هل يقود “كوفيد-19” نمو العملات الرقمية؟

مع تحوّل عمليات الشراء والمعاملات بشكل متزايد بعيداً من النقد باتجاه القنوات الرقمية خلال الوباء، تواصل البنوك المركزية والمؤسسات الخاصة في جميع أنحاء العالم استكشاف إمكانات العملات الرقمية.

بنك الصين المركزي: كان أول بنك يُصدر عملة رقمية ل50 ألف شخص كتجربة

لندن – محمد سليم

بعد تفشّي فيروس كوفيد-19، رأى العديد من الحكومات والمواطنين المدفوعات الرقمية وسيلة فعّالة لإجراء المعاملات والحدّ من مخاطر انتشار الفيروس.

على سبيل المثال، في كينيا، تنازل البنك المركزي عن رسوم المعاملات المالية المُنجَزة بواسطة الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول، بينما سعت الحكومة في ميانمار، حيثما أمكن، إلى توزيع مدفوعات لمرة واحدة على المواطنين المُستَضعَفين من خلال المنصات الرقمية المحلية مثل “وايف مَني” (Wave Money) و”وان باي” (OnePay).

في الوقت عينه، شهد العديد من منصات التجارة الإلكترونية والتوصيل عبر الإنترنت الخاصة زيادات سريعة في حركة المرور، حيث أجبر الوباء الشركات على تحسين عروضها عبر الإنترنت والعروض الرقمية.

البنوك المركزية تتحوّل إلى الرقمية

نتيجةً لهذا التحوّل في تفضيلات الدفع، تنظر السلطات النقدية في جميع أنحاء العالم بشكل متزايد لاستخدام العملات الرقمية من قبل بنوكها المركزية كطريقة بديلة لإجراء المعاملات في عالم يتزايد فيه الطابع الرقمي.

على عكس العملات المُشَفَّرة، فإن عملات البنوك المركزية الرقمية ليست نوعاً جديداً من العملات، بل هي شكل رقمي من العملات الصعبة التي يدعمها ويصدرها البنك المركزي.

في حين تم إحراز تقدّمٍ في عملات البنوك المركزية الرقمية في السنوات الأخيرة، فقد حظيت باهتمام كبير في العام 2019 بعد الإعلان عن أن شركة “فايسبوك” (Facebook) كانت تُخطّط لإطلاق عملتها الرقمية الخاصة، “ليبرا”. في العام 2020، يبدو أن كوفيد-19 قد أعطى صانعي السياسات زخماً مُتجدّداً لمتابعة البحث والتطوير في عملات البنوك المركزية.

في منتصف تشرين الأول (أكتوبر)، أصدر البنك المركزي الصيني عملة رقمية بقيمة 10 ملايين يوان (1.5 مليون دولار) إلى 50,000 شخص في منطقة شنتشن بالبلاد من طريق اليانصيب.

يعد البرنامج التجريبي، الذي سمح لمَن تلقوا العملة بتنزيلها وإنفاقها في حوالي 3,000 متجر، أحدث خطوة في خطط الصين لتطوير مشروعها الجديد للدفع الإلكتروني للعملة الرقمية، والذي يأمل البنك المركزي إطلاقه قبل نهاية العام. وهذا الأمر سيجعله أول مشروع من نوعه في العالم.

وقد برزت البلاد كرائدة في مجال العملات الرقمية ومساحة الدفع الرقمية الأوسع، حيث تم إجراء حوالي 80٪ من جميع المدفوعات – بإجمالي 49 تريليون دولار – من خلال منصّات الهاتف المحمول في العام الفائت.

التحرك الصيني على عملات البنوك المركزية الرقمية ليس فريداً من نوعه. في كانون الثاني (يناير)، وجد استطلاعٌ أجراه بنك التسويات الدولية (Bank of International Settlements)، وهو منظمة للبنوك المركزية مقرها سويسرا، أن 80٪ من 66 بنكاً شملها الإستطلاع كانت مُنخَرِطة في نوع من الأعمال المتعلقة بالعملات الرقمية للبنوك المركزية في العام 2019 – إرتفاعاً من 70٪. قبل عام – بينما تقدم 50٪ إما إلى التجارب أو المشاريع التجريبية.

في علامة أخرى على زيادة التركيز على الموضوع، أصدر بنك التسويات الدولية، في تشرين الأول (أكتوبر)، جنباً إلى جنب مع البنوك المركزية في كندا وإنكلترا والاتحاد الأوروبي واليابان والسويد وسويسرا والولايات المتحدة، التقرير الأول عن عملات البنوك المركزية الرقمية.

