لضمان إرثه، خامنئي يحشو الدولة الإيرانية بالراديكاليين الشباب

يُمكن لاستراتيجية المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، آية الله علي خامنئي، القائمة على تعبئة وحشو وظائف الدولة بالشباب الراديكاليين أن تُبقي الإنفراج مع الغرب عامة، والولايات المتحدة خاصة، خارج الطاولة لسنوات.

 

سعيد جليلي: يُحتَمَل أن يكون مرشحاً واعداً في عيون خامنئي

بقلم سعيد غولكار وآشا ساوهني*

في أقل من عامٍ بقليل، ستنتخب إيران رئيساً جديداً للجمهورية. آتيةً بعد الإنتخابات الأميركية التي ستجري في تشرين الثاني (نوفمبر)، هناك بعض الأمل في أن تؤدي هذه المناسبة إلى تحسين العلاقات الأميركية-الإيرانية. ومع ذلك، وبالنظر إلى الطريقة التي يعمل بها المرشد الأعلى للثورة، علي خامنئي، لتضييق مجال المُرشَّحين، يبدو ذلك الأمر صعباً وغير مُرجَّحٍ.

وضع خامنئي المَشهد للإقتراع المُقبل في بيانٍ نُشر في شباط (فبراير) 2019 بعنوان “المرحلة الثانية من الثورة”. وفيه، يعكس الأربعين عاماً منذ الثورة الإسلامية في العام 1979 ويرسم رؤيةً للأربعين عاماً التالية. يبدو أن خامنئي يُدرك ويَفهم أنه في سن 81، لن يبقى زعيماً إلى الأبد، ولذا فهو يسعى إلى التأكد من أن مبادئه ستبقى قائمة بعد رحيله. إن الإستراتيجية السائدة التي يطرحها البيان هي “الشباب وتجديد إدارة البلاد” (javangarayi va javansazi modiriyat-e keshvar)، والتي من خلالها يقوم المؤيدون الشباب “بتمهيد الطريق لتشكيل حكومة شابة ومتديّنة وورعة”.

في الحكومة، اتَّخذَ ما يُسمى بمشروعِ “غسل الشباب” شكل حشو المكاتب السياسية غير المُنتَخبة بأشخاصٍ إما أصغر سناً أو أكثر تشدّداً. منذ العام 2019، إستبدَلَ خامنئي العديد من النخب العسكرية في القوات المسلحة (هيئة الأركان المشتركة)، والجيش التقليدي (Artesh)، وفيلق الحرس الثوري الإسلامي لضخِّ دماءٍ جديدة في عروق النظام. وبالمثل، إستبدل ممثليه القدامى في بيروقراطية الدولة، والحكومات المحلية، والجامعات بجيلٍ شاب بل وأكثر راديكالية.

على سبيل المثال، في آذار (مارس) 2019، حلّ المحافظ المتشدّد إبراهيم رئيسي محل صادق لاريجاني كرئيس للسلطة القضائية في إيران. وكان رئيسي خسر في السابق أمام الرئيس حسن روحاني في الإنتخابات الرئاسية الإيرانية في العام 2017، ولعب دوراً بارزاً في الإعدام الجماعي لآلاف السجناء السياسيين اليساريين كنائبٍ للمدّعي العام لطهران في العام 1988. وبعدما أصبح رئيساً للسلطة القضائية الإيرانية، تصاعد وزاد استخدام عقوبة الإعدام في البلاد. منذ أواخر حزيران (يونيو)، حُكم على 11 مواطناً إيرانياً – ثلاثة في طهران وثمانية في أصفهان – بالإعدام لمشاركتهم في احتجاجات جماهيرية مُناهِضة للحكومة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019. في غضون ذلك، تلقى الصحافي الإيراني روح الله زام، الذي اتُهم بتأجيج إحتجاجات المناهضين للحكومة عبر قناة “”تيليغرام” (Telegram) الشعبية وموقعه “آمد نيوز” في العام 2017، حكماً بالإعدام في الشهر الماضي. وكان فرّ إلى المنفى في فرنسا قبل أن يختطفه الحرس الثوري في أثناء رحلة له من باريس إلى بغداد، في تشرين الأول (أكتوبر) الفائت.

كما تأثّر البرلمان الإيراني بشكل كبير بمشروع خامنئي السياسي هذا العام. في أيار (مايو)، صعد الجنرال محمد باقر قاليباف، التكنوقراطي في الحرس الثوري الإيراني الذي خسر ثلاث مرات في الإنتخابات الرئاسية السابقة، والصديق المُقرَّب لنجل خامنئي وخليفته المُحتَمل مُجتبى خامنئي، إلى منصب رئيس البرلمان. وهو معروفٌ بسلسلة من قضايا الفساد ودعمه المُتحمّس لاستخدام الرصاص الحي ضد الطلاب المحتجين. في هذه الأثناء، يقوم مجلس صيانة الدستور، وهو هيئة مؤلفة من 12 شخصاً يُعيّنهم المرشد الأعلى، بفحص كلِّ مرشّح لمنصبٍ وطني. منذ العام 2019، فضّل المجلس المُرشّحين الذين يُظهرون ولاءهم الكامل للمرشد الأعلى وسياساته الثورية فقط. في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة، تم استبعاد 90 عضواً سابقاً في البرلمان من الترشّح مرة أخرى.

ستكون الإنتخابات الرئاسية التي ستُجرى في العام 2021 الجزء الأخير للغز خامنئي في “المرحلة الثانية من الثورة”، بغض النظر عمّا إذا كان الشعب الإيراني يشاركه رؤيته أم لا.

من أجل أغراضه وتحقيق هدفه، يجب أن يتمتّع المرشحون بالولاء الثوري الذي يسعى إليه، والمهارات الإدارية لإدارة نظامٍ تحت ضغط داخلي وخارجي، والأهم من ذلك، درجة معينة من الشعبية بين الناس. سيكون هؤلاء المرشحون في السياق السياسي للمُتشدّد والرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، ولكنهم أكثر ولاءً لخامنئي.

الواقع أن المشهد السياسي الذي صمّمه خامنئي يُقيّد أصلاً بشدة طيف الإيديولوجيات التي قد يحملها المُرشّحون للرئاسة. لم يعد للجماعات اليسارية، بمَن فيهم الإصلاحيين (مثل الرئيس السابق محمد خاتمي) والبراغماتيين الوسطيين (مثل الرئيس الحالي حسن روحاني)، مكاناً في انتخابات تسعى إلى تشكيل إدارة “شابة” آمنة، مضمونة وشابة.

على الرغم من أن هذه الوجوه كانت في السابق تُشكل نقصاً وفجوة بين الهيئات المُنتَخبة في الولاية والهيئات غير المُنتَخبة، إلّا أن خامنئي يُركّز الآن بشكلٍ أساس على ضمان توطيد السلطة المُتشدّدة وخلافة سلسة عند وفاته؛ لن يحتاج أو يتسامح بعد الآن مع أيِّ ازدواجية تخلق مأزقاً مُحتَملاً للنظام. الإصلاحيون والوسطيون هم الآن خصوم عندما تكون المعارضة الداخلية أكثر خطورة من أي وقت مضى.

النظام لا يعترف بانعدام الأمن، بالطبع، ولكن مع ذلك هناك خوف كبير من أن أي خطأ يُمكن أن يُخرّب نظاماً يُعاني أصلاً من محنة. في هذه الأثناء، أصبحت وظيفة خامنئي في تطهيرِ وإبعادِ غير المرغوب فيهم من المنافسة أسهل من ذي قبل، حيث فقد الإصلاحيون والبراغماتيون الكثير من مصداقيتهم بين الإيرانيين بسبب سوء الإدارة الهائل وعدم الكفاءة والفساد في الإدارة الأخيرة. من احتجاجات 2017-2018 وصاعداً، أصبح شعار “الإصلاحيون والمتشددون، إنتهى أمركم جميعاً!” يحظى بشعبية متزايدة.

مع وضع جميع حسابات خامنئي السياسية في الإعتبار، هناك عددٌ قليل من المُتنافسين المُحتَملين للرئاسة. إنهم يأتون من يمين الطيف السياسي ويُعرَفون عموماً بالمحافظين أو (osoulgarayan). بين هؤلاء هناك ما يقرب من ثلاثة فصائل: المتشددون التقليديون (الأقرب إلى الوسط) ، المتشددون الجدد (أكثر يمينية) ، والمتشددون المتطرفون (أقصى اليمين). قد يميل الرئيس المثالي لخامنئي إلى أقصى اليمين قدر الإمكان، مع الإستمرار في توضيح الرؤية الإقتصادية الحديثة.

إن المُتشدّدين التقليديين، مثل حزب “المؤتلَفة الإسلامية”، يدافعون عن السياسات الإجتماعية المُحافِظة ويرتبطون في الغالب بالبازار، الطبقة الوسطى والعليا التقليدية ذات الجذور في الأسواق. تدعو هذه الجماعات إلى التقدّم الاقتصادي من خلال زيادة التجارة، بدلاً من زيادة التصنيع المحلي. لديهم قاعدة اجتماعية صغيرة ويفتقرون للحضور والدعم بين الحرس الثوري الإيراني – وهو أمرٌ ضروري للنجاح في النظام السياسي الإيراني. وفي اجتماع داخلي للمرشحين، حصل مرشح التقليديين الرئيس في مجلس النواب، مصطفى مير سليم، على 5 أصوات فقط من أصل 240 في عملية اقتراع لاختيار رئيس البرلمان.

على الطرف الآخر من الطيف المُتشدّد هم المتشددون المتطرفون الذين يُفضّلون الإنعزالية عن الغرب والتوسّع في الشرق الأوسط. إنهم أكثر الفصائل المُعادية للغرب والأميركيين على الجانب الأيمن من الطيف السياسي. وهم في الغالب حلفاء آية الله محمد تقي مصباح اليزدي، زعيم جماعة سياسية أصولية تُدعى “جبهة ثبات الثورة الإسلامية”. ويحظى زملاؤه بدعم الأعضاء الأصغر سناً والأكثر راديكالية في “الباسيج”، الميليشيات شبه العسكرية التطوعية في إيران، ولكن ليس من الأغلبية الأكثر توجها نحو الوضع الراهن. سيكون أي مرشح من هذا المعسكر مُتشدّداً قوياً وتحدياً ثابتاً لأي وسطيين مُتبقّين، ناهيك عن الإصلاحيين، داخل النظام.

كان أحمدي نجاد، الذي كان رئيساً للجمهورية من 2005 إلى 2013، قريباً جداً من هذه المجموعة. إن عودته هي موضوع الكثير من التكهنات، لكن ترشيحه سيكون غير قابل للتطبيق بسبب تداعيات خلافه مع خامنئي في 2011 بسبب محاولة أحمدي نجاد السيطرة على وزارة المخابرات، من بين مناورات أخرى. في العام 2017، زُعم أن أحمدي نجاد تقدم بطلبٍ لولاية ثالثة رفضها خامنئي. وبالمثل تم استبعاد الحليفين المُقرَّبين من الرئيس السابق حميد بقائي واسفنديار رحيم مشائي، وهما نائبا الرئيس السابقان، من قبل مجلس صيانة الدستور قبل أن يُحكَم عليهما بتهمة الإختلاس والفساد الإقتصادي. ولا يزال أحمدي نجاد يتمتع بشعبية بين بعض الإيرانيين الأشد فقراً، ولكن لا أمل له في العودة.

سعيد جليلي، الذي يُحتَمَل أن يكون مرشحاً واعداً في عيون خامنئي، هو أيضاً قريب جداً من المحافظين المتطرفين. ترشّح وفشل في الإنتخابات الرئاسية في العام 2013، وشغل سابقاً منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي، كما عمل كواحدٍ من المفاوضين النوويين الإيرانيين المُتشدّدين. إنه موالٍ متطرف – فقد حتى ساقه كمقاتل متطوع في الحرب الإيرانية العراقية – وهو ديبلوماسي ضليع حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية.

أقوى مجموعة فرعية سياسية بين المُتشدّدين هي معسكر المحافظين الجدد، الذي تتألّف قاعدته من الطبقة الوسطى والمراتب العليا في الحرس الثوري.

وهذا يشمل سياسيين مثل قاليباف، رئيس البرلمان الجديد، الذي كان سابقاً قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني، ورئيس الشرطة الإيرانية، وعمدة طهران. بشكل عام، يتميز المرشحون من هذا التيار الإيديولوجي بالخبرة التكنوقراطية والعلاقات القوية مع الحرس الثوري الإيراني. إنهم أقل عزلة ولكنهم يُروّجون لاقتصادٍ مُكتَفٍ ذاتياً، يسمى “الإقتصاد المقاوم”، وهم تصادميون تجاه الغرب والولايات المتحدة.

أحد النجوم الصاعدة في هذه المجموعة هو برويز فتّاح، عضو سابق في الحرس الثوري الإسلامي ووزير سابق للطاقة في عهد أحمدي نجاد. وقد كتب كسرى عربي، الزميل في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، عن كيف يُمكن لفتّاح، بصفته رئيس “مؤسسة المُستضعفين الخيرية”، التي يسيطر عليها المرشد الأعلى، أن تُخفف من مخاوف الفقراء في إيران. المُرشّح المُحتَمل الآخر في هذه المجموعة هو سعيد محمد، رئيس “خاتم الأنبياء”، أكبر مؤسسة مقاولات عسكرية إيرانية. بين رتبته العالية في الحرس الثوري ودكتوراه في الهندسة، فهو يُحقق توازناً بين الولاء المُتطرّف واالفكر الحديث العازم الذي يُمكن أن يكون جذاباً وجاذباً محلياً ودولياً.

نظراً إلى مشاكل إيران الإقتصادية – التي تفاقمت الآن بسبب جائحة كورونا – فإن الحاجة إلى بعض مظاهر النمو تُعطي مزايا خاصة للمحافظين الجدد التكنوقراط، الذين يُمكن أن يعُززوا أنفسهم على أنهم مُخلصون وقادرون على إصلاح النظام البيروقراطي المكسور. وستكون هذه المجموعة أيضاً أكثر قدرة على تعبئة أجزاءٍ من الطبقة الوسطى من خلال لعب خلفيات مرشحيها التكنوقراطية بدلاً من الخلفيات الراديكالية. ولكن ستكون حذرة وحريصة على عدم حشد الكثير من الدعم الشعبي؛ لأنه لا يُمكن للرئيس المقبل أن يفرض أي تحدّيات لرؤية خامنئي، كما فعل أحمدي نجاد.

أما بالنسبة إلى بقية العالم، فإن تنصيب رئيس مُتشدّد جديد يُقدّم سيناريوهَين مُحتمَلين. يُجادل محللون محلّيون مثل صادق زيبا كلام، أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، وعلي مطهري، النائب السابق لرئيس المجلس، بأن تجانس النظام سيُقلّل المعارضة الداخلية ويؤدّي في النهاية إلى مفاوضات أكثر سلاسة مع الغرب. أبعد من إيران، يفترض مايكل تانتشوم، وهو زميل كبير في المعهد النمسوي للدراسات الأوروبية والأمنية، أن “المتشددين الإيرانيين قد يقدمون تنازلات للأميركيين من أجل بقاء النظام”.

ومع ذلك، كان الصراع المباشر، وليس المعارضة الداخلية، هو الذي خرّب الجهود الديبلوماسية. في إيران، تتدفق جميع القرارات الإستراتيجية وتأتي في نهاية المطاف من المرشد الأعلى، الذي يُشكّك بشدة بالغرب، وبخاصة الولايات المتحدة. لم يدعم خامنئي أبداً مفاوضات روحاني مع الغرب بشكل كامل، ولن يؤدي انهيار الصفقة إلّا إلى تعزيز هذا الموقف.

في خطته التي مدتها 40 عاماً، أعلن خامنئي بوضوح تطلعات النظام الشمولية، والقيادة التي يُعيِّنها تؤكد أن تشدّده سوف يبقى بعد رحيله. ومع ذلك، يُمكن أن يكون ذلك خطيراً: نظراً إلى أن خامنئي يُهندس سيطرته المُطلقة، فإن مؤيديه لن يلوموا أحداً غيره في حال فشلت رؤيته.

  • سعيد غولكار هو أستاذ مساعد في قسم العلوم السياسية والخدمة العامة في جامعة تينيسي في تشاتانوغا، وزميل كبير غير مقيم في يُركز على شؤون الشرق الأوسط في مجلس شيكاغو للشؤون العالمية. يُمكن متابعته على تويتر: @SaeidGolkar
  • آشا ساوهني هي طالبة دكتوراه في جامعة إلينوي، حيث تُركز بحثها على الهجرة والبقاء الحضري في إيران وجنوب آسيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى