الخط الأحمر الإنتحاري لـ”حزب الله”

بقلم مايكل يونغ*

في 25 شباط (فبراير) الفائت، أدلى نائب الأمين العام ل”حزب الله”، الشيخ نعيم قاسم، ببيان قد يعني في النهاية سقوط حكومة الدكتور حسّان دياب. أعلن قاسم: “نحن لا نقبل أن نخضع لأدوات إستكبارية في العلاج (لأزمة لبنان المالية والإقتصادية)، يعني لا نقبل الخضوع لـ”صندوق النّقد الدولي” ليدير الأزمة”. وبرّر نائب الأمين العام ذلك بالقول إن لبنان لن يقبل أموال صندوق النقد الدولي لمعالجة الإنهيار الإقتصادي المُستمر، لأن هذه الأموال ستأتي بشروط صعبة لا تستطيع البلاد قبولها. ما كان لافتاً في تعليقه هو أنه كان لديه انطباع خاطئ بأن اللجوء إلى تمويل صندوق النقد الدولي هو خيار. إنه عادة ما يكون ضرورة وحاجة ماسة.

كان من الواضح دائماً أن “حزب الله” لن يقبل بخطةِ إنقاذٍ من صندوق النقد الدولي، لأن هذا سيمنح المؤسسة الدولية سيطرة كبيرة على جوانب ونواحي للدولة اللبنانية، بما في ذلك شبكات رعاية الحزب. علاوة على ذلك، يعتقد “حزب الله”، ويبدو أن تصريحات حلفاء واشنطن تُثبت، أن البعض يُفكّر في ربط مساعدة صندوق النقد بتحقيق مطالب الولايات المتحدة من الحزب.

المشكلة هي أنه بدون خطة إنقاذ لصندوق النقد الدولي، لا يُمكن للبنان الوصول إلى الأموال لإعادة بناء اقتصاده، ولا الحصول على العملة الصعبة اللازمة لاستيراد الضروريات الحيوية مثل الغذاء والدواء والوقود. ما لم يكن “حزب الله” يريد ويرغب للنظام أن ينهار برمته مع عدم اتخاذ القرار، فسيتعيّن عليه تقديم تنازلات بشأن صندوق النقد الدولي.

دياب يعرف ما هو على المحكّ. لهذا السبب أدلى بتصريح لافت في 2 آذار (مارس) إعترف فيه: “بكل صراحة، لم تعد هذه الدولة، في ظل واقعها الراهن، قادرة على حماية اللبنانيين وتأمين الحياة الكريمة لهم. وبكل أسف، الدولة اليوم في حالة ترهّل وضعف إلى حدود العجز”. إن رئيس الوزراء يُدركُ أنه بدون تمويلٍ وخطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، فإن حكومته لن تستطيع القيام بأي شيء أي بحكم الساقطة. لهذا السبب يُغطّي المحيطون به ما قاله قاسم بكلام إيجابي، مُشيرين إلى أن دياب سيتّخذ القرار المناسب عندما يحين الوقت، وأن مسؤول “حزب الله” كان يُعبّر فقط عن وجهة نظره الخاصة.

هذه القراءة بالتأكيد متفائلة، لكنها ضرورية لفتح الباب أمام المناقشات حول المسألة بين دياب و”حزب الله”. هناك العديد من الأشياء يبرز في تعليقات قاسم. أولاً، بدعوى أن شروط صندوق النقد الدولي ستكون قاسية للغاية ولا يستطيع لبنان تحمّلها، بدا أنه لا يُدرك أنه عندما تَنفد احتياطات البلاد من العملات الأجنبية، فإن اللبنانيين سوف يصرخون فعلياً، وستكون آلامهم أسوأ بكثير من أي شيء آخر سيفرضه صندوق النقد الدولي.

ثانياً، يبدو أن قاسم لا يفهم أن الدول لديها هامش للتفاوض مع صندوق النقد الدولي قبل أن يتدخّل في اقتصادها. لذلك، من الأفضل للبنان أن يبدأ مثل هذه المحادثات اليوم، في حين أنه لا يزال يتمتع ببعض النفوذ، من الإنتظار إلى أن ينهار كل شيء وليس لدى البلد أي شيء. في الواقع، يبدو أن فريق صندوق النقد الدولي الذي زار بيروت في الآونة الأخيرة قد حمل انطباعاً بأن حكومة دياب لا ترغب في قيام المؤسسة المالية الدولية بإنقاذها.

أولئك في الحكومة الذين يفهمون الإقتصاد، ومن بينهم دياب، يُدركون أن رفض قاسم الشامل ببساطة غير مُمكن. هناك مَن سيقول إن “حزب الله” لا يهتم بالوضع وسيبذل قصارى جهده لحماية حصصه في النظام، حتى لو كان ذلك يعني تدمير لبنان. لكن هذا قد يكون تفسيراً متطرفاً، لأن الخراب التام قد يزيل حلفاء الحزب، ولكن أيضاً الصرح الذي أمضى أشهراً عدة محاولاً الحفاظ عليه.

علاوة على ذلك، إذا كانت المقاومة المفتوحة هي استراتيجية الحزب، فإنها ليست واحدة جيدة. حتى إيران قبلت بتسويات في لحظات أساسية في تاريخ ما بعد الثورة – سواء على إنهاء الحرب مع العراق أو تعليق برنامجها النووي لعكس مصاعبها الإقتصادية. الطريقة الوحيدة للحزب لتجنّب صندوق النقد الدولي هي الضغط من أجل إصلاح الإقتصاد، ووضع حدّ للفساد، ووضع لبنان على طريق مالي مستدام. هل يتوقع المرء هذا من حزب كان، مثله مثل كل الأحزاب الأخرى في لبنان، يتغذّى بشكل طفيلي من الدولة لسنوات، ويستمر في حماية طبقة سياسية دنيئة ومُتحَلِّلة، ولم يضع أي خطة اقتصادية تستحق التفكير فيها؟

لكن الإصلاح أمرٌ لا مفرّ منه إذا كان لبنان يريد الخروج من النفق. هناك تقارير تفيد بأن الجهات الرئيسة في الحكومة ما زالت تعتقد أن بإمكانها تأمين التمويل من الخارج. وهي تعتقد أن التحويلات من اللبنانيين يمكن أن تساعد في تعويم الاقتصاد. لكن هذا المنطق السخيف في أفضل الظروف لن يؤدي إلّا إلى شراء الوقت لمواصلة الطريق إلى المجهول. سوف تنهار البنوك، وتغلق المزيد من الشركات أبوابها، وسيزداد الفقر والبطالة، وستحدث ثورة اجتماعية، وسيرأس “حزب الله” ساحة دمار.

لحسن الحظ، أن حلفاء “حزب الله” ليسوا بالضرورة من وجهة نظره. بكل المقاييس، يفهم وزير المالية غازي وزني المشكلة، وقد أوضح ذلك بالتأكيد لرئيس مجلس النواب نبيه بري. في الواقع، إعتبر بعض المراقبين قرار بري بالترحيب بفريق استشاري تابع لصندوق النقد الدولي منذ أسابيع بمثابة انفتاح حذر على خطة إنقاذ المؤسسة المالية الدولية في نهاية المطاف. يجب أن يعلم بري أنه سيكون أكثر ضعفاً من “حزب الله” بمجرد نفاد احتياطات البلاد من العملات الأجنبية وفصل لبنان عن الأسواق الدولية.

ماذا عن حسن دياب؟ إذا تمكّن “حزب الله” من تحقيق رغبته وعدم القبول بخطة صندوق النقد الدولي، فهذا يعني أن حكومته، التي ناضلت من أجل بناء ثقة عامة ودولية، قد تشهد فشل حكمها وتدهور لا رجعة فيه للإقتصاد. في مثل هذا السياق، فإن الخيار الوحيد لرئيس الوزراء هو وضع وظيفته على المحك وإعلام “حزب الله” أنه إذا أصرّ على الحدّ من هامش المناورة، فسوف يستقيل. وحتى إذا لم يفعل دياب ذلك، فمن المشكوك فيه ما إذا كانت حكومته يُمكن أن تظل على حالها إذا رأى الوزراء أن لا قدرة لديهم على حل الأزمة المالية. في هذه الحالة قد يفضلون ببساطة القفز من السفينة.

سيكون هناك مُتَشدّدون في واشنطن سيحاولون استخدام المساعدات للبنان كوسيلة لتأمين تنازلات بشأن أسلحة “حزب الله”. هذا سيكون موقفاً متهوراً للغاية. كما سيكون أمراً مُثيراً للإشمئزاز أخلاقياً لأن رفض “حزب الله” شبه مؤكد، وبالتالي فإن هذه الخطوة ستؤدي إلى إصابة ملايين اللبنانيين بالفقر المدقع. وسيثير هذا الموقف إستياءً بين البلدان الأعضاء في صندوق النقد الدولي، التي لا تريد أن تعمل المؤسسة الدولية كفرع للسياسة الخارجية الأميركية. وستُضفي مصداقية على رأي “حزب الله” بأن كل المساعدات الخارجية مُرتبطة بجهود لإضعاف الحزب. لا شكّ أن “حزب الله” يحتجز لبنان كرهينة، لكن العقاب الجماعي ضد البلاد سيعني فعلياً قتل اللبنانيين لإنقاذهم.

لا تزال هناك مقاومة كبيرة للإصلاح بين الطبقة السياسية اللبنانية. لا يوجد سياسي يريد أن يُسلّم ما له في النظام حتى يُسلم الآخرون ما لهم أيضاً. وقد أوجد هذا الوضع مأزقاً قاتلاً وحاجة، مرة أخرى، إلى كسب الوقت. لكن تلك اللعبة العديمة الفائدة قد وصلت إلى نهايتها. لا يزال لدى حسن دياب القدرة على الدفع من أجل التغيير، لأن استقالته شيء لا يريده “حزب الله” وأقرب حلفائه. إذا كانت خطة إنقاذ صندوق النقد الدولي أمراً لا مفرّ منه، والأمر هو كذلك، فعليه عندها تحديد ما يلزم وما هو المطلوب لكي توافق الأطراف عليها.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير موقع “ديوان”، ومحرر كبير في مركز كارنيغي للشرق الأوسط.
  • كُتب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى