العالَمُ بحاجةٍ إلى خطّةِ إنقاذٍ للتنميةِ المُستَدامة
أنطونيو غوتيريش*
هذا الشهر، سيجتمع قادةٌ يمثلون دولًا ومؤسّساتٍ مالية واقتصادية دولية في إشبيلية، إسبانيا، في مهمّةٍ إنقاذية: للمساعدة على إصلاح كيفية استثمار العالم في التنمية المستدامة.
التحدّيات كبيرة للغاية. فبعدَ عقدٍ من اعتماد أهداف التنمية المستدامة والعديد من الالتزامات العالمية بتمويلها، لا يزال ثُلثا هذه الأهداف مُتأخِّر وغير مُنجَز. ويعاني العالم من عجزٍ يزيدُ عن 4 تريليونات دولار سنويًا في الموارد التي تحتاجها الدول النامية للوفاء بهذه الوعود بحلول العام 2030.
في الوقت نفسه، يتباطأ الاقتصاد العالمي، وتتصاعد التوترات التجارية، وتُخَفَّضُ ميزانيات المساعدات، بينما يرتفعُ الإنفاقُ العسكري بشكلٍ حاد، ويتعرّضُ التعاونُ الدولي لضغوطٍ غير مسبوقة.
إنَّ أزمةَ التنمية العالمية ليست مجرّدَ أزمةٍ نظرية. إنها تُقاس بالأُسَرِ التي تنامُ جائعة أو في العراء، والأطفال الذين لا يحصلون على التطعيم، والفتيات اللواتي يُجبَرنَ على تَركِ الدراسة، ومجتمعات بأكملها محرومة من الخدمات الأساسية.
يجب علينا تصحيح المسار. يبدأ ذلك بالمؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية في إشبيلية، (الذي ينعقد بين 30 حزيران/ يونيو و3 تموز/يوليو 2025)، حيث يجب اعتماد خطة طموحة تحظى بدعمٍ عالمي للاستثمارِ في أهداف التنمية المُستدامة.
ينبغي أن تتضمّن هذه الخطة ثلاثةَ عناصر أساسية:
أوّلًا، يجب على مؤتمر إشبيلية المساعدة على تسريعِ تدفُّقِ الموارد إلى البلدان الأكثر حاجةً إليها. وبسرعة.
يجب أن تتولى البلدان زمام المبادرة، وتحشُدَ الموارد المحلية من خلال تعزيز تحصيل الإيرادات، والتصدّي للتهرُّب الضريبي، وغسل الأموال، والتدفُّقات المالية غير المشروعة من خلال التعاون الدولي. سيُوفِّرُ هذا الأمر مواردَ ضرورية للغاية لإعطاءِ الأولوية للإنفاق على المجالات ذات التأثير الأكبر، مثل التعليم، والرعاية الصحية، والوظائف، والحماية الاجتماعية، والأمن الغذائي، والطاقة المُتجدِّدة.
وفي الوقت نفسه، يتعيّنُ على بنوك التنمية الوطنية، وبنوك التنمية الإقليمية والمُتعدِّدة الأطراف، أن تتكاتفَ لتمويل الاستثمارات الكبرى.
ولدَعمِ ذلك، يجب مضاعفة قدرة الإقراض لهذه البنوك ثلاث مرات، حتى تتمكّن البلدان النامية من الحصول على رأس المال بشكلٍ أفضل بشروطٍ مُيَسَّرة وفي آجالٍ زمنية أطول.
وينبغي أن يشملَ هذا التوسُّع في الوصول إعادةَ توجيه الأصول الاحتياطية غير المشروطة ــأو حقوق السحب الخاصةــ إلى البلدان النامية، ويُفَضَّلُ أن يتمَّ ذلك من خلال بنوك التنمية المُتعدِّدة الأطراف لمُضاعفة تأثيرها.
إنَّ الاستثمارَ الخاص ضروريٌّ أيضًا. يُمكِنُ تحريرُ الموارد من خلالِ تسهيلِ دَعمِ التمويلِ الخاص لمشاريع التنمية القابلة للتمويل، ومن خلال الترويج لحلولٍ تُخفّف من مخاطر العملة وتجمع بين التمويل العام والخاص بشكلٍ أكثر فعالية.
وفي جميع الأحوال، يجب على المانحين الوفاء بوعودهم الإنمائية.
ثانيًا، يجب علينا إصلاح نظام الديون العالمي. إنه نظامٌ غَيرَ عادلٍ ومُعَطَّل.
إنَّ نظامَ الاقتراضِ الحالي غير مُستدام، والبلدان النامية لا تَثِقُ به كثيرًا. ومن السهل معرفة السبب. فخدمةُ الديون هي بمثابة آلةٍ تَسحَقُ مكاسب التنمية، بما يزيد عن 1.4 تريليون دولار سنويًا. وتُجبِرُ العديدَ من الحكومات على إنفاقِ المزيدِ على مدفوعات الديون مُقارنةً بالضروريات مثل الصحّة والتعليم مُجتَمِعَين.
يجب أن يُسفرَ مؤتمر إشبيلية عن خطواتٍ ملموسة لخفضِ تكاليف الاقتراض، وتسهيل إعادة هيكلة الديون في الوقت المناسب للبلدان المُثقلة بديونٍ غير مُستدامة، ومنع أزمات الديون من الظهور في المقام الأول.
قبل المؤتمر، طَرَحَ عددٌ من البلدان مُقترحاتٍ لتخفيفِ عبء الديون على البلدان النامية. ويشملُ ذلك تسهيل إيقاف خدمة الديون مؤقتًا في أوقات الطوارئ؛ إنشاء سجلٍّ واحد للديون لتعزيز الشفافية؛ وتحسين كيفية تقييم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ووكالات التصنيف الائتماني للمخاطر في البلدان النامية.
أخيرًا، يجب على مؤتمر إشبيلية أن يُعلي صوتَ الدول النامية ونفوذها في النظام المالي الدولي ليخدم احتياجاتها على نحوٍ أفضل.
يتعيّن على المؤسسات المالية الدولية إصلاحَ هياكل حوكَمتها لتمكين الدول النامية من التعبير عن رأيها ومشاركتها بشكلٍ أكبر في إدارة المؤسسات التي تعتمد عليها.
يحتاج العالم أيضًا إلى نظامٍ ضريبي عالمي أكثر عدالةً، نظامٌ تُشكّله جميع الحكومات – وليس فقط الحكومات الأكثر ثراءً وقوة.
يُعَدُّ إنشاءُ “نادي المُقترضين” للدول لتنسيق نهجها والتعلُّم من بعضها البعض خطوةً واعدة أخرى نحو معالجة اختلالات موازين القوى.
لا يهدفُ اجتماع إشبيلية إلى الإحسان، بل إلى العدالة، وبناءِ مستقبلٍ تزدهرُ فيه الدول وتبني وتتاجر وتزدهر معًا. في عالمنا المترابط بشكلٍ متزايد، يُعد مستقبلٌ يسوده الثراء والفقر وصفةً لانعدامِ أمنٍ عالمي أكبر، سيظل يُثقل كاهل التقدُّم للجميع.
مع تجديد الالتزام والعمل العالمِيَين، يمكن لمؤتمر إشبيلية أن يُطلقَ زخمًا جديدًا لاستعادة قدرٍ من الثقة في التعاون الدولي وتحقيق التنمية المستدامة للبشرية والكوكب. في إشبيلية، على القادة أن يتعاونوا لإنجاح مهمة الإنقاذ هذه.
- أنطونيو غوتيريش هو الأمين العام للأمم المتحدة.
- كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.