في الأشهر الأخيرة، قال البنك المركزي الأوروبي إن الاتحاد الأوروبي يجب أن يستعد لإطلاق اليورو الرقمي لاستكمال المدفوعات النقدية، بينما قال تيموثي لين، نائب محافظ بنك كندا، في تشرين الأول (أكتوبر)، إنه يتعيّن على البلاد التحرّك بشكل أسرع لتطوير عملة رقمية نتيجة لـكوفيد-19.

العملات المُشَفَّرة في الأسواق الناشئة

من ناحية أخرى فقد استمرّ تطوير العملات الرقمية غير التابعة للبنك المركزي، مثل العملات المُشَفَّرة.

على عكس عملات البنوك المركزية الرقمية، تُعتَبَر العملات المُشَفَّرة لامركزية، حيث يتم تحديد قيمتها من قبل السوق ولا تتأثر برافعاتٍ مثل السياسة النقدية أو الميزان التجاري.

تماماً كما دفعت الزيادة الناجمة عن فيروس كوفيد-19 في المدفوعات الرقمية البنوك المركزية إلى مزيد من التحقيق في عروضها الرقمية، فقد أثارت أيضاً الإهتمام بخيارات الدفع الرقمية مثل العملات المشفرة والطلب عليها.

في حين أن قيمة “بيتكوين” (Bitcoin)، العملة المُشَفّرة الأكثر شهرة، إنخفضت بحوالي 50٪ في بداية الوباء في منتصف آذار (مارس)، إلّا أنها تعافت منذ ذلك الحين إلى ما يقرب من 11,900 دولار إعتباراً من تشرين الأول (أكتوبر)، وهو رقم أعلى من مؤشرها السابق للوباء الذي كان 10,000 دولار.

كانت هناك زيادة ملحوظة في الطلب على العملات المُشفّرة في الأسواق الناشئة.

في تشرين الأول (أكتوبر)، أعلنت محفظة “بي آر دي” (BRD) للعملات المشفرة ومقرها سويسرا أنها تجاوزت 6 ملايين مستخدم على مستوى العالم، وذلك بفضل النمو القوي في الهند وأميركا اللاتينية. وقد تأسست هذه المحفظة في العام 2015، حيث نمت إلى حوالي 550 ألف مستخدم نشط بحلول تموز (يوليو)، ومنذ ذلك الحين أضافت ما يقرب من مليون مستخدم جديد كل شهرين.

وفي الوقت نفسه، وفقاً لبياناتٍ من شركة أبحاث ال”بلوك تشاين” الأميركية “تشاين أليسيس” (Chainalysis)، زادت قيمة التحويلات الشهرية للعملات المُشَفَّرة من وإلى أفريقيا التي يبلغ مجموعها أقل من 10,000 دولار بنسبة 55٪ في 12 شهراً حتى حزيران (يونيو)، مع ارتفاع عدد التحويلات بمقدار النصف بالمثل.

بالنسبة إلى الكثيرين في الأسواق الناشئة، أصبحت العملات المشفرة أداة رئيسة للتخفيف من مخاطر الصرف الأجنبي حيث فقدت العملات المحلية قيمة كبيرة مقابل الدولار الأميركي.

علاوة على ذلك، جادل البعض بأنه بسبب الاستخدام الواسع النطاق لطرق الدفع البديلة، مثل تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول في بلدان مثل كينيا، فإن المستخدمين في إفريقيا لديهم فهم جيد نسبياً للعملات الرقمية، وبالتالي قد يكونون أكثر استعداداً للتعامل مع طرق الدفع غير التقليدية.

الفُرَص والإهتمامات

بينما توجد فُرَصٌ كبيرة من خلال تطوير العملات الرقمية، هناك أيضاً مخاوف بشأن أمان أنظمة الدفع هذه.

في تقريرٍ صدر في تشرين الأول (أكتوبر)، أشار صندوق النقد الدولي إلى أنه بدون ضمانات أمان مناسبة، يمكن أن يؤدي تطوير عملات البنوك المركزية الرقمية إلى تآكل تأثير البنوك المركزية، وإضعاف تأثير السياسة النقدية وربما يؤدي إلى زيادة عدم استقرار العملة.

كما حذّر الصندوق من أن الفشل في تنظيم عملات البنوك المركزية والعملات المُشَفّرة بشكل صحيح قد يؤدي إلى زيادة التمويل غير المشروع ويجعل من الصعب على السلطات المحلية فرض ضوابط على تدفقات رأس المال.

مُردّداً هذه النغمة الحذرة، قال جيروم باول، رئيس مجلس الإحتياطي الفيدرالي الأميركي، في مؤتمر لصندوق النقد الدولي أنه في حين أن تطوير عملات البنوك المركزية الرقمية يُمكن أن يُعزز نظام المدفوعات العالمي، فإنه “من الأهمية بمكان الحصول عليها بشكل صحيح من أن تكون أولاً” عند تطوير منصّات جديدة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى