الصين والمملكة العربية السعودية تُقَدِّمان عرضًا كبيرًا لتحسين العلاقات

زار الرئيس الصيني شي جين بينغ في الأسبوع الماضي المملكة العربية السعودية حيث وقّع معها إتفاقية استراتيجية شاملة. فهل يكون مصير هذه الاتفاقية كمصير الإتفاقية التي وقّعها شي سابقًا مع إيران … حبرًا على ورق؟

الرئيس جو بايدن والأمير محمد بن سلمان: الإستقبال الذي أُعِدَّ له كان صامتًا.

لينا الخطيب*

قام الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في الأسبوع الفائت بزيارةٍ رسمية إلى المملكة العربية السعودية دامت أربعة أيام حيث شملت ثلاث قمم في الرياض مع مجموعةٍ من القادة العرب. وكانت أولى القمم الثلاث اجتماعًا ثُنائيًا مع العاهل السعودي الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وقع خلاله الجانبان اتفاقية استراتيجية شاملة بين بلديهما.

وترأّسَ شي وسلمان في وقت لاحق قمة صينية-خليجية مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، حيث وقعوا اتفاقية استراتيجية شاملة أخرى. أخيرًا، حضر شي أيضًا قمة مع القادة الأعضاء في جامعة الدول العربية، حيث أدلى الجانبان ببياناتٍ عامة اتفقا فيها على تعميق التعاون بين الصين والدول الأعضاء في الجامعة.

وتأتي زيارة شي بعد خمسة أشهر تقريبًا على زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السعودية، والتي تضمّنت أيضًا قمّة مع تسعة قادة عرب هدفت إلى تأكيد قيادة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط كجُزءٍ من منافستها العالمية مع الصين. لكن التوترات المتصاعدة بين الرياض وواشنطن بشأن إنتاج النفط وقضايا أخرى سلطت الضوء على جهود المملكة لتنويع محفظتها من الشراكات الدولية. وتُسلّط زيارة شي الضوء الآن على دور الصين المتزايد الأهمية في المنطقة.

على الرُغم من أن السعودية والصين أقامتا علاقات ديبلوماسية رسمية فقط في العام 1990، إلّا أن علاقاتهما تطوّرت بشكلٍ مُطرَد منذ ذلك الحين. ومع ذلك، فإن قمة الأسبوع الماضي تُمثّلُ ترقيةً للعلاقات الثنائية، مع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الثنائية التي وقّعاها والتي تُحدّدُ خططًا لتعميق العلاقات بين البلدين على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية.

ركّزَ البيان المُشترَك الطويل والشامل الصادر في ختام القمة الصينية-السعودية على إيجادِ أوجه تكامل بين البنية التحتية لمبادرة الحزام والطريق الصينية وخطة التنويع الاقتصادي لرؤية المملكة العربية السعودية 2030. كما تضمّنت خططًا لتوسيع التعاون الثنائي في التنمية الاقتصادية، وكذلك في قضايا الطاقة والتجارة والمساعدة القانونية والتعليم والأمن، من بين أمور أخرى.

لقد خلقت القمم الثلاث فرصةً لكلٍّ من المملكة العربية السعودية والصين لإظهار نفوذهما الدولي، لا سيما في ضوء التوترات الخاصة بكلٍّ منهما مع الولايات المتحدة. تعتبر واشنطن بكين أكبر تهديد دولي لها. في تشرين الأول (أكتوبر)، قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن للصحافيين إن الصين “هي المنافس الوحيد الذي لديه نية لإعادة تشكيل النظام الدولي، وبشكل متزايد، القدرة على القيام بذلك”. ومن خلال استضافة زيارة تشير إلى تعميق العلاقات بين الصين والمملكة العربية السعودية وبقية العالم العربي، تؤكد الرياض نفسها على أنها القوة الإقليمية المهيمنة في الخليج العربي، بينما تسعى أيضًا إلى إرسال رسالة إلى واشنطن.

يقف الترحيب الفخم الذي قدمته المملكة العربية السعودية لشي في تناقض صارخ مع الاستقبال الأكثر صمتًا الذي جرى لبايدن في الرياض في وقت سابق من هذا العام. لكن القمم بحد ذاتها لا تشير إلى قطع العلاقات مع الولايات المتحدة من قبل السعودية أو دول الخليج والدول العربية، التي لا تزال تشترك في المصالح والاهتمامات والتحديات المشتركة، وعلى رأسها إيران. أكّدت الاتفاقية الموقعة بين المملكة والصين موقف بكين الطويل الأمد ب”عدم التدخل” في ما يتعلق بالشؤون السعودية المحلية. كما أنها حددت اسم إيران صراحة، وأدانت تدخل طهران في الشؤون الداخلية لدول الجوار.

بشكلٍ ملحوظ، إن الصفقة التي تم التوصل إليها في الرياض هي أكثر شمولاً بكثير من اتفاقية التعاون الاستراتيجي التي تمتد 25 عامًا والتي وقعتها الصين وإيران في آذار (مارس) 2021. لقد ركّزت تلك الصفقة على تعميق العلاقات التجارية بين البلدين ولكن نطاق نَصّها -الذي لم يُعلن عنه- حسب بعض المعلومات، المُسَرَّبة بقي غامضًا تمامًا. على أيِّ حال، لم يكن لهذه الاتفاقية تأثيرٌ ملحوظ في العلاقات الثنائية بين طهران وبكين بعد أكثر من 18 شهرًا على توقيعها. في حين أن الصين هي أكبر مشترٍ للنفط الإيراني، إلّا أنها لم تستثمر في إنتاج طهران المحلي، على سبيل المثال.

عند توقيع الاتفاقات مع كلٍّ من المملكة العربية السعودية وإيران –وهما دولتان متنافستان تخوضان حروبًا بالوكالة– حافظت الصين على موقفها المفضل المتمثل في الحفاظ على علاقات مع دول على طرفي نزاع مُتعارِضَين، بدون الانحياز لأي طرف. يسمح هذا الموقف لبكين بحماية بصمتها الاقتصادية العالمية وأيضًا إرسال رسالة إلى واشنطن حول امتدادها العالمي. ولكن على الرغم من الطبيعة الواسعة للاتفاق الصيني-السعودي، فإن التطبيق الفاتر حتى الآن لاتفاق بكين مع طهران يشير إلى أن هذا الاتفاق أيضًا قد ينتهي به الأمر إلى أن يقتصر على الخطاب.

يبقى “الفيل في الغرفة” هو الولايات المتحدة، وكيف سيكون رد فعلها على هذه الاتفاقات، التي يمكن القول إنها رمزية أكثر من كونها جوهرية.

وقد تزامنت هذه الاجتماعات مع إطلاق روسيا للاعبة كرة السلة الأميركية بريتني غرينير التي أدانتها محكمة روسية بتهمة تهريب المخدرات إلى روسيا بعد العثور على زيت القنب في حوزتها. تم إطلاق سراح غرينير، التي اعتُقِلت قبل أيامٍ قليلة من الغزو الروسي لأوكرانيا، الأسبوع الماضي مقابل تاجر الأسلحة الروسي فيكتور بوت، الذي أُدين في العام 2012 بالتآمر لقتل مسؤولين ومواطنين أميركيين حيث كان يقضي عقوبته في الولايات المتحدة.

ادعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أنهما توسّطتا في مفاوضات تبادل الأسيرين. لكن خلال إفادة إعلامية عقب إطلاق سراح غرينر، قلّل البيت الأبيض من أهمية التقارير التي تفيد بأن البلدين الخليجيين قد لعبا دورًا رئيسًا، قائلًا إن الإمارات سمحت ببساطة بتبادل الأسرى على أراضيها، في حين اقتصرت مشاركة السعودية على إثارة قضية اعتقال غرينير مع روسيا.

  • لينا الخطيب هي مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس. ويشمل عملها في الشرق الأوسط الجغرافيا السياسية، والصراع، والتحوّلات السياسية، والسياسة الخارجية تجاه المنطقة. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @LinaKhatibUK

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى