ألان حكيم: ميشال عون محقّ في وجوب تغيير النظام لإنتخاب رئيس للجمهورية لكن الوقت ليس الآن

أكد وزير الإقتصاد والتجارة في لبنان الدكتور ألان حكيم بأن “النزوح السوري يؤثر بشكل سلبي في لبنان حيث ضرب الهيكلية الإستهلاكية اللبنانية التي قفزت من إستهلاك ل4.3 ملايين نسمة (عدد سكان لبنان) إلى إستهلاك ما يقارب ال6 ملايين شخص”. وأصر على أنه رغم الصورة القاتمة للوضع فإن “حكومة المصلحة الوطنية تجهد لإيجاد الحلول”. وقال بأن “توقعاتنا كوزارة إقتصاد للنمو في لبنان أن يتراوح بين 1.4 و1.5% إذا ما إستمرت الظروف الأمنية والسياسية التي تعصف في المنطقة على حالها. أما إذا تحسنت هذه الظروف، فإنه من المُرجح أن يكون النمو بحدود الـ 2%”. من جهة أخرى أيّد الوزير حكيم، وهو ممثل حزب الكتائب في الحكومة، ما طالب به العماد ميشال عون عن وجوب تغيير نظام إنتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية من الشعب، لكنه قال لا يمكن تنفيذه الآن لأن الوضع ليس طبيعياً ولا يسمح بذلك.
وفي ما يلي نص الحوار مع الوزير ألان حكيم:

الوزير ألان حكيم يرد على أسئلة الزميل مازن مجوّز
الوزير ألان حكيم يرد على أسئلة الزميل مازن مجوّز

أجرى الحوار في بيروت مازن مجوّز

الإقتصاد الوطني يعاني لا بل يتهالك بشهادة كل التقارير المحلية والدولية، كيف تستطيع كوزير للإقتصاد وصف حالته الآن؟ وهل هناك من نور في النفق الإقتصادي الذي يمر فيه لبنان؟
لا شك في أن الوضع الإقليمي وما نتج من الأزمة السورية على كل الصعد، وخصوصاً توافد النازحين السورين، ألقيا بظلالهما على الإقتصاد اللبناني حيث يُواجه لبنان حالياً ضغوطات سياسية وأمنية وإجتماعية ضخمة. فالنزوح السوري يؤثر بشكل سلبي في بلادنا من نواح عدة : “إقتصادية ومالية وإجتماعية” حيث أن وجود أكثر من مليون ونصف مليون نازح على عدد سكان لبنان البالغ 4,3 ملايين نسمة، ضرب الهيكلية الإستهلاكية اللبنانية التي قفزت من إستهلاك لـ 4.3 ملايين نسمة إلى ما يُقارب الستة ملايين نسمة. كما وأن هذا الوجود ضرب سوق العمل مع توقعات بزيادة نسبة العاطلين من العمل في نهاية هذا العام إلى ما يزيد عن 420 ألف عاطل لبناني.
وهناك أيضاً توقعات بأن يتضاعف عدد العائلات الفقيرة ويرتفع بـ 170 ألف عائلة. ناهيك عن التداعيات الإجتماعية الأخرى كإستهلاك المياه التي أصبحت مشكلة كبيرة مع إستهلاك كبير من قبل اللاجئين وقلة المياه الناتجة من قلة الأمطار. أضف إلى ذلك عدد الطلاب السوريين الذين يلتحقون بالمدارس العامة والتي لم تعد تحتمل إستيعاب أعداد أكثر. والواقع أن الإستهلاك الناتج من النزوح السوري يطال قبل كل شيء المواد الغذائية المدعومة من الدولة كالخبز والمحروقات وغيرهما. وهذا الأمر يُؤدي إلى زيادة العجز في موازنة الدولة التي هي أصلاً في عجز مُزمن.

إزاء هذه المعطيات، هل ترون أن هناك نوراً في النفق الإقتصادي الذي يمر فيه لبنان ؟
على الرغم من هذه الصورة القاتمة، فإن هناك أملاً يتمثل بعمل حكومة المصلحة الوطنية التي تجهد على تحفيز الإقتصاد وذلك عبر:
– تحفيز الإستثمارات وتحسين مناخ العمل وهذا يتضمن: تسهيل الحصول على قروض للقطاع الخاص؛ ووضع سياسة ضريبية مؤاتية؛ وتسهيل المعاملات الإدارية؛
– البحث على توطيد العلاقات التجارية بين لبنان ودول أخرى عبر توقيع معاهدات تجارية لتصدير المنتوجات اللبنانية كما وتحفيز الإستثمار الأجنبي المباشر في لبنان؛
– إقناع أخوتنا العرب وخصوصاً الخليجيين لرفع الفيتو الموضوع على السوق اللبنانية على صعيدي السياحة والإستثمارات؛
– دعم خلق فرص عمل عبر سياسة ضريبية مؤاتية وإستثمارات في قطاعات واعدة كالصناعة الرقمية وغيرها؛
– محاربة التضخم عبر مراقبة دقيقة للأسعار وتحرير القطاعات، وهذا الأمر أعطى مفعوله هذا العام ولأول مرة في تاريخ لبنان، خلال شهر رمضان الكريم، حيث لم ترتفع الأسعار.
ولتحقيق هذه السياسة التحفيزية للإقتصاد، يتوجب العمل على عدد من الإصلاحات الضرورية منها : إصلاحات إدارية لمحاربة الفساد والهدر في القطاع العام وخصوصاً في المرافئ والمرافق العامة. وإقرار قانون الشركة بين القطاعين العام والخاص من دون أن ننسى تعزيز حماية الملكية الفكرية وتطوير التصدير.

أكّد رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم أن الإقتصاد اللبناني يعاني نتيجة الأزمة السورية، إذ تراجعت مستويات نموه وتضاعفت البطالة وقدرت الخسائر بمليارات الدولارات. كما كان صندوق النقد الدولي أكثر تحديداً في تقريره الأخير إذ أفاد بأن التداعيات السياسية الناتجة من الصراع السوري والعدد المتزايد من اللاجئين السوريين من أبرز العوامل التي ستؤثر سلباً على الثقة، بما من شأنه أن يضر بالمالية العامة في لبنان ويؤدي إلى تفاقم حالة عدم الإستقرار على الصعيد المحلي. وهذه العوامل كان لها الأثر في خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو إجمالي الناتج المحلّي في لبنان إلى نسبة 1% سنة 2014 من نسبة 1,5% كان قد توقعها سابقاً في شهر تشرين الأول (أكتوبر) ومقارنة بنسبة نمو 3,2% في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ما هو رأيكم في هذا الكلام ؟ وما هي توقعات وزارتكم لمعدل النمو الإقتصادي في هذا العام؟
إن تقرير البنك الدولي وللأسف ليس بعيداً من الواقع. إلا أنه وفي زخم المعارك التي تعصف بسوريا والعراق وإمتدادها السياسي إلى لبنان، تمكن بلدنا دائماً أن يُحافظ على مرونة بشكل لا يصدق كما تُظهره المؤشرات الاقتصادية. فعلى سبيل المثال، منذ بداية الصراع السوري، بلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي في لبنان1.7٪. مقارنة بإنخفاض في الإتحاد الأوروبي بنسبة 0.6٪ خلال الفترة عينها. علاوة على ذلك، قام صندوق النقد الدولي أخيراً برفع توقعاته لنمو الاقتصاد اللبناني في العام 2014 إلى ما بين 1٪ إلى 2٪.
أعتقد أن هذا النجاح يُعزى إلى القدرة التنافسية لقطاع الخدمات، والخدمات المالية على وجه الخصوص، فضلاً عن حوافز القطاع لتعزيز الطلب الداخلي في الأوقات الصعبة. وإذا كان البنك الدولي قد أعاد تخفيض توقعاته للنمو في لبنان إلى 1%، فإن ذلك يعود بنسبة كبيرة إلى الأحداث في المنطقة. وللتذكير لم يطل هذا التخفيض لبنان وحده بل كل الدول المُحيطة به بما فيها سوريا، والأردن، وإسرائيل.
وتوقعاتنا كوزارة إقتصاد للنمو في لبنان أن يتراوح بين 1.4 و1.5% إذا ما إستمرت الظروف الأمنية والسياسية التي تعصف في المنطقة على حالها. أما إذا تحسنت هذه الظروف، فإنه من المُرجح أن يكون النمو بحدود الـ 2%.

في التقرير عينه توقّع صندوق النقد أن يبلغ معدل التضخّم في لبنان نسبة 2% في سنة 2014 مقارنة بـ8,4% في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومعدل التضخّم المتوقع في لبنان لسنة 2014 يعدّ ثاني أبطأ نمو بين 19 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، علماً أن معدل التضخم في لبنان قد بلغ 3,2% في العام 2013 و5,9% في العام 2012، كيف تفسرون إنخفاض التضخم وما هو تأثيره بالتالي على الوضع المعيشي في البلاد؟
إن التضخم هو حالة طبيعية تُرافق النمو الإقتصادي وهو مُشابه لحرارة الإنسان، فالحرارة العالية تضر به والحرارة المُنخفضة أيضاً. إلا أن إقتصاداً في حالة نمو يجب أن يكون فيه التضخم أقل من نسبة النمو وإلا فإن النمو يذهب سدى. وفي حالة لبنان فإن تضخم 2% هو تضخم مقبول جداً لإقتصاد النمو المُتوقع فيه 1.5% وهذا يُعبر عنه في الاقتصاد ب”التضخم المكبوت” أي هي الحالة التي يتم خلالها منع الأسعار من الإرتفاع من خلال سياسات تتمثل بوضع ضوابط وقيود.
وهذا متأت من السياسة الرقابية التي إتبعتها وزارة الاقتصاد والتي أعطت نتيجة كبيرة وملموسة كما أظهرته الأسعار خلال شهر رمضان المُبارك.
ونحن كوزارة إقتصاد، نرى في هذا المستوى من التضخم علامة جيدة ستسمح بالمحافظة على القوة الشرائية للمواطن مما يُؤثر إيجابياً على الإستهلاك وبالتالي النمو.
وفقاً لأرقام البنك الدولي، يتوقع أن تكون هناك تدفقات أموال للعام 2014 التي ستدعم الوضعين الإقتصادي والمالي للبنان. ونحن من جهتنا نرى أن هذه التدفقات ستُقارب الـ 7 مليارات دولار أميركي. وهذه التحويلات تلعب دوراً أساسياً في المجالين الإجتماعي والإقتصادي اللبناني، كما أنها تساعد على دعم نفقات الأسرة الأساسية مثل الغذاء والتعليم والصحة.

توقّع صندوق النقد الدولي أن يبلغ العجز في الحساب الجاري في لبنان 15,8%من إجمالي الناتج المحلي في سنة 2014 مقارنة بفائض نسبته 8,7%من إجمالي الناتج المحلي للمنطقة. علماً أن معدل العجز في الحساب الجاري في لبنان قد بلغ 16,2% من إجمالي الناتج المحلي في العام 2013 و15,7%من إجمالي الناتج المحلي في العام 2012. ويُعتبر العجز في الحساب الجاري في لبنان لعام 2013 العجز الـ22 الأكبر عالمياً، والرابع الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هل هذا التوقع ما زال منطقياً في الوضع الراهن؟ وكيف العمل على مواجهته؟
الإقتصاد اللبناني يُعاني منذ زمن طويل من عجز في حسابه الجاري وهذا يعود إلى هيكلية الإقتصاد اللبناني الذي يستورد 90% من الإستهلاك المحلي. من هنا من الطبيعي أن يكون هناك عجز في ظل هذه الهيكلية.
تقليدياً، الحساب الجاري السلبي، يعني أنه يجب تعويضه بقروض خارجية أو عبر التخلي عن أصول خارجية. لكن في حالة لبنان الحلين غير ممكنين، وذلك بسبب توافر القروض داخلياً كما وأن الدولة اللبنانية لا تملك الكثير من الأصول الخارجية. من هنا يأتي الحل عبر زيادة الصادرات وعبر زيادة تدفقات أموال المغتربين اللبنانيين. وهاتان النقطتان هما على إرتفاع حتى ولو كان ضئيلاً.

حذرتم سابقاً من خطر العمالة السورية على الإقتصاد حیث توقعتم أن يزيد عدد اللبنانیین العاطلین من العمل 324،000 عاطل نتیجة العمالة السورية وذلك في نھاية العام الحالي. وقلتم بأن ھذا الوضع سیدفع الحكومة إلى وضع إطار قانوني لھذه العمالة. أين صار هذا الإطار وما ھي تداعیاته وكیف يمكن الإستفادة منه؟
مما لا شك فيه أن الأيدي العاملة اللبنانية تتنافس مع العمالة السورية التي هي أرخص. في الواقع، تشير تقديرات تقرير البنك الدولي أنه بحلول نهاية العام 2014، من المتوقع أن يزيد عدد العاطلين من العمل (مقارنة مع غياب اللاجئين)، بـ 324 ألف عاطل جديد من العمل معظمهم من الشباب الذي لا يتمتع بمهارات وهذا سيرفع نسبة البطالة من 10% رسمياً إلى أكثر من 30%.
وتتطلع الحكومة إلى تبني سياسات خلق فرص العمل وحماية العمالة اللبنانية من خلال إطلاق مجموعة من السياسات مثل: تشجيع التحفيز المالي والنقدي، لدعم الشركات اللبنانية لخلق فرص عمل للبنانيين؛ الأخذ بعين الإعتبار إحتياجات سوق العمل اللبنانية، وأثر القوى العاملة السورية في الرواتب والأسعار.
وتدرس الوزارة أيضاً عدداً من السياسات الجديدة للتخفيف من الآثار السلبية للأزمة، وأهمها تحسين المناخ للباحثين عن العمل في لبنان. ومن المتوقع أن يتم تحقيق ذلك من طريق:
– تطوير الأطر القانونية للعمالة السورية في لبنان، وذلك لأن العمالة غير الرسمية تؤدي إلى زيادة البطالة في لبنان؛
– إلزام العمال الأجانب بالتقدم للحصول على ترخيص خاص من وزارة العمل؛
– إلزام الشركات اللبنانية بتحديد كوتا العمال الأجانب إلى 10٪ من القوى العاملة لديها كحد أقصى.
على الرغم من أن أصحاب العمل قد لا يُحبذون هذا الأمر في البداية لأنها ستؤدي إلى زيادة كلفة العمالة، إلا أنه من المتوقع أن تؤدي إلى إنخفاض البطالة وبالتالي زيادة الإستهلاك أي عمل الشركات.

يضع معظم الخبراء التأثير السلبي للوضع السوري في لبنان في جهة والفراغ في رئاسة الجمهورية في جهة أخرى، كيف ترى تأثير الفراغ الرئاسي في الوضع الإقتصادي والسياسي في لبنان؟
هذه الأزمة التي وصفها الكاتب في صحيفة “نيويورك تايمز” بن هوبارد، ب “أنها دليل على أزمة النظام اللبناني” نتمنى ونتوقع في الوقت عينه حصول الإنتخاب في أقرب وقت ممكن، لأنه لا هروب ولا بديل من هذه الخطوة.
الجميع يعتبر أننا اليوم نتخبط بأزمة سياسية تحوّلت إلى مأزق، لكن لا أحد يرغب بالإنتقال من أزمة سياسية الى أزمة نظام، ومن ثم الى أزمة كيان، هذه الحالة “كارثة” إذا ما أوجدنا نحن اللبنانيين حلولاً جذرية لها.
الاولوية حالياً لدى اللبنانيين تكمن في إنتخاب رئيس للجمهورية وإنهاء حالة الفراغ، لأن هذا الموضوع “كياني” ، فالخلط بين التشريع والإنتخابات الرئاسية أمر غير صحّي وواضح.
لا أحد اليوم يستطيع التشريع في ظل المأزق القائم. التشريع يكون عندما نكون ضمن إطار إستقرار نوعي وظروف مناسبة له بحثاً عن الحلول الأنسب.
نحن نرى أن العماد ميشال عون محقّ في وجوب تغيير النظام ككل بإنتخاب رئيس الجمهورية لكن ليس اليوم، لأنه يجب وضع هذه الخطوة ضمن إطار خطة تشريعية كاملة للبلد، وليس تحت وطأة مليون و500 الف لاجىء سوري، وتحت وطأة وجود تنظيم داعش في العراق والمعارك الدائرة في سوريا وفي عرسال، ووطأة الخلاف السني الشيعي في المنطقة.

يبدو أن سلسلة الرتب والرواتب تطبخ على نار هادئة، من أين ستأتي تغطيتها إذا أُقرَّت وما تأثير ذلك في الإقتصاد؟
تكمن مشكلة سلسلة الرتب والرواتب في أمور عدة:
التمويل: إن التعديلات الضريبية المقترحة لتمويل السلسلة لا تعكس الواقع، وبالتالي لن تكون كافية لتأمين كلفة السلسلة مما يؤدي إلى زيادة الدين العام والعجز المالي العام وسيكون لذلك تداعيات على الثبات النقدي.
التداعيات الإقتصادية: إن حجم الأموال التي ستضخ في الإقتصاد في حال أقرّت السلسلة كما أحالتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، ستبلغ ما بين 3000 إلى 4000 مليار ليرة (كلفة مباشرة وغير مباشرة). وهذا الرقم له تداعيات تضخمية خطيرة على الإقتصاد.

ما هي هذه التداعيات الخطيرة؟
تتجلى المخاطر الإقتصادية بالتالي: مخاطر إرتفاع الدين العام؛ مخاطر تراجع الجاذبية في جلب الإستثمار الأجنبي المباشر؛ مخاطر تراجع التصنيف المالي للبنان (sovereign credit rating)؛ مخاطر إرتفاع الأجور في القطاع الخاص؛ خطر زيادة التضخم في الإقتصاد الوطني خصوصاً وأن زيادة الطلب التي ستوفرها زيادة المداخيل في القطاع العام سيتم تلبيتها في المرحلة الأولى من طريق الإستيراد أو من طريق إرتفاع أسعار السلع والخدمات.
إن التضخَم سيؤثر بدوره على الثبات النقدي إذ أن ضخَ ما يوازي الـ20% من الموازنة كنقد في الأسواق سيؤثر بشكل كبير على سعر صرف الليرة.

ما هي مخاطر إرتفاع حجم العجز في الموازنة العامة؟
في حال تم تلبية الزيادة في الطلب المحلي الناتجة عن الإرتفاع في المداخيل من طريق الإستيراد الخارجي، سيؤدي ذلك إلى توسيع العجز التجاري.
وإذا ما إستثنينا أحقية السلسلة التي ندعمها، هناك تساؤلات عدة تطرح حول الأرقام المقترحة وإمكانية تحقيقها والإلتزام بها وأهمها: قدرة الإقتصاد الوطني على تحمل هذه الصدمة الهيكلية، في وقت لاتسمح فيه نسب النمو المحققة من إستيعاب تداعيات إقرار السلسلة، إضافة إلى الضغوطات الحاصلة على المالية العامة.
لا يمكننا اليوم الإنطلاق بخطوة كهذه من دون معرفة دقيقة لموارد التمويل وتأثيرها في النفقات العامة والإيرادات وتبعاتها على نسب النمو وفرص العمل وبالتالي تأثيرها في كلفة العمالة ونسب البطالة.
وعلينا كذلك أن نأخذ بالإعتبار كل التأثيرات السلبية الناتجة من الأزمة السورية وإنعكاساتها على الوضعين الأمني والمعيشي للفئات العاملة خصوصاً في المناطق والأطراف حيث النسبة الأعلى من النازحين السوريين.

إذا كان الوضع السياسي يؤثر سلباً في الإقتصاد اللبناني، فإن بناه التحتية لا تشجع هي الأخرى وخصوصاً قطاع الكهرباء الذي يعتبر الأساس للتقدم في كل المجالات الإقتصادية. ما هو تأثير تعطل هذا القطاع في الأوضاع الإقتصادية، وبالتالي هل هناك من دراسة للخروج من هذا المأزق؟
على الصعيد الأمني، قامت حكومة المصلحة الوطنية بعدد من الخطوات لتحسين الوضع الأمني على كامل الأراضي اللبنانية وذلك منذ إستلامها مهامها في شباط (فبراير) 2014. لقد أظهرت هذه الحكومة أنها تعمل بشكل فعّال على الرغم من كل الصعاب والظروف السياسية والأمنية المحيطة. في نهاية المطاف، لا يسعنا الوقوف مكتوفي الأيدي من دون إتخاذ إجراءات.
في هذه الأثناء، بدأنا العمل على إعادة تنشيط الإقتصاد. وعلى هذا النحو، بدأ العديد من القطاعات الرئيسية في لبنان يشهد تحسناً في نشاطه:
الاتجاه الشهري لقطاع السياحة يرتفع بشكل مستمر منذ بداية العام. وكانت نسبة الزيادة بين شباط (فبراير) وأذار (مارس) 16% وبين آذار (مارس) ونيسان (إبريل) 23% وبين نيسان (إبريل) وأيار (مايو) 9%. وتُظهر الأرقام أيضاً أن معدلات إشغال الفنادق إرتفعت من 36٪ في كانون الثاني (يناير) 2014 إلى 63٪ في أيار (مايو) من العام نفسه. ومع الحظر غير الرسمي الخليجي على الرحلات إلى لبنان، بدأت أخيراً تظهر حلحلة على هذا الصعيد من قبل المملكة العربية السعودية وحكومات دول الخليج الأخرى، ونحن نتوقع تحسناً أكبر خلال فصل الصيف.
أيضاً شهد قطاع العقارات تحسناً لنشاطه في العام 2014، خصوصاً بعد إكتساب المستثمرين الثقة في الإقتصاد ومع إستمرار البنك المركزي في دعم القروض العقارية بأسعار فائدة منخفضة والذي يُخطط لإعادة ضخ أموال أخرى في الإقتصاد في المستقبل القريب.

برأيك ما الأسباب التي تمنع لبنان من الإنزلاق نحو الركود ؟
إستمر القطاع المصرفي بإظهار قوته وهذا الأمر شكّل السبب الرئيسي الذي منع لبنان من الانزلاق الى الركود ومن العوامل:
إستمرار الزيادة المطردة في ودائع القطاع الخاص، والتي بدورها حافظت على التصنيفات السيادية مستقرة على الرغم من الوضع السياسي والإقليمي.
إرتفاع في احتياطات العملات الأجنبية في مصرف لبنان، التي دعمت الثقة بالإقتصاد إضافة إلى نمو الودائع.
حزمة التحفيز التي قام بها مصرف لبنان تمثلت بإرتفاع مستمر في القروض إلى القطاع الخاص، حيث دعمت الإستهلاك والإحتياجات الإستثمارية. والجدير بالذكر أن قروض كفالات شهدت زيادة قدرها 5.6٪ في 2014 لتصل في النصف الأول من العام 2014 إلى 56.5 مليون دولار تقريباً.

مع غياب المبادرات الدولية والعربية الجدية، ما هي الوسائل التي تسعون إلى تحقيقها للحد من الإنعكاسات السلبية للأزمة السورية على لبنان؟
إن هذا الأمر يطرح في مجلس الوزراء لكي يتم إتخاذ القرار المناسب بشأنه. ومن الحلول المقترحة والتي نراها مناسبة لدرء تأثيرات هذه الأزمة على لبنان:
– إقامة مخيمات على الحدود السورية-اللبنانية، وإنما في الجهة اللبنانية، وإقامتها في الجهة السورية لكن تحت حماية دولية.
– العمل على قاعدة خارطة الطريق المعدة من قبل البنك الدولي، كما ويجب العمل على تنشيط الدورة الإقتصادية، من خلال تفعيل القطاعات التي لطالما كانت موردا مهما للإقتصاد اللبناني كالسياحة والعقارات والمشاريع الآيلة إلى خلق فرص عمل جديدة.
– وضع حد أقصى بالأرقام للجوء السوري، وذلك من خلال تنظيم دخول وخروج النازحين عبر الحدود.
– تحديد صفة النازح وتوفر الشروط اللازمة.
– تنظيم المخيمات العشوائية.
– وضع خطة لتنظيم العمالة في لبنان مع الأخذ بالإعتبار إحتياجات سوق العمل اللبنانية وأثر العمالة الوافدة في مستوى الأجور والأسعار وذلك للحد من الضغوطات على سوق العمل اللبنانية.
– فرض كوتا على الشركات حيث تُلزم الشركات بتوظيف 90 % من مستخدميها من اللبنانيين كما تلزِمها بإدخال موظفيها الأجانب، أي 10% كحدّ أقصى، إلى الضمان الإجتماعي ودفع الأعباء الإجتماعية المتوجبة.

من المعروف أن لبنان يعتمد كثيراً على العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي إن سياسياً أو إقتصادياً كيف تستطيعون وصف علاقات لبنان الآن مع هذه الدول؟
يمكن تقسيم هذه العلاقات إلى 3 أقسام:
السياحة: على الرغم من الضغوطات السياسية والأمنية التي يعاني منها لبنان، فإن الحكومة اللبنانية تسعى إلى إعادة إحياء القطاع السياحي الذي يشكل أساس الاقتصاد اللبناني وأحد أهم مقوماته.
لقد بدأت الحكومة بالتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي لرفع الحظر عن لبنان من أجل إعادة إحياء السياحة وتجلّى ذلك من خلال إعادة إحتلال السياح الآتين من الدول العربية للمرتبة الأولى من مجمل عدد السياح (35%) في الربع الأول من هذا العام بعدما كانت الدول الأوروبية تسيطر في العامين الماضيين.
إن أساس إعادة تنشيط الدورة الاقتصادية والنهوض بالإقتصاد اللبناني يكمن في إعادة الحياة السياحية إلى البلاد لما تشكله من مورد مهم للخزينة اللبنانية.
الإستثمارات: بحسب تقريرالإستثمار العالمي 2014، الذي يصدر سنويا عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “الاونكتاد”، وفي ما يتعلق بتوزيع الشركات التي تستثمر في لبنان بحسب بلد المنشأ، نلاحظ أن الإمارات العربية المتحدة تحتل المرتبة الأولى مع 17,7% من مجمل الاستثمارات. وبالتالي، علينا العمل على زيادة هذه الإستثمارات المقبلة من الدول العربية والتي يكون من شأنها تنشيط الدورة الإقتصادية.
ملف النفط: في خضّم الأزمات السياسية والإقتصادية، فإن ملف النفط قد يشكّل حلًا لأزمة المديونية العامة.
وفق التقديرات الأوّلية لحجم الثروة البترولية في المياه اللبنانية ستمكّن هذه الثروة لبنان من تطوير البنى التحتية والخدمات، وخلق فرص العمل كما أنها ستتيح إستعادة التوازن الطبقي.
وفي هذا السياق، لا بد من أن يستعين لبنان ويستفيد من خبرات الدول العربية المنتجة للنفط كما والإستثمارات العربية في البنية التحتية النفطية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى