لا يُمكِنُ للبنان الاعتماد فقط على المُجتمعِ المدني لإحداث التغيير في البلاد

مايكل يونغ*

في وقتٍ سابق من هذا الشهر، حلَّ الموعدُ النهائي لتقديم قوائم المُرشَّحين للانتخابات النيابية اللبنانية التي من المتوقع أن تجري في 15 أيار (مايو) المقبل. وكانت الفكرة الأساسية هي أن المُعارَضة، التي تتكوّن في الغالب من مجموعات المجتمع المدني، فشلت في تشكيل قوائم مُوَحَّدة، مع استثناء واحد ملحوظ. وهذا يعني أن مُرَشَّحي المُعارضة سيخوضون الانتخابات مُنقَسِمين، ما يُعطي ميزةً للقوائم التي أعدّتها القيادة السياسية للبلاد، والتي تهدف المعارضة إلى الإطاحة بها.

كان هناك أملٌ كبير، سواء في لبنان أو في الخارج، في أن يُحقِّقَ المجتمع المدني مكاسب ضد الطبقة السياسية الفاسدة. بينما من المرجح أن يفوز مرشحو المعارضة، الذين كان لديهم الدافع لتحدّي السياسيين المعروفين في أعقاب الانتفاضة الشعبية في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، ببعض المقاعد، فإن هذا الفوز سيكون ضئيلًا للغاية لتغيير أي شيء. تتمتّع الطبقة السياسية اللبنانية بالمرونة، مدعومةً بالذكريات القصيرة للناخبين الذين سلبهم السياسيون فعليًا.

ومع ذلك، فإن المجتمع المدني اللبناني لافتٌ وملحوظ، سواء من حيث التعدّدية أو الطاقة. ومع ذلك، سيكون من الخَطَإِ المبالغة في قدراته. والتعددية تعني أيضًا التشرذم الذي يعكس الطبيعة الأساسية للتركيبة الاجتماعية في لبنان. إن مجموعات المجتمع المدني التي من المتوقع منها أن تُغَيِّرَ المشهد الاجتماعي والسياسي للبلد هي أيضًا النتيجة الأكثر نموذجية للنظام المُنقَسِم.

السبب وراء قوة المجتمع المدني في لبنان هو أن أولئك الذين يسعون إلى تحقيق أهدافٍ سياسية أو اجتماعية كان لديهم دائمًا دافعٌ قوي للتحايل على الدولة وأولئك الذين يسيطرون عليها. ولأن الطبقة السياسية قاومت أي شيء قد يُهدّدُ مصالحها وصلاحياتها وسلطتها، فإن أولئك الذين يريدون تحقيق أي شيء فعلوا ذلك خارج نطاق مؤسسات الدولة.

وقد ساعد على ذلك قانونٌ عثماني ليبرالي إلى حد ما من العام 1909 يسمح للأفراد تكوين جمعياتٍ بدون الحاجة إلى الحصول على موافقةٍ مُسبَقة من الدولة. في حالة جديرة بالملاحظة، في أوائل التسعينات الفائتة، قامت مجموعة مراقبة الانتخابات، التي تٌدعى “الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات” (لادي)، بتأسيس نفسها بموجب هذا القانون. وحاول وزير الداخلية في  حينه ميشال المر فرض الموافقة المُسبَقة ومنع “لاد”. تجاهلت الجمعية الأمر بشكل فعال وبدأت مراقبة الانتخابات على أي حال، وكسبت تلك المعركة.

بعد الانتفاضة اللبنانية في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، سرت تكهنات بأن القيادة السياسية التقليدية عانت من انتكاسة حاسمة. وزاد هذا الاعتقاد مع انهيار النظام الاقتصادي اعتبارًا من تشرين الثاني (نوفمبر)، وانخفض أكثر في السنوات التي تلت ذلك. في العام الفائت، وصف البنك الدولي الأزمة الاقتصادية فيلبنان بأنها “من المرجح أن تكون واحدة من أول أشد عشر أزمات، وربما من بين أول ثلاث، على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر”.

في هذا السياق الاقتصادي السيئ، كان هناك بعض الثقة في أن مرشّحي المجتمع المدني سيُحقّقون انفراجة في الانتخابات، نظرًا إلى احتمالية الغضب الشعبي من السياسيين الذين نهبوا الدولة وأحدثوا الانهيار الاقتصادي. ومع ذلك، استغلّ الزعماء التقليديون أيضًا هذا الوضع لاستخدام الأزمة كوسيلة لتوزيع المحسوبية ومساعدة الضعفاء، وبالتالي خلق مزيد من التبعية.

كان هذا عاملًا رئيسًا في تقليل فرص قوائم المجتمع المدني في تحقيق مكاسب انتخابية كبيرة. عاملٌ آخر هو قانون الانتخابات نفسه. يُصوِّتُ لبنان على أساس قانون نسبي، مع عتبةٍ تُحدّدها قسمة عدد الأصوات على عدد مقاعد الدائرة. هذا يعني أنه إذا كان هناك عددٌ كبير من الناخبين في دائرة الاقتراع، يمكن أن ترتفع العتبة إلى مستوى يلغي معظم القوائم المستقلة.

ومن المتوقع أيضًا أن تعطي الانتخابات المقبلة فكرة أفضل عن كيفية تصويت المغتربين اللبنانيين. يبلغ عدد ناخبي الشتات المُسَجّلين هذا العام ضعف عدد الناخبين في انتخابات 2018. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان من المرجح أن يُصوّت المغتربون لقوائم المجتمع المدني أو القوائم الحزبية. بالتأكيد، يتوقع بعض الأحزاب، مثل “التيار الوطني الحر” بقيادة جبران باسيل، تصويتًا قويًا لصالحه، لكن هناك أيضًا الكثير من الغضب في الخارج على سلوك الطبقة السياسية، لذا من المحتمل حدوث مفاجآت.

المشكلة هي أنه من خلال عدم توحيد جهودها وتشكيل قوائم مشتركة، تكون جماعات المجتمع المدني قد أطلقت النار على أقدامها. في مناطق رئيسة عدة، بما فيها بيروت الأولى وبعبدا، ستتنافس قوائم المجتمع المدني ضد بعضها البعض، الأمر الذي لن يفيد سوى القوى السياسية التقليدية. تشمل أسباب عدم القدرة على التلاقي تصادُم حبّ الذات واستعداد بعض الجماعات، وعدم استعداد البعض الآخر، لتشكيل تحالفات مع الأحزاب السياسية التقليدية التي دعمت انتفاضة 2019.

ومع ذلك، فإن إحدى قوائم المجتمع المدني التي تستحق المراقبة هي القائمة المرشحة في منطقة جنوب لبنان الثالثة، حيث يهيمن الحزبان الشيعيان الرئيسان، “حزب الله” وحركة “أمل”. هذه القائمة وحّدت كل فئات المجتمع المدني الناشطة محلّيًا في منطقة عانت كثيرًا من الأزمة الاقتصادية. إذا لم يتم ترهيب الناخبين، فيمكن للمرء أن يتوقّع اختراقات مفاجئة. سيكون من المفارقات أن يظهر المجتمع المدني إمكاناته الحقيقية في منطقة قد تستخدم فيها الأحزاب السياسية القائمة القوّة لمنعها من تحقيق مكاسب.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى