ماذا يعني السلامُ الأميركي المُحتَمَل بالنسبة إلى لبنان في العام 2025؟

مايكل يونغ*

قد لا يكونُ لبنان محور الاهتمام بالنسبة إلى العديد من البلدان في الشرق الأوسط أو على المستوى الدولي هذه الأيام، على الرُغم من الصراع الأخير بين إسرائيل و”حزب الله”. مع ذلك، فإنه سيكون في قلب التغيُّرات الجيوسياسية التي اجتاحت المشرق العربي. وأيُّ شيءٍ يحدثُ على المستوى الإقليمي ــالاستقطاب أو الصراع أو المصالحةــ يميلُ إلى الانعكاس بطريقةٍ مركزية في لبنان.

ومن غير المرجح أن يتغيّرَ هذا قريبًا.

اليوم، شهدت بعض بلدان المشرق العربي، سوريا ولبنان وفلسطين الجغرافية، تحوّلًا جذريًا في علاقاتِ القوة. فبينما كانت إيران قوةً مُهيمنة في سوريا ولبنان لأكثر من عقد من الزمان، أكدت تركيا وإسرائيل هيمنتهما هناك، سواءَ كانت عسكرية أو سياسية، في غضون ثلاثة أشهر.

بالنسبة إلى الولايات المتحدة، التي طالما اعتبرت أنها في طريقها إلى الخروج من الشرق الأوسط، فإنَّ هذا الوضع يُشكّلُ مكسبًا كبيرًا. الآن، تسيطر دولتان من حلفائها، أحدهما شريك في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، على ساحل شرق البحر الأبيض المتوسط، في حين تم دفع إيران، التي كان أحد رجال الدين فيها يتفاخر بأنَّ طهران تسيطر على أربع عواصم عربية، إلى الحدود العراقية.

في لبنان، وعلى الرُغم من الهراء الذي يُروِّجُ له أعضاء اليمين السياسي الأميركي المؤيّد لإسرائيل بأنَّ إدارة الرئيس جو بايدن منعت إسرائيل من تدمير “حزب الله”، فقد قبلت الجماعة الشيعية اللبنانية وإيران فعليًا الاستسلام في تشرين الثاني (نوفمبر). وقد حصلت إسرائيل على الضوء الأخضر لمواصلة مهاجمة “حزب الله” إذا رفض نزع سلاحه، وتُشرف على هذه العملية الآن لجنة يقودها جنرال أميركي.

في غضون ستة أيام، من الممكن أن تدفع الولايات المتحدة باتجاه انتخاب قائد الجيش اللبناني، الجنرال جوزيف عون، رئيسًا للجمهورية. وهذا من شأنه أن يعطي القوات المسلحة دفعةً كبيرة لملء الفراغ الذي خلّفه “حزب الله” بعد هزيمته على يد إسرائيل. وقد حافظ الجنرال عون على علاقات وثيقة مع الأميركيين، وأظهر استعداده للوقوف في وجه “حزب الله”.

ومن المتوقع أن تلعب تركيا دورًا رئيسًا في سوريا. وفي إشارةٍ ملحوظة إلى الثقة، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أخيرًا أن أنقرة ستساعد القيادة السورية الجديدة على إعادة هيكلة إدارتها والمساعدة في صياغة دستور جديد. وقد أدّى التدخل التركي إلى شعورٍ بإعادة الحياة والتأكيد إلى المجتمع السنّي في سوريا، وهو الشعور الذي ستكون له تداعياتٌ في لبنان.

إنَّ “حزب الله” عالقٌ في خضمِّ كلِّ هذا. فما زال التنظيم يحتفظ بما تبقى من أسلحته، ولكن لأيِّ غايةٍ استراتيجية؟ في مواجهة المجتمعات اللبنانية التي عارضت فتحَ جبهةٍ مع إسرائيل، أصبح التنظيم أكثر عزلة من أيِّ وقتٍ مضى. فقد خسر عمقه الاستراتيجي في سوريا وخطوط إمداده بالأسلحة الأكثر وضوحًا من إيران والعراق. وهذا يستلزمُ إعادة توازنٍ لدوره في الداخل، حيث تبخّرت احتمالات هيمنة “حزب الله”.

من المؤكد أنَّ عقدين من الشعور بالتهميش بين العديد من أفراد المجتمع السني، بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في العام 2005، سوف يتحوّلان إلى اتجاهٍ معاكس. ولكن في أيِّ اتجاه؟ فما زال المجتمع السنّي يفتقر إلى زعيم مُوحِّد، ولم يتضّح بعد ما إذا كانت تركيا قادرة على فرض نفوذها على لبنان في مواجهة العلاقات القوية تقليديًا بين السكان السنة في لبنان والدول العربية الرئيسة.

وبعيدًا من المشرق العربي، قد تستمرُّ إعادة رسم خريطة المنطقة.

في حين تعهّدَ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بإنهاء الحروب الأميركية في العالم، فإنَّ إدارته تُرسلُ رسالةً مختلفة تمامًا في الشرق الأوسط. فسواء كان المرشحون لمنصب وزير الدفاع بيت هيغسيث، أو وزير الخارجية ماركو روبيو، أو مستشار الأمن القومي مايك والتز، أو السفير الأميركي لدى إسرائيل مايك هاكابي، فإنهم جميعًا من المؤيّدين المتحمّسين لإسرائيل، وبالتالي قد يتبنّون مشروعًا إسرائيليًا لتغيير النظام في إيران.

علاوةً على ذلك، أصبحت إيران أكثر عُرضةً للخطر من أيِّ وقتٍ مضى. ومع تحييد اثنين من حلفائها في “محور المقاومة” عسكريًا إلى أقرب نقطة إلى إسرائيل، ومع الاعتقاد بأنَّ أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية تضرّرت بشكلٍ خطير في الهجوم الإسرائيلي على إيران في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، فقد يرى مؤيدو إسرائيل في واشنطن فرصةً لشنِّ هجوم بالتوازي مع إسرائيل.

ومن المحتمل أن يُفضّلَ بعضُ المموّلين الرئيسيين لترامب، ولا سيما ميريام أديلسون، التي منحت حملته 100 مليون دولار، مثل هذه النتيجة. فقد موّلت أديلسون وزوجها الراحل المرشحين الجمهوريين لفترة طويلة، وفعلا ذلك لحملة روبيو الرئاسية في العام 2015، لذا فهي تتمتع بحلفاءٍ أقوياء طوال فترة الإدارة الجديدة.

وإذا اضطرّ ترامب إلى اتخاذ مثل هذا الطريق، فمن الممكن أن تجدَ المنطقة نفسها تحت سلامٍ أميركي (باكس أميركانا)  جديد، حتى لو كان هناك عددٌ لا حصر له من التعقيدات المحتملة التي من شأنها أن تقوِّضَ مثل هذه الخطة الأنيقة. وفي هذه الحالة، قد ينشأ عن هذا الأمر في الواقع تنافسٌ مُتزايد بين تركيا وإسرائيل، حيث تسعى كل دولة منهما إلى تأكيد هيمنتها في منطقةٍ مُتغيّرة.

إن لبنان سوف يكون في قلب مثل هذه الصراعات على النفوذ. وربما لم يعد “حزب الله” يشكّلُ تهديدًا كبيرًا لإسرائيل، ولكن إذا ما شُلَّ نفوذُ إيران الإقليمي، فسوف تضطرالحزب إلى تبنّي نظرة جديدة جذرية في الداخل. وفي مواجهة مجتمع سنّي متجدد النشاط، فقد لا يكون أمام الجماعة الشيعية سوى خيارات قليلة غير الانخراط في إعادة تموضعٍ طائفي غير مُتَوَقَّع، على سبيل المثال العمل نحو تحالفٍ مع الأحزاب المسيحية المارونية.

إنَّ كل الاحتمالات تظلُّ مفتوحة في الفترة المقبلة، بعد عقدٍ ونصفٍ من الانتفاضات العربية في الفترة 2010-2011. إنَّ التغيير قد يجلب الأمل، على الأقل في الشرق الأوسط، لكنه قد يجلب أيضًا توترات ومخاوف جديدة. ومن المتوقع أن يشهد لبنان كل هذا.

  • مايكل يونغ هو مُحرّرٌ كبير في مركز مالكولم كير كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيثُ يرأس تحرير مدوّنة “ديوان” التابعة للمركز. وهو كاتب رأي في الشؤون اللبنانية في صحيفة ذا ناشيونال، ومؤلف كتاب “أشباح ساحة الشهداء: رواية شاهد عيان عن كفاح لبنان في الحياة” (دار سايمون وشوستر، 2010)، الذي اختارته صحيفة وول ستريت جورنال كواحد من الكتب العشرة البارزة لعام 2010. يُمكن متابعته عبر منصة (X) على: @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى