مَن هو الرابح في الصفقة التاريخية بين الإمارات وإسرائيل؟

“إتفاق إبراهيم”، هو الإسم الذي اختير عنواناً لاتفاقية التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، التي أُعلِنَ عنها الخميس الفائت، برعاية الولايات المتحدة. وتنص هذه الاتفاقية التي وصفها الأطراف الثلاثة بالتاريخية، على تعزيز التعاون في كل المجالات بين الإمارات وإسرائيل، فيما ستجتمع قيادة البلدين خلال الأيام المقبلة لتوقيع الإتفاقيات الثنائية.

 

الشيخ محمد بن زايد وبنيامين نتنياهو: إتفاقهما لم يكن مفاجئاً ولكن…

بقلم بلال صعب*

بغض النظر عن الكيفية التي يقرأ بها المرء الصفقة الديبلوماسية التي أُعلِنَ عنها يوم الخميس الفائت (14/08/2020) بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة – بالتأكيد سيكون هناك العديد من المؤيدين والمُنتقدين نظراً إلى طبيعتها التاريخية – هناك نتيجةٌ واحدة تبدو غير قابلة للدحض: إسرائيل كانت الفائز الأكبر.

حقّقت إسرائيل، وتحديداً رئيس وزرائها المأزوم، بنيامين نتنياهو، نصراً كبيراً. بتعليقه التهديدات بضم أجزاءٍ من الضفة الغربية مُقابل التطبيع الكامل للعلاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة، أعطى لنفسه مجالاً للتراجع عن وعدٍ قد يكون شائعاً ولكنه غير واقعي وغير قابل للتحقيق. وهكذا، ربح نتنياهو التطبيع مع قوة عربية صاعدة مُقابل شيء لم يكن من المحتمل أن يفعله، ولم يكن في مصلحة إسرائيل في المدى الطويل. في الدوائر الديبلوماسية، هذا ما يُسمّى انقلاباً.

من الأكيد أن الإمارات تحصل على الكثير في المقابل. من خلال إبرام هذه الصفقة، فإنها تُعزّز، على حدّ سواء، مكانتها القيادية في العالم العربي ودورها المتضخّم في الجغرافيا السياسية. كما أن التعاون الثنائي المُعزَّز والرسمي في قطاعاتٍ مثل الطاقة والطب والتكنولوجيا والصناعة العسكرية سيُحقّق مكاسب كبيرة لكلا البلدين. إن المُجتَمَعَين، اللذين هما أصلاً طَموحَين ورياديَين في قطاع الأعمال، سيحصلان على فرصةٍ للعمل كفريق واحد من دون الحاجة إلى القلق بشأن السياسة. السماء هي الحد الأقصى بالنسبة إلى التطورات التكنولوجية التي ستُفيد المنطقة وربما العالم.

من المؤكد أن منطقة الشرق الأوسط ككل ستستفيد من أي تهدئة للتوترات ومن الديبلوماسية الإيجابية. لكن الأمر يستحق تخفيف التوقّعات في ما يتعلق بآثار هذه الصفقة على الأمن الإقليمي. بعد كل شيء، الإمارات وإسرائيل لم تُقاتل إحداهما الأخرى أو نظرا إلى بعضهما كأعداءٍ تقليديين. لذا فإن تسمية هذا الإتفاق بـ “اتفاق سلام”، كما ادّعت إدارة دونالد ترامب، هو أمرٌ مُبالَغٌ فيه إلى حد ما. بدلاً من ذلك، فهو يُمثّل اعترافاً رسمياً بالعلاقات الثنائية القائمة منذ عقود. إنها أيضاً بداية عملية ديبلوماسية، لذا قد تستغرق المكاسب الأوسع وقتاً لتؤتي ثمارها بالكامل. كما لا يزال يتعيّن على الإتفاقية أن تصمد أمام معارضة سياسية من جانب البعض في المجتمع الإسرائيلي المُحافظ للغاية. إذا نكثت إسرائيل بوعودها في الضفة الغربية، فإن الإماراتيين سيُنقذون الوضع.

في الواقع، ينبغي أن يعود الفضل في تحقيق هذا الإنجاز التاريخي إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي توسّط في الصفقة، بغض النظر عن طبيعة مشاركته الشخصية. كان دور الوساطة لإدارته لا غنى عنه. بالطبع، لن يتوقّف عن التباهي بإحلال السلام في الشرق الأوسط إلّا بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني (نوفمبر). لكن لا ينبغي أن يَصرُفَ تبجيله الذاتي المُستمر وسياسته الإنتباه عن حقيقة أن ما حقّقه للتّو لديه القدرة على هزّ الأمور في المنطقة وتحريكها حقاً. ولمرة بطريقة إيجابية.

إذا انضمت المملكة العربية السعودية  إلى الحفل الديبلوماسي، عندها يكون الوقت الذي يجب أن يتضاعف فيه الثناء على الصفقة مرتين بل وثلاث مرات. السعودية، وليست الإمارات، هي أكبر جائزة لإسرائيل من حيث الإعتراف الديبلوماسي. والمملكة العربية السعودية، وليست الإمارات، هي التي تتحدث تقليدياً باسم العالم الإسلامي، وملكها هو خادم الحرمين الشريفين. سيحدث تأثير الدومينو العربي في اللحظة التي ينضم فيها السعوديون إلى القافلة. إذا أو عندما يفعلون ذلك، سيتم أخيراً حلول التعاون الأمني ​​العربي-الإسرائيلي الأوسع.

لكن أين الرياض من كل هذا؟

التحرّكات الديبلوماسية الرئيسة مثل مبادرة السلام العربية لعام 2002 ، التي عرضت على إسرائيل الإعتراف العربي الكامل مقابل انسحابها من الأراضي العربية التي احتلتها في حرب 1967، كانت امتيازاً للسعوديين. إن كون الإماراتيين الآن في طليعة الديبلوماسية العربية الجريئة هو الأكثر إثارة للإهتمام – لكنه مُتوَقَّعٌ أيضاً نظراً إلى المتاعب الأخيرة للسعوديين تحت قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

لا يوجد دليل يشير إلى أنه من خلال إبرام هذه الصفقة مع إسرائيل، إختلفت أو انفصلت الإمارات عن المملكة العربية السعودية. لكن الإتفاق جعل الأمر بالتأكيد يبدو كما لو أن أبو ظبي كانت تمضي قُدُماً وترسم مساراً مُستقلاً بشكل متزايد. أولاً، تسحب أبو ظبي قواتها من اليمن وتترك شريكها السعودي في التحالف مُعلَّقاً. الآن يحدث هذا. وحتى إذا وقّعت المملكة على الاتفاقية، وهو احتمال تركه ترامب مفتوحاً بالقول إن دولاً عربية أخرى يمكن أن تنضم إلى هذا الاتفاق قريباً، فسيتم تذكّرها إلى الأبد باعتبارها تابعةً وليست مُبادِرَة. لن يكون التاريخ العربي لطيفاً مع السعوديين لتخلّيهم فعلياً عن قيادتهم لشريكهم الأصغر.

ثم مرة أخرى، ربما كان هذا هو ما تُفضّله الرياض طوال الوقت من خلال التنسيق الفعّال مع الإماراتيين. شاهد وتعلّم، ربما كان السعوديون يُراقبون ويجرون حساباتهم. ربما يريدون أن يروا أولاً كيف يتم تلقي الصفقة في العالم العربي والأهم من ذلك في طهران، العدو القديم. وعلى هذا الأساس، يُحددون ويُقرّرون ما إذا كانوا يريدون الإنضمام أم الإبتعاد. يكاد يكون من المؤكد أن ينتقد الإيرانيون الصفقة، وسيصف الحرس الثوري الإسلامي الإماراتيين بأنهم خونة، لكن المهم هي الأفعال. وقد يكون هذا ما ستنتظره الرياض.

وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن السعوديين في وضعٍ مختلف تماماً عن الإماراتيين عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. لقد تضمّنت الصفقة الحد الأدنى من المخاطر للإماراتيين محلياً. ليس الأمر كذلك بالنسبة إلى السعوديين. إذا طبّع النظام الملكي في الرياض علاقاته مع إسرائيل رسمياً قبل الأوان – من دون وجود اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين يحلّ قضية القدس – فقد يثور الشعب السعودي، أو على الأقل رجال الدين في البلاد، وهذا شيء لا يستطيع الأمير محمد بن سلمان تحمّله ببساطة.

لقد ركّز ولي العهد الشاب منذ إطلاق مشروعه التحويلي المُسمى “رؤية السعودية 2030” إلى الحدّ من دور وسلطة الشيوخ ورجال الدين المحافظين في المملكة. ولكن، فإن تصوُّرَ التنازل عن القدس لإسرائيل يُمكن أن يُنعش نفوذ رجال الدين مُجدَّداً ويرفعه إلى آفاق جديدة. وقد يُعيد التشدّد المتطرف، الذي أحدث الفوضى في البلاد في العام 1979 ثم مرة أخرى بين العامين 2003  و2004.

هناك الكثير من الأمور المجهولة في هذه الاتفاقية، والتي لم تُسَرَّب وظلت سرية بأعجوبة حتى أصدر ترامب بيانه. لكن هناك شيئاً واحداً مؤكداً وهو أن علاقات القوة في العالم العربي قد تحوّلت بقوة لصالح دوله الأصغر: الإمارات العربية المتحدة وقطر المُنافِسة لها. المملكة العربية السعودية مشغولة بعملية انتقالها الدقيقة، وقد تلاشت هيبة مصر منذ فترة طويلة.

وبقدر ما تستحق هذه الصفقة من الثناء، فإن التحدّي النهائي والأكثر قيمة للشرق الأوسط لا يزال يتمثّل في الحدّ بشكلٍ كبير من التوترات مع إيران. إذا لم تنفجر العلاقات بين أبو ظبي وطهران نتيجة لذلك – وقد كانت أخيراً جيدة جداً – فسيكون الإماراتيون قادرين على التوسّط بشكل أكثر فاعلية بين الإسرائيليين والإيرانيين، وهو دورٌ لعبه العُمانيون تاريخياً. قد لا يصنع المُتشدّدون في طهران سلاماً مع إسرائيل أبداً، لكنهم بالتأكيد لديهم مصلحة في وقف حرب واسعة النطاق. يُمكن لديبلوماسية أبو ظبي الذكية والإنتهازية مع إسرائيل أن تُساهم في هذا الصدد وفي الواقع تغيير المنطقة إلى الأبد.

  • بلال صعب هو زميل كبير ومدير برنامج الدفاع والأمن في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. الآراء الواردة في هذا المقال تخص وتُمثّل كاتبه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى