الرئيس الأرمني: تركيا تُخاطر بإشعال القوقاز كله

بقلم أرمين سركيسيان*

في 30 أيلول (سبتمبر)، قُمتُ بصياغة رسالة خاصة إلى العديد من قادة العالم لأصِف لهم الوضع في “ناغورنو كاراباخ” وحولها، وهي منطقة مُتنازَعٌ عليها في القوقاز تسكنها غالبية من الأرمن. لقد تَعَرَّضَت لهجومٍ عدواني من قبل أذربيجان، بدعمٍ كامل من تركيا. بالكاد استطعتُ أن أتوقّع مدى العدوان ونقص الإنسانية في سلوك قواتهما. منذ ذلك الوقت وحتى الآن، فإن الواقع على الأرض الذي يُعاني منه أخوتي الأرمن أكثر من مُجرّد مُقلِق، فهو يُخاطر ويُهدّد بإشعال مزيد من التصعيد وانعدام الأمن في المنطقة وحتى خارجها.

قبل أشهر وحتى سنوات قبل العدوان العسكري الأذربيجاني في 27 أيلول (سبتمبر) الفائت، كانت القيادة الأذربيجانية تستخدم خطاباً عسكرياً قاسياً للغاية وتُعلنُ صراحة، على أعلى مستويات الحكومة، عن نواياها لحلّ النزاع من خلال حربٍ شاملة. إن “ناغورنو كاراباخ” وأرمينيا تواجهان محاولات مُماثلة لأكثر من 25 عاماً منذ وقف إطلاق النار بعد حرب كاراباخ الأولى في العام 1994. ومنذ ذلك الحين، لم يتلاشَ خطاب أذربيجان المُهَدِّد وسلوكها المُدَمِّر.

“ناغورنو كاراباخ” – أو “أرتساخ”، كما نُسمّيها في أرمينيا – كانت دائماً مأهولة بغالبية ساحقة من الأرمن. لم تكن قط جزءاً طوعاً من أذربيجان المستقلة. في العام 1921، تم تقديم “ناغورنو كاراباخ” كهدية من روسيا تحت قيادة جوزيف ستالين إلى أذربيجان السوفياتية، التي لم تكن دولة مستقلة، بل كانت جزءاً من الإتحاد السوفياتي.

بعد عقود من التمييز المستمر، بدأ أرمن “ناغورنو كاراباخ”، في العامين 1987 و1988، رفع أصواتهم للإنضمام إلى أرمينيا. وقاموا بمظاهرات سلمية ووقّعوا على عرائض. في الوقت عينه، تصاعدت أعمال الإضطهاد العرقي ضد الأرمن في أذربيجان السوفياتية. كانت هناك مذابح وحملات تطهير عرقي في عدد من المدن الأذربيجانية.

خلال انهيار الإتحاد السوفياتي، أعلن أرمن “ناغورنو كاراباخ” استقلالهم قبل أذربيجان. في الواقع، أعلنت أذربيجان استقلالها عن الاتحاد السوفياتي في عملية مُنفَصلة، بدون ناغورنو كاراباخ. على الرغم من هذه الحقائق وغيرها التي، من وجهة نظر أرمينيا، تجعل مزاعم أذربيجان لا أساس لها من الصحة في سياق القانون الدولي، فإن الحكومة في باكو تسعى، منذ حوالي 30 عاماً، إلى قمع حق أرمن “ناغورنو كاراباخ” (أو جمهورية أرتساخ) بالوسائل العسكرية للعيش في وطنهم. وهي تنتهج سياسة الإستيلاء على الأراضي بالقوة وتطهيرها من سكانها الأصليين وتراثها وتجاهل الحقوق الأساسية والأصلية.

بعد 30 عاماً من رفض أي محاولات للتوصّل إلى حلٍّ سلمي، تُهاجم أذربيجان مرة أخرى، بدعم عسكري وسياسي من تركيا، أرضاً أرمنية عزيزة. يُعتَبر موقف أذربيجان، إلى حدٍّ ما، استمراراً للسياسات التي واجهها الأرمن منذ أن حاولت الإمبراطورية العثمانية ارتكاب الإبادة الجماعية في حق الأرمن قبل حوالي 105 سنوات. في ذلك الوقت، لقي حوالي 1.5 مليون أرمني حتفهم، أو نُفيوا واضطُهدوا.

لا يشمل الجانب الأذربيجاني اليوم جنرالات وضباطاً وخبراء عسكريين أتراك فحسب، بل يشمل أيضاً طائرات مقاتلة تركية من طراز “أف-16” (F-16) وطائرات بدون طيار “بيرقدار” سيئة السمعة. كل يوم، تشارك آلات الموت هذه في قصف “ناغورنو كاراباخ” وحتى أرمينيا. تم نشر الأسلحة الفتاكة وحتى المحظورة، مثل الذخائر العنقودية، لأكثر من ثلاثة أسابيع ضد عدد كبير من المدنيين الأرمن والبنية التحتية المدنية. وتشمل الأخيرة المستشفيات والمنازل وحتى رياض الأطفال.

إذا أضفت إلى ذلك تورّط المُرتزقة السوريين والجهاديين والمتطرفين الذين هم الآن على الأراضي الأرمنية يقتلون شعبي، فإن الصورة كاملة وواضحة. يدخل المرتزقة من المنظمات الإرهابية الدولية التي تقاتل في الشرق الأوسط – على وجه الخصوص، جبهة النصرة، وفرقة حمزة ولواء السلطان مراد – بنشاط في المعركة. إن أرمينيا و”ناغورنو كاراباخ” تواجهان إرهاباً دولياً.

وبالتالي، فإننا في أرمينيا قلقون للغاية ومتأهّبون لتلك التطورات على الأرض. كما نشعر بالقلق إزاء الموقف المُتردّد للمجتمع الدولي الذي يحتاج إلى ردّ فعل فوري. ينبغي عليه الضغط على تركيا للإنسحاب الفوري من منطقتنا بأسلحتها ومرتزقتها واستهزائها. عليه الضغط على أذربيجان لاحترام وَقفَين لإطلاق النار اللذين تمّ الإتفاق عليهما في 10 و17 تشرين الأول (أكتوبر). الحرب التي تشنها تركيا وأذربيجان ضد أمّتي تُهدد بخلق سوريا أخرى في القوقاز، مع احتمال إشعال حريق أكبر في المنطقة بأكملها وخارجها.

لا تتردّد تركيا في تصدير المُقاتلين الإسلاميين المتطرفين وغيرهم من الإرهابيين إلى أذربيجان. لكن، كالعادة، تحتاج إلى عذر للقيام بذلك. وكان أحد أعذارها أن الأذربيجانيين هم من ذوي القرابة العرقية. الحقيقة هي أن هذا الخط من التفكير لا يعمل ببساطة في العالم الجديد، لأنه بهذا المنطق تمتد القرابة العرقية لتركيا على طول الطريق إلى آسيا الوسطى ومنغوليا وشمال الصين وأماكن أخرى. هل أنقرة مستعدة للتدخل في أي مشكلة قد يواجهها إخوانها الإثنيون هناك؟

ربما يكون الجواب نعم – وفي هذه الحالة، فلا عجب بأن تركيا الحديثة لديها علاقات مُريبة تحمل إشكاليات تقريباً ب360 درجة في كل اتجاه. كانت لديها مشاكل مع مصر. وهي متورطة الآن في ليبيا. إنها تتحدث عن وحدة أراضي أذربيجان، لكنها في هذه الأثناء عبرت حدودها مع العراق. إنها تنتهك وحدة أراضي سوريا. إنها تحاول أن تكون حاضرة في لبنان وفي أجزاء من الخليج. كما أن لديها قضايا كبيرة في شرق البحر الأبيض المتوسط. والآن هي في القوقاز. كل هذا غير مقبول.

يجب على قادة الدول المُتحضّرة ، بغض النظر عن هوياتهم الدينية أو العرقية، أن يتصرّفوا بشكل لا لبس فيه لوقف المُعتدين وإقامة سلام دائم. نحن بحاجة إلى السلام، ولا يُمكن التوصّل إليه إلّا من خلال المفاوضات والمحادثات. لكن هذا ما يرفضه الجانب الأذربيجاني في كل مرة لأسباب مروعة بالنسبة إلينا. يزعمون أن لديهم حقاً مشروعاً في استخدام القوة – القوة العسكرية الوحشية – ضد الأرمن الذين يعيشون في “ناغورنو كاراباخ”.

يجب أن نفهم ونُدرك أنه لا يوجد حلٌّ عسكري لهذا الصراع ولا لأي صراع آخر. رأى الأرمن وآمنوا دائماً أنه يجب التوصّل إلى الحلّ من خلال المفاوضات السلمية وبطريقة لا تزيد الأمور سوءاً. ولهذا السبب امتنعنا عن الإعتراف رسمياً بجمهورية “أرتساخ” للسماح للمفاوضات بالتوصل إلى حل سلمي. لكن يبدو أن تركيا وأذربيجان لديهما فهم مختلف لما هو الحل، ولا يدفعان سوى أجندة عسكرية وعدوانية، وفي رأيي إبادة جماعية.

إن ندائي للقادة المسلمين والعرب يهدف إلى مطالبتهم باستخدام نفوذهم ومكانتهم العالية في الساحة الدولية لوقف إراقة الدماء والمعاناة الإنسانية على الفور.

معاً نستطيع وقف هذا العدوان، لأننا دعاة سلام، ونرفض الحرب والعنف والإرهاب.

  • أرمين سركيسيان هو رئيس جمهورية أرمينيا.
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى