مئَوية منصور الرحباني.. بيننا ولن يكون “الغريب الآخَر”

منشئو “المئوية” أَبناءُ منصور: أُسامة، مروان، غدي

هنري زغيب*

هذه السنة الجديدة تَشهد مئوية ولادة منصور الرحباني (17 آذار/مارس 1925). وتحلُّ بعد الاحتفال قبل سنتين (2023) بمئوية ولادة عاصي (3 أَيار/مايو 1923). والإِضاءة على الحدث، وإِن كان لمنصور، لا تُغَيِّب عاصي، هما اللذان كانا عبقريةً مفْردَةً في مُبْدِعَيْن.

فكيف تتشكَّل مئوية منصور؟

في ذاكرة فيليب سالم

في احتفال أَقامه “مركز التراث اللبناني” في الجامعة اللبنانية الأَميركية LAU (4 آذار/مارس 2024)، شارك فيه محاضرون عارفون بالتراث الرحباني، كان بينهم صديق عاصي ومنصور البروفسور فيليب سالم، فجال على ذكرياته مع الأَخوين اللذين رافقَهُما طويلًا. ومما قال: “كانا أَخوَين، كأَنْ لم يَكُنْ قبلَهما مثلُهما أَخَوان. كانا واحدًا في المحبةِ والأُخوَّةِ والإِبداع، حتى ليصعب أَنْ تَعرَفَ مَن بينهما الشَاعرُ وَمَن الموسيقار… ذات يوم، وكنا في الطريقِ إِلى مطعمِ فيصل في رأْس بيروت (قبالة الجامعة الأَميركية) حيثُ كُنّا نَتَغَدى كلَّ خَميس، أَمسَك عاصي بيدي، شَدَّ عليها وهمسَ في أَذُني: “منصور مُبدع مُهم. إِذا حدث لي سُوء، خلِّ عينك عليه”. وَبَعدَما تَرَكَنا عاصي بقي منصور، وهو يَكْبَرُني سِنًّا، فأَصبحَ لي الأَخَ الأَصغر، وَصارت عَينايَ ‏تُلاحِقانه ولو من بعيد…”.

شعار المئوية

أَزُوره قبل بلوغي بيتي

ومن كلمة الدكتور سالم كذلك: “بعد عاصي أَكملتُ مع منصور مشوارَ صداقة لا تريدُ سوى الصداقة. آلافُ الأَميالِ بيني وبينه، وبالرغمِ من ذلك كان يعيشُ معي. يَرِنُّ تلفونُ مكتبي في مدينة هيوستن، فيهدُر صوت منصور في عيادتي: “أَيمتى جايي؟ صار فيه عصافير. بدنا نتغدَّى عند الحلبي. لا تْطوِّلْ”. ويكون صوته أَجملَ ما تسمعه أُذُني. هذا النوعُ من الصداقاتِ لا يعيشُ في الغرب بل في الشرق. وكنت كلَّما زُرْتُ لبنان، لا أَجتاز الطريق من المطار إِلى بلدتي بطرّام، إِلَّا بعدما أَمُرُّ بأنطلياس وأَزورُ منصور في بَيْتِه حيث تعيش أَجملُ الذكرياتْ عِنْدي، فأَختلي بمنصور لساعاتٍ في غُرفةِ مكتبه، ونحكي قصصًا وحكايات، حتى يُداهمَنا الوقت وأَتذكَّرَ أَن البيتَ في بطرام يَنتظَرُني فأُعانِق منصور مودِّعًا”.

عاصي ومنصور: عبقريةٌ في مُبدعَيْن

استذكار منصور

بعد غياب عاصي (21 حزيران/يونيو 1986) انطوَت مرحلة “الأَخوين رحباني” متَوِّجَةً ثلْثَ قرنٍ رائعًا من تراثٍ ساطعٍ بالأَعمال الخالدة، فأَكمل منصور وحدَه نسْجَ تراثِه الرحباني طيلةَ ربعِ قرنٍ آخَرَ من أَعمالٍ، بينها 11 مسرحية، والقدَّاس الماروني، وحلقاتٌ تلفزيونية، وأُغنياتٌ منفردة، وكتُبٌ شعريةٌ خمسة، هو الذي بقي حتى غيابه (13 كانون الثاني/يناير 2009) ورشةً فنيةً متواصلةً متتاليةً في دأْبٍ عجيبٍ على الإِبداع شعرًا وموسيقًى ونتاجًا لا يهدأ.

هذه الظاهرة اللافتة في دينامية منصور، ستترجمها سنة المئوية أَجنْدةً هيَّأَها أَبناؤُه مروان وغدي وأُسامة، وفاءً لذكراه.

مواعيد على شرف منصور

ولافتٌ أَن يتصدَّر الأَنشطةَ افتتاحُ المئوية بافتتاحِ “الصالون الأَدبي” لدى جمعية “فيلوكاليَّا” (عينطورة كسروان) بندوتين بعد ظهر السبت 25 كانون الثاني/يناير 2025 تتفتحهما رئيسةُ “فيلوكاليَّا” الأُخت مارانا سعد، وينتدي فيهما صديقُ عاصي ومنصور الصحافيُّ الكبير رفيق خوري، والشاعر سهيل مطر، والأَب يوحنا جحا، وبطلُ معظم مسرحيات منصور الفنان غسان صليبا.

ولأَن ولادة منصور كانت في 17 آذار/مارس، يقيم “مركز التراث اللبناني” (LAU) في النهار ذاته (17 آذار/مارس 2025) ندوتَين يتحدَّث فيهما البروفسور فيليب سالم (من هيوستن)، والإِعلامية وردة زامل، والأَب الدكتور بديع الحاج، والشاعر عبدالغني طليس، والدكتور ناجي قزيلي.

وتخصص الحركة الثقافية – أنطلياس، ضمن برامجها خلال معرض “المهرجان اللبناني للكتاب، أُمسية مميزة شعرًا وموسيقًى.

الثلاثي الخالد: عاصي، منصور، فيروز

عائدٌ مسرحًا وشعرًا

لأَن المبدع تخلِّده آثارُه، ستكون مسرحيات منصور (المصوَّرة) نجمة المئوية، فيتم عرضها لدى مراكز ثقافية في العاصمة بيروت كما في مدن أُخرى بينها طربلس وزحلة وعجلتون وسواها.

وكان ضروريًّا وضْعُ مؤَلفات منصور الشعرية في المتناول. لذا ستتولى “منشورات سائر المشرق” إِعادة إِصدار كتُب منصور الشعرية الخمسة: “أَنا الغريب الآخر”، “القصور المائية”، “بحَّار الشتي”، “الأُولى القصائد”، “أُسافر وحدي ملِكًا”. ومن قصائد هذا الأَخير يهيِّئُ أُسامة منصور الرحباني عملًا سمفونيًّا كوراليًّا في أوراتوريو بعنوان الكتاب.

ولأن قناة “يوتيوب منصور الرحباني” ناشطة، ستكون الدليل إِلى مجموع الأَنشطة، ما يتم منها وما سيتم، وبينها مواعيد بث حلقات متعدِّدة في عدد من التلفزيونات اللبنانية والعربية عن منصور وأَعماله، كما مواعيد الأَنشطة التي وجَّهَت وزارة التربية المدارس الرسمية والخاصة لإِعدادها من مسرحيات الأَخَوَين ومسرحيات منصور.

أَنا الغريب الآخَر

في اليوم الأَول من الشهر الأَول سنة 1970،  كتب منصور:

“حين صراخُ السُفنِ السوداءِ في الميناءْ

يُعلن أَنَّ سنةً تساقطَتْ وغرقَتْ في الماءْ

وأَنَّ عامًا آخَرًا يأْتي من الميناءْ

تذكَّريني… يا امرأَةً غريبةً إِلَّا معي غريبة

يا امرأَةً تسهرُ في عينَيّ… وفي مكانٍ آخَرْ…

تَذكَّريني… أَنا الغريبُ الآخَرْ”…

هكذا، خلال هذه المئوية، سيتحلَّق المتابعون في لبنان والعالم العربي حول منصور وأَعماله، فلا يعودُ يُحسُّ أَنه غريب بل أَنه الباقي في ذاكرتنا جميعًا، يعانقُه في الغَيْب عاصي فيتَّحدان معًا، ومهما توغَّلا في الغياب يبقى غيابُهُما حضورًا ساطعًا لتراث رحبانيٍّ لا إِلى غياب.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر منصة (X): @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى