مصر تَستَعِدُّ للتأثيرِ الاقتصادي لحَربِ أوكرانيا

أصبح الوضع الاقتصادي والمالي في مصر أقوى بكثير مما كان عليه في الماضي. يعود جُزءٌ كبير من هذا إلى تدابير الإصلاح المُطَبَّقة منذ العام 2016، بعد سنوات من الاضطرابات السياسية والاقتصادية. ولكن كيف ستكون تداعيات أزمة أوكرانيا عليها؟

الدكتور محمد معيط: من المتوقّع أن تَنخفِضَ ديون مصر إلى أقلِّ من 90٪ من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية السنة المالية

هدى أحمد*

في مواجهة جائحة فيروس كورونا، كانت مصر واحدة من الدول القليلة في العالم التي شهدت نموًا اقتصاديًا إيجابيًا في العام 2020، واستمرّ اقتصادها في المضي قدمًا، حيث توسّع بنسبة 9٪ في النصف الثاني من العام 2021.

قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في مؤتمر صحافي في شباط (فبراير) الفائت إن نمو الناتج المحلي الإجمالي لمصر يجب أن يتجاوز 6٪ للسنة المالية المُنتَهية في حزيران (يونيو) 2022. وفي الوقت عينه، من المتوقّع أن تَنخفِضَ ديون البلاد إلى أقلِّ من 90٪ من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية السنة المالية، وفقًا لوزير المالية الدكتور محمد معيط، حيث بلغ إجمالي عائدات الصادرات مستوى قياسيًا بلغ 45.2 مليار دولار في العام 2021.

ومع ذلك، ليست كل الأخبار جيّدة. لقد ارتفعَ مُعدّل التضخّم السنوي لأسعار المُستهلكين في المدن المصرية بنسبة 8.8٪ على أساس سنوي في شباط (فبراير)، إرتفاعًا من 7.3٪ في كانون الثاني (يناير)، وفقًا لوكالة الإحصاء المصرية – وهي أكبر زيادة في أكثر من عامين، مَدفوعةً بزيادة 17.6٪ في تكاليف المواد الغذائية والمشروبات. سيكون هذا الأمر مَصدرَ قلقٍ للبلاد، حيث يستهدف البنك المركزي تضخّمًا رئيسًا سنويًا بنسبة 7٪ لعام 2022.

كما أن البلاد عرضةً للتحدّيات الجيوسياسية العالمية، حيث أثار الصراع الأخير بين روسيا وأوكرانيا مخاوف بشأن اعتماد مصر على القمح الأوكراني والروسي، فضلًا عن دولارات السياحة. حظّرت مصر، في 10 آذار (مارس)، تصدير القمح والدقيق بأنواعه والمعكرونة والفول والعدس لفترة أولية مدتها ثلاثة أشهر وسط ارتفاع أسعارِ المواد الغذائية.

موارد ماليّة قويّة

أصبح الوضع المالي في مصر أقوى بكثير مما كان عليه في الماضي. يعود جُزءٌ كبير من هذا إلى تدابير الإصلاح المُطَبَّقة منذ العام 2016، بعد سنواتٍ من الاضطراباتِ السياسيّة والاقتصادية.

في العام 2016، وافق صندوق النقد الدولي على حزمة قروض بقيمة 12 مليار دولار لمصر، بشرط إجراء إصلاحات اقتصادية كبرى، بما فيها تعويم العملة الوطنية، وخفض دعم الطاقة وضرائب جديدة، بما فيها إدخال ضريبة القيمة المُضافة. تم تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي بالكامل اعتبارًا من العام 2021، وفقًا لبيان صادر عن رئيس الوزراء.

وفقًا للوزير معيط، تهدف مصر الآن إلى تحقيقِ فائضٍ أوّلي مُستدام بنسبة 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي وتقليص العجز الكلي إلى أقل من 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام المالي 2024/2025. إنخفضَ عجزُ موازنة الدولة بشكلٍ كبيرٍ في السنوات الأخيرة، من ما يقرب من 13٪ من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2012/2013 إلى 7.4٪ في نهاية السنة المالية الماضية.

يقول منصف مرسي، رئيس قسم التحليل المالي في شركة سي آي كابيتال القابضة للاستثمارات المالية في القاهرة: “النقطة الرئيسة التي يجب أن نأخذها في الاعتبار عند النظر إلى العامين الماضيين هي الفائدة التي حصل عليها الاقتصاد من برامج صندوق النقد الدولي التي كانت قائمة منذ أواخر العام 2016. أعتقد أنها ساعدتنا على المناورة قدر الإمكان خلال السنوات القليلة الماضية ومواجهة التأثيرات والآثار التي شهدها العالم بأسره من الوباء”.

يُشيرُ مرسي إلى أنه في بداية الجائحة، وقّعت مصر اتفاقيتين مع صندوق النقد الدولي، بما في ذلك اتفاق احتياطي لمدة 12 شهرًا بقيمة 5.2 مليارات دولار، ويهدف إلى تلبية احتياجات تمويل ميزان المدفوعات، مع محادثات مستمرة بين الطرفين، ما قد يؤدي إلى اتفاق جديد في المستقبل.

دعم الأوبئة

في الأشهر الأولى من الوباء، أعلنت مصر عن قروضٍ مدعومة بقيمة 100 مليار جنيه مصري (6.4 مليارات دولار) لدعم الشركات والقطاعات الاقتصادية الرئيسة، والتي تم تمديدها من خلال البنوك وبنسبة فائدة سنوية تبلغ 8٪. كما فرضت الدولة قيودًا للحفاظ على معدّلات الإصابة مُنخفضة، على الرغم من ابتعادها عن فرض عملياتِ إغلاقٍ كاملة.

قالت أنطوانيت سايح، نائبة المدير العام لصندوق النقد الدولي، في بيانٍ صدرَ في العام الفائت عند الانتهاءِ من مُراجعة الاتفاق الاحتياطي: “لقد أدارت السلطات المصرية بشكلٍ جيد التأثير الاقتصادي والاجتماعي لوباء كوفيد -19”. وأضافت: “لقد حمت السياسات الاقتصادية الاستباقية الاقتصاد من العبء الكامل للأزمة، وخفّفت من الأثر الصحّي والاجتماعي للصدمة مع الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلّي وثقة المُستثمرين”.

ومع ذلك، قالت سايح إن ارتفاع الدين العام واحتياجات التمويل الإجمالية الكبيرة “تجعل مصر عرضة للصدمات أو التغيّرات في ظروف الأسواق المالية للأسواق الناشئة”.

وفقًا لتصنيفات وكالة “فيتش”، لا تزال مصر تعتمد اعتمادًا كبيرًا على التمويل الخارجي، ما يُعرِّضُها للسيولة العالمية والظروف النقدية التي أصبحت أقل استيعابًا. وأعلنت وكالة التصنيف في تقريرٍ صدر في كانون الأول (ديسمبر) 2021، إن احتياطات البنك المركزي المصري، في الوقت نفسه، أقل بكثير الآن مما كانت عليه قبل الوباء.

ومع ذلك، قالت “فيتش” إن العديد من العوامل تدعم مرونة مصر الخارجية، “بما في ذلك علاقاتها مع المُقرضين الثُنائيين والمُتعَدِّدي الأطراف والوصول إلى التمويل غير السوقي”.

تأثيرُ الصراع في أوكرانيا

كانت عودة السائحين الدوليين من العوامل الإيجابية القوية لمصر حتى الأسابيع الأخيرة. قفزت إيرادات السياحة في مصر بنسبة 253.3٪ على أساسٍ سنوي في الربع الأول من العام المالي الحالي، وفقًا للبنك المركزي المصري، حيث سجل القطاع 2.83 ملياري دولار في إيرادات السياحة بين تموز (يوليو) وأيلول (سبتمبر) 2021، مُقارنةً ب801 مليون دولار في العام السابق. ويُمثّل قطاع السياحة ما يصل إلى 15٪ من الناتج المحلي الإجمالي لمصر.

في آب (أغسطس) 2021، استأنفت روسيا الرحلات الجوية المباشرة إلى منتجعات البحر الأحمر المصرية بعد توقف دام ست سنوات أعقب تحطم طائرة مدنية روسية في العام 2015، والذي أعلن فرع مصري تابع لتنظيم “الدولة الإسلامية” مسؤوليته عن الحادث.

ومع ذلك، يمكن أن تكون للقتال في أوكرانيا تداعيات قوية على مصر، التي تعتمد على كلٍّ من أوكرانيا وروسيا لواردات القمح، وبدرجة أقل، على دولارات السياحة؛ يُشكّل السيّاح الروس والأوكرانيون الزوار الرئيسيين لمنطقة البحر الأحمر في مصر.

تُشيرُ التقديرات إلى أن صادرات القمح من روسيا وأوكرانيا تُمثّل حوالي 80٪ من طلب مصر على القمح، حيث كانت البلاد أكبر مُستهلك للقمح الأوكراني في العام 2020، حيث استوردت أكثر من ثلاثة ملايين طن، بالإضافة إلى 8.9 ملايين طن من روسيا. حتى قبل الصراع، كانت مصر أعلنت عن زيادة في تكلفة الخبز المدعوم، وهو أول تغيير في الأسعار منذ العام 1988. وكان من المتوقع أصلًا أن يُضيفَ ارتفاعُ أسعار القمح 763 مليون دولار إلى فاتورة دعم الخبز في مصر البالغة 3.2 مليارات دولار في العام 2022.

في 23 شباط (فبراير)، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن البلاد زرعت 250 ألف فدان إضافية من القمح، ستزداد إلى مليوني فدان في العام 2024، في إطار جهود تحسين الأمن الغذائي للبلاد.

كما بدأت مصر العمل على توسيع وتعميق أجزاءٍ من قناة السويس، بعد أن تعطّلت حركة الملاحة العالمية لنحو أسبوع في العام الفائت عندما علقت إحدى أكبر سفن الحاويات في العالم في الممر المائي. ستشهد المرحلة الأولى من المشروع 10 كيلومترات إضافية من القناة يمكن الوصول إليها في اتجاهين، مع توسيع المرحلة الثانية لمسافة 30 كيلومترًا إضافيًا. بشكل عام، من المتوقع أن يكلف المشروع 191 مليون دولار، ويكتمل بحلول منتصف العام 2023.

دخول سوق الصكوك

إنخفَضَ صافي الاستثمار الأجنبي المُباشر في مصر إلى 5.2 مليارات دولار في السنة المالية 2020/2021 ، وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري، إنخفاضًا من 7.5 مليارات دولار في العام السابق. في الوقت عينه، قفزت التحويلات بنسبة 6.6٪ على أساس سنوي خلال أول 11 شهرًا من العام 2021، لتصل إلى 28.9 مليار دولار.

في كانون الثاني (يناير) الفائت، أفادت الأنباء أن مصر كانت تضع اللمسات الأخيرة على القوانين والأنظمة المُتعَلِّقة بإصدار الصكوك السيادية، استعدادًا لإصدار أول سندات صكوك بقيمة حوالي ملياري دولار، في وقت لاحق من هذا العام.

يقول حسين أباظة، الرئيس التنفيذي للبنك التجاري الدولي، أكبر بنك خاص في مصر: “قانون الصكوك السيادية هو قانون طال انتظاره في مصر. أعتقد أن أهمية هذه الخطوة ستتمثل في أنها ستجذب شريحة جديدة من المستثمرين العرب والأجانب، وتحديدًا من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا، الذين يُفضّلون المعاملات المالية التي تتبع مبادئ الشريعة الإسلامية”.

ويضيف: “إن طرح الصكوك في السوق سيُسهم في تحقيق أهداف التنمية بما يتماشى مع جهود الدولة لتعزيز جوانب تحسين مستوى المعيشة بواسطة الإبداع والإنتاج من خلال تمويل المشاريع الكبيرة”.

نمو القطاع الخاص

اتّخذت السلطات المصرية إجراءاتٍ لمحاولة تحفيز القطاع الخاص، حيث رفع البنك المركزي أخيرًا الإقراض المطلوب للمشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى 25٪ من إجمالي دفاتر قروض البنوك، إرتفاعًا من 20٪ في السابق. من المقرر أن ترتفع مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد المصري من 26٪ من الناتج المحلي الإجمالي إلى حوالي 50٪ من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2024، حسبما قال وزير المال الدكتور محمد معيط ل”أسواق العرب” في مقابلة أجريت معه أخيرًا.

في كانون الثاني (يناير)، قالت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية، هالة السعيد، لوكالة “رويترز” إن البلاد تمضي قُدُمًا في بيع حصص في العديد من الشركات المملوكة للدولة، ربما بوتيرة واحدة كل شهر أو شهرين. يأتي هذا وسط مخاوف طويلة الأمد بشأن المنافسة غير العادلة، حيث تتمتّع الشركات المملوكة للدولة بإعفاءات ضريبية وامتيازات أخرى يعتقد الكثيرون أنها أثّرت سلبًا في نمو القطاع الخاص. في العام 2018، حدّدت مصر 23 شركة مملوكة للدولة مُخَصَّصة للخصخصة، لكن المبيعات تأخّرت جُزئيًا بسبب الوباء.

في الوقت عينه، ستبدأ مصر تصنيف مختلف قطاعات الاقتصاد المُتعلّقة بإمكاناتها للاستثمار الخاص، كجُزءٍ من برنامجِ إصلاحٍ هيكلي مدته ثلاث سنوات، حسبما قالت السعيد.

كما رفعت الحكومة أخيرًا الحد الأدنى للأجور إلى ما يقرب من 172 دولارًا شهريًا، وهي ثالث زيادة من نوعها منذ العام 2014. ومع ذلك، فشلت الأجور في مواكبة التضخّم، ويعيش ما يقرب من ثلث سكان مصر البالغ عددهم 100 مليون نسمة تحت خط الفقر حسب تعريف البنك الدولي.

ومع ذلك، هناك شعور بالتفاؤل في البلاد، بعد التطورات في السنوات الأخيرة وخروج البلاد من جائحة كوفيد-19 في حالة جيدة نسبيًا.

يبدو أن الاقتصاد المصري والبنوك في وضعٍ جيد. يقول مرسي: “إذا استقرّت الأوضاع العالمية، فسوف يتحسّن الاقتصاد والقطاع المصرفي أكثر، حيث سينتعشان بشكلٍ كبير”.

  • هدى أحمد هي مراسلة أسواق العرب” في القاهرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى