الرئيس اللبناني الجديد جوزيف عون والمهمّة الصعبة

كابي طبراني*

كما هي الحال في المقابلات التي تسبق نهاية ولاية، كانت تصريحات الرئيس اللبناني ميشال عون عشية مغادرته قصر بعبدا في تشرين الأول (أكتوبر) 2022 ثاقبة. فقد قال لوكالة “رويترز” إنه بدون وجودِ بديلٍ أو حكومةٍ رسمية كاملة الصلاحيات، فإنَّ البلاد ستواجه “فوضى دستورية”.

منذ ذلك الحين، عانى لبنان بالفعل من “فوضى دستورية”، وشهدَ حقبةً صعبة اتَّسمت بالجمود السياسي. وتُرِكَت حكومةٌ مستقيلة لتصريف الأعمال ومعالجةِ تداعياتِ الانهيار المالي الكارثي في ​​البلاد، وعواقب انفجار مرفَإِ بيروت الهائل والمروّع في العام 2020 والغزو والاحتلال الإسرائيلي في العام الفائت. وعلى الرُغمِ من جهودها، لم تكن هناك إجابات أو حلول كثيرة للأزمات العديدة التي تعيشها البلاد. لذلك، فإنَّ أخبارَ التاسع من كانون الأول (يناير) الجاري التي تُفيدُ بأنَّ ممثلي الشعب المُنتَخبين اجتمعوا أخيرًا لاختيارِ رئيسٍ جديدٍ للدولة -على الرُغمِ من جلسةٍ مضطربة مع تبادُلات حادة بين النواب- أدّت إلى ارتياحٍ وتفاؤلٍ كبيرَين.

إنَّ انتخابَ قائد الجيش جوزيف عون رئيسًا للجمهورية، وإنهاءَ عامين وأربعة أشهر من الشغور الرئاسي، يُشكّلُ لحظة مهمة ومرحلة جديدة.

إنَّ لبنان، البلد الذي عانى الكثير من التدخّل الخارجي، لديه الآن الفرصة لبدء إعادة البناء الوطني. لقد طَرَدت سوريا سلالة الأسد التي غزت واحتلت لبنان في العام 1976 قبل أن تطيح بها وتطردها ثورة الأرز في العام 2005. وإيران هي قوة أجنبية أخرى تدخلت مرارًا وتكرارًا في الشؤون اللبنانية، ولكن أداتها الرئيسة لهذا التدخُّل والتلاعب، “حزب الله”، عانى من سلسلة من الانتكاسات الخطيرة في الأشهر الأخيرة. الرئيس عون، الذي لا تربطه صلة قرابة بسلفه، يتولّى السلطة في لحظةٍ مناسبة قد تكون تاريخية بالنسبة إلى لبنان.

في الواقع، هناك العديد من الأسباب الأخرى للتفاؤل الحذر. يتمتع الرئيس الجديد بميزةٍ كونه آتيًا من مؤسّسةٍ تُمثّلُ السيادة اللبنانية والولاء عبر الطوائف على أفضل وجه – الجيش. وسوف يتمتع أيضًا بدعمٍ من المانحين العرب والأجانب الذين هم على استعدادٍ لتمويل إعادة الإعمار التي تشتدُّ الحاجة إليها. بالإضافة إلى ذلك، استجابت الأسواق الدولية بشكلٍ إيجابي لفكرة رئاسة عون؛ يوم الأربعاء الفائت ارتفعت قيمة سندات اليورو الحكومية اللبنانية مع توقع المستثمرين اختيار النواب لقائد الجيش. إن “حزب الله”، الذي يمثل التحدّي المحلي الأكبر الذي يواجهه الرئيس الجديد، أصبح مكسور الجناح وأكثر هدوءًا بعدما جرَّ البلاد إلى الحرب وخسر قدرًا كبيرًا من عتاده وقياداته العليا بسبب الهجمات الإسرائيلية. وإذا كان الحزب يرغبُ في الاحتفاظ بنفوذه المُتبقّي، فمن المنطقي استراتيجيًا أن يعملَ بشكلٍ تعاوني مع دولةٍ يقودها عون.

إنَّ إلقاءَ نظرةٍ سريعة على ملف مهمّات عون التي تنتظره يكشفُ عن العديد من التحدّيات. أولًا، هناك مهمة تعيين رئيس وزراء جديد يتلاءم مع خطاب القسم الرئاسي الطموح، فضلًا عن تشكيل حكومة متوازنة وفعّالة – وهي ليست مهمة سهلة في بلد حيث الطائفية متأصّلة في تركيبته الدستورية. ومع استمرار الهدنة الهشّة مع إسرائيل وانسحاب الوحدات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية المحتلة، فإنَّ استقرارَ حدود البلاد وإعادة تأسيس احتكار الدولة للقوة والسلاح هي أيضًا من البنود المهمّة التي يجب القيام بها. لا يزال مستقبل سوريا غير مؤكّد وكما ذكرت تقارير صحافية عدة، فإن تدفق الأسلحة غير المشروعة عبر الحدود إلى لبنان يُشكّلُ خطرًا أمنيًا جسيمًا. هناك أيضًا المهمة الضخمة المتمثّلة في بناء مرافق الإقامة والرعاية الصحية والتعليم لآلاف اللبنانيين النازحين بسبب القصف الإسرائيلي.

لا ينبغي لأحد أن يتوقّعَ المعجزات؛ كما هو مُوَضَّح أعلاه، فإنَّ تحدّيات لبنان عديدة وضخمة ومتنوّعة. ولكن الآن، وبعد انتهاء الجمود السياسي الذي ابتُلِيَ به لبنان، فإنَّ اتخاذ خطوات سريعة وحاسمة لتعزيز سيادته، وتوفير احتياجات الناس الذين شرّدتهم الحرب أو أولئك الذين أفقرهم الانهيار المالي، قد يعني إيجاد طريق للخروج من “الفوضى الدستورية” التي توقّعها الساكن السابق لقصر بعبدا قبل أكثر من عامين.

  • كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير مجلة وموقع “أسواق العرب” الصادرَين من لندن. ألّف خمسة كتب بالعربية والإنكليزية من بينها “شتاء الغضب في الخليج” (1991)، “الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني: من وعد بلفور إلى إعلان بوش” (2008)؛ “كيف تُخطّط إيران لمواجهة أميركا والهَيمَنة على الشرق الأوسط” (2008)؛ و”معاقل الجهاد الجديدة: لماذا فشل الغرب في احتواء الأصولية الإسلامية”، (2011). يُمكن متابعته عبر موقعه الإلكتروني: gabarielgtabarani.com أو عبر منصة “إكس” على:  @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى