها بنوبة قلبية حادة سنة 2016، بقيَت تصاميمها تكمل طريقها إِلى التنفيذ (خُصُوصًا المباني الكبيرة) عبر “محترف زها حديد للهندسة المعمارية” (لندن). ويبقى مطروحًا سؤَال للسنوات المقبلة: هل يمكن أَن تتمكن التصاميم بعد وفاتها من مواصلة الريادة والجرأَة والطليعية كما كانت هي تستنبطها؟ وهل في محترفها مَن له موهبة الابتكار وفق رؤْيتها؟
قد يكون الجواب لدى “مؤَسسة زَها حديد” التي أَسستْها هي سنة 2013 لكنها لم تبدأ العمل الفعلي إِلَّا سنة 2022، عبر مقرَّين لها في لندن، وهي تضمُّ تراث زَها في مجموعة من نحو 15 أَلف تصميم في قطاعات مختلفة برعت فيها زَها ونفَّذَتْها أَو هي كانت مهيَّأَةً للتنفيذ. وبين أهداف المؤسسة، عدا حفظ ذاك التراث وعرضه للعموم، فتْحُ المجال لطلَّاب الهندسة المعمارية كي يُجروا فيها دراساتهم وأَبحاثهم من خلال الرؤْية الطليعية المستقبلية التي كان تتمتَّع به الرائدة الخالدة زَها حديد.
- هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني، مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية، مدير “صالون فيلوُكَاليَّا الأدبي”، ورئيس “اللجنة الوطنية اللبنانية لنشر الإبداع اللبناني”. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: henrizoghaib.com أو عبر منصة إكس على: @HenriZoghaib
- يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.