لماذا السودان مُهِمٌّ ويُهِمّ؟

مجلس السيادة السوداني: أمامه تحدّيات كبرى.

 

بعدما خرج السودان من العزلة التي كانت مفروضة عليه عالمياً، فقد أصبحت الدولة الأفريقية راهناً هدفًاً لمصالح مجموعة متنوعة من البلدان الإقليمية والدولية.

فلاديمير بوتين: إهتمام كبير بالسودان

بقلم ندى أحمد*

في تشرين الأول (أكتوبر) 1993، أعلن عمر البشير نفسه رئيساً للسودان، فارضاً نظاماً استبدادياً هَيمَنَ عليه الإسلاميون حتى تمّت إطاحته في انقلاب نيسان (إبريل) 2019.

الواقع أن حركة الاحتجاج التي دفعت الجيش السوداني إلى الإطاحة بالبشير قد حققت ما بدا مستحيلاً. بعد سنواتٍ من العزلة العالمية، شُطِب السودان عن قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب، بعد أن ظل مُدرَجاً عليها لما يقرب من ثلاثة عقود. وقد ساهم ذلك في إطلاق وتدفّق المساعدات الاقتصادية، على الرغم من أن الإمارات العربية المتحدة كانت منحت نظام البشير مليارات الدولارات كمساعدة لدعمه التحالف الذي تقوده السعودية في حرب اليمن.

كان سقوط البشير إيذاناً ببدايةِ عهدٍ واعدٍ أكثر للسودان. سرعان ما اكتسبت البلاد حلفاءَ دوليين وإقليميين جدداً، بما فيها الولايات المتحدة وإسرائيل وروسيا. وانضمت هذه الدول إلى الإمارات العربية المتحدة، التي دعمت، مع المملكة العربية السعودية، مجلس السيادة السوداني الذي حكم السودان اعتباراً من آب (أغسطس) 2019، حيث زوّدته ب3 مليارات دولار في العام 2019. وفي الوقت عينه، وجدت صديقتا السودان القديمتان قطر وتركيا، اللتان كانتا في ذلك الوقت مُنافستَين لمعظم الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي وجارة السودان الشمالية مصر، نفسَيهما على الهامش.

لطالما أدرك شركاء السودان قيمة البلد بموارده مثل الغاز الطبيعي والذهب والفضة والكروميت والزنك والحديد. الإمارات العربية المتحدة ، على سبيل المثال، استوردت ذهباً بقيمة مليارات الدولارات في العقد الفائت – وكان السودان من بين أكبر ثلاثة مُصَدِّرين للذهب إلى البلاد بعد ليبيا وغانا على التوالي. واستمر هذا الاتجاه حيث أقامت الإمارات علاقات مع الجنرال محمد حمدان دقلو، نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الذي قاد السودان مباشرة بعد عزل البشير. وقد نتج عن ذلك صادرات ذهب سنوية إلى الإمارات بقيمة 16 مليار دولار منذ العام 2019.

في وقت سابق، سعت تركيا إلى الإستفادة من علاقاتها مع البشير والحصول على موطئ قدم في جزيرة سواكن في شمال شرق السودان من خلال توقيع صفقة بقيمة 650 مليون دولار في العام 2017 لتطوير الميناء وإنشاء رصيف بحري للأغراض العسكرية والمدنية. أدى ذلك إلى قلق في المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر بشأن خطط أنقرة لممارسة نفوذها في البحر الأحمر. وبعد عام، وقع السودان أيضاً على صفقة بقيمة 4 مليارات دولار مع قطر لتطوير ميناء سواكن. وقد عكس ذلك طموح قطر لدخول البحر الأحمر أيضاً، وكان يُنظر إلى ذلك على أنه محاولة لمواجهة الوجود البحري المكثف لدولة الإمارات العربية المتحدة في القرن الأفريقي.

بعد سقوط نظام البشير، بدأت دولٌ عدة في تطوير خططها الخاصة بالنسبة إلى السودان. ابتداءً من أيار (مايو) 2020، إستضافت الإمارات مراراً مسؤولين سودانيين بارزين وربطتهم بالإسرائيليين. في العام 2020، اتفق السودان وإسرائيل على تطبيع العلاقات، ويعتزمان إضفاء الطابع الرسمي على هذا في وقت لاحق من هذا العام. وفي أبو ظبي أيضاً، ناقش المسؤولون السودانيون إمكانية شطب بلدهم من قائمة الإرهاب الأميركية. وعلى الرغم من أن ممثلي واشنطن كانوا حاضرين خلال هذه التجمعات الرفيعة المستوى، فإن التدخل الأميركي في السودان لم يتجاوز الديبلوماسية.

نظراً إلى أن الولايات المتحدة قد انسحبت إلى حدٍّ ما من الشرق الأوسط وغرقت في انقساماتها الداخلية، فقد زادت روسيا من مشاركتها وتورّطها في المنطقة، بما في ذلك السودان. في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، أصدر الرئيس فلاديمير بوتين تعليمات لوزارة الدفاع الروسية بالدخول في اتفاق مدته 25 عاماً مع السلطات السودانية لإنشاء قاعدة بحرية روسية جديدة في بورتسودان تستوعب حوالي 300 جندي روسي.

جاء ذلك بعد أن وقعت موسكو والخرطوم اتفاقية تعاون عسكري في العام 2019. وستدوم اتفاقية التعاون سبع سنوات وتسمح بزيارات السفن الحربية والطائرات الروسية، فضلاً عن تبادل المعلومات والخبرات العسكرية السياسية. كما نصّت الإتفاقية على فتح مكتبٍ تمثيلي لوزارة الدفاع الروسية للتفاعل مع نظيرتها السودانية. لقد أقامت روسيا، التي كانت ذات يوم لاعباً هامشياً في القرن الأفريقي، علاقات مع دول المنطقة، وهي تشير الآن إلى رغبتها في ترسيخ وجودها أيضاً على البحر الأحمر.

كانت موسكو مورداً رئيساً للأسلحة في إفريقيا جنوب الصحراء، لذا فإن القاعدة البحرية الجديدة ستفتح مجموعة متنوعة من الاحتمالات العسكرية والجيوسياسية والاقتصادية. وينطبق ذلك بشكل خاص على موقع السودان الاستراتيجي وموارده وأهميته لاستقرار جيرانه. لقد أدركت روسيا منذ فترة طويلة الحاجة إلى تأمين موطئ قدم في السودان، حيث يتواجد المرتزقة العاملون في مجموعة فاغنر، وهي شركة عسكرية روسية خاصة، منذ العام 2017. كما ساعدت شركة فاغنر، التي أسسها ديمتري أوتكين، المُقرَّب من بوتين، على دفع أجندة روسيا السياسية في سوريا وليبيا.

يقع السودان، على وجه الخصوص، بين مصر من الشمال وإثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان من الجنوب، والشمال الشرقي للبلاد على البحر الأحمر، والشمال الغربي على الحدود مع ليبيا. بالنسبة إلى روسيا، فإن وجود موطئ قدم في السودان يعني سهولة الوصول إلى ليبيا والقرن الأفريقي، حيث سلّحت معظم البلدان هناك. بالنسبة إلى الإمارات، بدورها، فإن العلاقات الوثيقة مع الخرطوم تعني توسّع الامتداد الجيوسياسي والتجاري للإماراتيين في البحر الأحمر، حيث تمتلك الإمارات قواعد عسكرية وتجارية في إريتريا وأرض الصومال والصومال والساحل الجنوبي لليمن، بما في ذلك سقطرى.

عندما حكم عمر البشير السودان، إستخدمت حركة “حماس” البلاد كقناةٍ لتهريب الأسلحة إلى غزة. وبحسب تقارير عدة متطابقة، فإن أسلحة مُرسلة من إيران كانت تُفرَّغ في السودان قبل تهريبها عبر مصر إلى الأراضي الفلسطينية. الآن بعد أن قام السودان بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، فإن احتمالية إحياء هذا المسار تبدو ضئيلة.

على الرغم من الفرص الاقتصادية التي من المتوقع أن توفرها العلاقات السودانية الجديدة، إلا أن هناك تحديات أمام البلاد. السودان مُثقَلٌ بالديون وفقير، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي فيه بنسبة 8.4٪ في العام 2020 مُقارنة بالعام السابق. كما أن لديه أعلى معدل تضخم في إفريقيا في العام 2021، عند 129.7 في المئة، يليه جنوب السودان بنسبة 33.1 في المئة، وفقاً للبيانات الصادرة عن صندوق النقد الدولي. علاوة على ذلك، قُدر معدل البطالة بأكثر من 16٪ من إجمالي القوى العاملة في العام 2020. وهذا يعني أن البلاد لم تكن قادرة على الاستفادة بشكل كامل من حقيقة أن أكثر من 50٪ من سكانها هم في سن العمل.

يجب على الحكومة السودانية إعطاء الأولوية وتنفيذ أجندة تنمية واضحة وشاملة، مع معالجة أوجه القصور في النظام السابق، مثل تفشّي الفساد وانعدام الشفافية. ما لم يحدث هذا، فإن الروابط السياسية والاقتصادية الجديدة في السودان لن تُتَرجم إلى نوعية حياة أفضل للمواطنين العاديين، الأمر الذي يترك إمكانات البلاد مهدورة و غير مُحَقَّقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى