لماذا الآن؟ يُثيرُ اغتيال لقمان سليم في بيروت أسئلة كثيرة

لقمان سليم: لماذا تمّ اغتياله الآن؟

 

بقلم مايكل يونغ*

لا يزال اغتيال الكاتب والمخرج والناشط اللبناني لقمان سليم في الأسبوع الفائت يُثيرُ الغضب في بلد لا تزال فيه غالبية الجرائم الكبرى بلا عقاب. ومع ذلك، فإن اغتيال سليم قد يُشير إلى أن أولئك الذين قتلوه كانوا يخشون خسارة الأرض في النظام السياسي.

كان سليم رجلاً شُجاعاً بشكلٍ استثنائي، يعيش في حي حارة حريك بضاحية بيروت الجنوبية التي يسيطر عليها “حزب الله”. إستاء الحزب ومؤيّدوه من انتقاداته، التي يُعبّر عنها شيعي، كان، إذا جاز التعبير، من أهل الدار، حيث سكنت عائلته في حارة حريك قبل فترة طويلة من وصول “حزب الله”. لسنواتٍ عانى سليم من مُضايقات الحزب المُتشدّد، لكنه صمد وبقي بثبات في المنطقة.

لهذا السبب، عندما عُثِر على لقمان مقتولاً يوم الجمعة الماضي في جنوب لبنان، خلص معظم اللبنانيين إلى أنه قُتل على أيدي أولئك الذين قضوا سنوات في جعل حياته صعبة. وأعلنت شقيقته أن العائلة “تعرف القتلة”، مُشيرةً بوضوح إلى مَن تشتبه في أنهم وراء الجريمة.

كان الأمر الأكثر إثارة للإهتمام هو سبب التخلّص من سليم الآن، عندما أمضى عقوداً في التعايش بصعوبة مع “حزب الله”. لقد فرض الحزبان الشيعيان الرئيسيان في لبنان، “حزب الله” و”حركة أمل”، سيطرة محكمة على مُجتمعهما، لكن هذا لا يعني أنهما لجأا بشكلٍ روتيني إلى قتل منتقديهما. على العكس من ذلك، كان اغتيال سليم صادماً لأنه كان نادراً جداً.

لذا، إذا تمّ التأكد من أن قتل سليم كان بأوامر مَن، أو من قِبَل شخص مُوالٍ ل”حزب الله” أو “أمل”، فما هو السبب؟ التفسير الوحيد المعقول هو أنه اغتيل لإرسال رسالة قوية، أولاً، إلى المجتمع الشيعي، ثم ربما أبعد من ذلك، إلى فاعلين سياسيين آخرين.

لماذا تحتاج الأطراف إلى بعث رسالة اليوم؟ الحقيقة أن الطبقة السياسية، التي ينتمي إليها “حزب الله” و”حركة أمل”، لم تفعل شيئاً للتخفيف من الأزمة الاقتصادية العميقة التي اجتاحت لبنان منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2019. وفي الواقع، حاول الحزبان تحييد الانتفاضة ضد القيادة السياسية من خلال – تعبئة الشباب لترهيب المتظاهرين.

من خلال قيامهما بذلك، فقد ساعدا على دعم نظامٍ سياسي فاسد أدّى إلى إفقار حوالي نصف السكان اللبنانيين. منذ ذلك الوقت، انخرط الكارتل السياسي، الذي كان سابقاً مُتماسكاً، في خلافات مُشلّة وعقيمة، لأن الشيء الوحيد الذي وحّد أعضاءه – تقاسمهم نهب الدولة والاقتصاد اللبنانيين – لم يعد قائماً. بدلاً من ذلك، يحاول كل زعيم الآن تصوير نفسه على أنه نموذجٌ للفضيلة ضد اللصوص الآخرين في البلاد.

نظراً إلى أن “حزب الله” عارض المتظاهرين في العام 2019، يجب أن يواجه الآن حقيقة أن العديد من اللبنانيين يُحمّلونه المسؤولية عن الوضع الكارثي في ​​البلاد. حتى داخل المجتمع الشيعي، هناك تقارير مستمرة عن تزايد الإستياء من “حزب الله” و”حركة أمل” بسبب الضائقة الاقتصادية.

في مثل هذا السياق، سيكون من المنطقي إصدار تحذير بأنه لا ينبغي لأحد أن يدفع “حزب الله” و”أمل” بعيداً. ربما كان مقتل سليم بمثابة تحذير. ولكن إذا كان الطرفان مُتوَرّطَين فعلياً في الجريمة، فإن ذلك سيُظهر ويؤكّد قبل كل شيء ضعفهما بالنسبة إلى الوضع اليوم.

كما لم يتمكّن “حزب الله” من فك الجمود السياسي في عملية تشكيل الحكومة. في مناسبات عدة، حاول الحزب دفع حليفه، التيار الوطني الحر، ليكون أكثر مرونة في المفاوضات مع رئيس الوزراء المُكَلَّف سعد الحريري. كل هذه المحاولات باءت بالفشل، بما في ذلك تدخل وفيق صفا، المسؤول الأمني ​​البارز في “حزب الله”، والمسؤول أيضاً عن العلاقات مع التيار الوطني الحر وزعيمه جبران باسيل.

قيل لفترة طويلة أن “حزب الله” لم يكن مُستعدّاً لتعريض علاقاته مع باسيل للخطر، والأهم من ذلك مع والد زوجته، الرئيس اللبناني ميشال عون. ومع ذلك، ربما لم يعد هذا صحيحاً. في الأسابيع الأخيرة، ضغط كبار المسؤولين في الحزب بإصرار أكبر من أجل التوصل إلى اتفاق. في الأسبوع الفائت، أسقط رئيس مجلس النواب وزعيم “حركة أمل”، نبيه بري، أحد الشروط الرئيسة التي وضعها باسيل في محادثاته مع الحريري، وهو ما لم يكن ليفعل ذلك بدون موافقة “حزب الله”.

بعبارة أخرى، ربما نكون قد وصلنا إلى مرحلة قد يبدأ فيها المأزق المستمر في لبنان تقويض مصالح “حزب الله”، من خلال إنطلاق احتجاجات عامة جديدة على الأرجح ضد الأحزاب في السلطة بسبب تفاقم المشاكل الاقتصادية. لذلك، هل كان مقتل سليم أيضاً وسيلة غير مباشرة للتعبير عن نفاد صبر “حزب الله” لحلفائه في التيار الوطني الحر؟ قد يكون هذا تفسيراً بعيداً جداً، ولكن من المحتمل أيضاً أن يكون باسيل والرئيس عون قد قرآه بهذه الطريقة.

أخبرني لقمان سليم ذات مرة، مُتحدّثاً عن “حزب الله”، إنه “مثل العديد من الأحزاب الشمولية، نجح في إدخال الرعب والخوف إلى الآخرين، ونقل قمعه إلى العقول”. إذا كان الحزب مُتورّطاً في اغتياله، فسيكون من المفارقات أن يفعل ذلك لأنه شعر بأن هذا الإفتراض لم يعد مقبولاً أو صحيحاً.

  • مايكل يونغ هو زميل كبير ورئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كَتَبَ الكاتب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى