الاستثمارُ في الشركاتِ الصَغيرةِ والمُتَوَسِّطة أمرٌ بالغ الأهمية للنموِّ الاقتصادي في سلطنة عُمان

محمد العارضي*

يَمُرُّ العالمُ بمرحلةٍ مُثيرةٍ للاهتمام، حيثُ تَعمَلُ الدول في جميع أنحاء المعمورة بجدٍّ لتعزيزِ النشاطِ الاقتصادي وتَمكينِ المواطنين وضمانِ مستقبلٍ أكثر أمانًا واستقرارًا لهم.

لقد أحدَثَت العواملُ السياسية والاجتماعية والتكنولوجية والبيئية تغيّراتٍ سريعة في أنماطِ الحياة وعاداتِ المُستَهلِك والمُمارسات التجارية. مع ذلك، هناكَ فُرَصٌ مُختَلِفة للنظرِ إلى هذه التغييرات بتفاؤلٍ وخَلقِ سُبُلٍ جديدة للتنمية تدعَمُ الأهدافَ الإنمائية طويلة الأجل.

في وقتٍ سابقٍ من هذا العام، أطلقَ جهازُ الاستثمار العُماني صندوقًا بقيمة 5.2 مليارات دولار لتشجيع الاستثمارات في القطاع الخاص والمؤسّسات الصغيرة والمتوسطة، أُطلِقَ عليه اسم “صندوق عُمان المستقبل”، والذي من المُتَوَقَّع أن يَدعَمَ قطاعات مثل السياحة والتصنيع والطاقة الخضراء والموارد البحرية والتكنولوجيا.

وتُعتَبَرُ هذه الخطوةٌ مُهمّة لدَعمِ أهدافِ التنويع الاقتصادي. ومن المشجع، في نهاية المطاف، أن يتمَّ تسليط الضوء على صناعاتٍ مُتنامية ذات إمكاناتٍ إضافية، وأن يحصلَ روّادُ الأعمال -الحاليون والطامحون على حدٍّ سواء- على الدَعمِ المالي بالإضافة إلى تعزيز الثقة.

من المعروف أنّ الشركات الصغيرة والمتوسطة هي العمود الفقري للاقتصاد والمحرّكات القوية للتنمية الاجتماعية، حيث خلقت ما يقرب من 70 في المئة من الوظائف والناتج المحلي الإجمالي في جميع أنحاء العالم، وفقًا للبيانات التي نشرها المنتدى الاقتصادي العالمي في العام 2022.

ومع ذلك، فإنَّ الشركات الصغيرة والمتوسّطة تتأثر بشكلٍ أعمق بعقباتٍ عدّة مثل التضخّم وارتفاع التكاليف. في الواقع، حتى أدنى التحوّلات في سلسلة التوريد أو الطلب في السوق سوف تؤثّرُ بشكلٍ كبير في الإيرادات. أيضًا، نظرًا لأنَّ لديها عادةً أعدادًا صغيرة من الموظفين، فسوفَ تَشهَدُ على الفورِ تباطؤًا في الإنتاجية إذا كان هناكَ نقصٌ في المواهبِ أو ارتفاعِ مُعدّلات دوران الموظفين.

إنَّ التوسّعَ والمنافسة وتأمين الأموال كلُّها تحدّيات بالنسبة إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة، ولهذا السبب فإنَّ النهجَ الاستراتيجي لإعادة شحنها -كما نشهدُ حاليًا في عُمان- أمرٌ بالغ الأهمية.

إلى جانبِ التمويل، هناكَ العديدُ من المبادرات التي تدعَمُ نموَّ الشركات الصغيرة والمتوسّطة. إنَّ وُرَشَ العمل لأصحابِ الأعمال الناشئين بقيادةِ روّادِ الأعمال المُتَمَرِّسين، وبرامج الإرشاد وزيادة التركيز على تعليمِ ريادةِ الأعمال من قبل المؤسّسات التعليمية يُمكن أن تساعد جميعها في تحقيق هذا الهدف.

يُمكن لاتحاداتِ الصناعة وشبكات الأعمال أن تسمحَ لروّادِ الأعمال بمُعالَجَةِ التحدّيات المُشتَرَكة المُتعلّقة بارتفاعِ التكاليف والاحتفاظِ بالموظّفين وطلب السوق معًا.

يتمتّعُ روّادُ الأعمال العُمانيون بفرصةٍ مُمتازة للاستفادةِ من المُحادثات العالمية التي تتحدّى العلامات التجارية العالمية التي احتكرت العديد من الأسواق على المستوى الدولي. إنَّ التسوّقَ المحلّي يُوَفّرُ سلسلةً من الفوائد التي تشملُ تقليلَ البَصمةِ الكربونية، واستخدامَ المصادرِ المُتاحةِ محلّيًا، وتقديمَ خدمةٍ أفضل وأكثر تخصيصًا، ونموَّ الوظائف المحلّية وزيادة الإنتاج والإيرادات.

تتمتّعُ الشركات المحلّية بأعلى مستويات الاتصال بأسواقها، ويُمكنها التعامل بسهولةٍ أكبر مع المُستَهلِكين لضمانِ تلبيةِ طلبِ السوق بأكبرِ قدرٍ من الكفاءة.

علاوةً على ذلك، تعمل الشركات المحلّية على تعزيزِ المشهد السياحي في أيِّ بلد، حيث يهتمُّ المسافرون بالتعامل مع العلامات التجارية والتجارب التي تعكسُ ثقافةَ وجهتهم وتراثها ومواردها الطبيعية.

بطبيعةِ الحال، هذا لا يعني أن الشركات الصغيرة والمتوسطة يجب أن تقتصر على السوق المحلية – بل يجب علينا تشجيع روّاد الأعمال على التوسّع خارج حدودهم، في جميع أنحاء المنطقة وعلى المستوى الدولي. هناك الكثير من الإمكانات في صناعة السياحة، وخصوصًا الشراكة مع اللاعبين الإقليميين، وكذلك الشركات الدولية، وتقديم عروض شاملة تُتيحُ للزوّار مجموعةً مُتَنوِّعة من التجارب.

ويجب أيضًا تشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة على اعتمادِ تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بطُرُقٍ مُبتَكَرة لتقديمِ تجارب أكثر تخصيصًا من أيِّ وقتٍ مضى. يُمكِنُ للواقع المُعَزَّزِ أن يَفرُضَ تجاربَ رقميّة في العالم المادي من طريقِ إضافةِ المزيد من العناصر التفاعلية في المساحات الرقمية، وتقديم تجارب مُمتِعة مثل البحث عن الكنوز، واستخدام الواقع الافتراضي للارتقاء بتجربةِ المُستَخدِم، وتقليل وقت السفر.

هناكَ إمكاناتٌ هائلة لشركات التكنولوجيا والمُشغّلين في صناعة السياحة للتعاون والابتكار معًا، مع أخذ عناصر من العروض السياحية الشهيرة في سلطنة عُمان لإنشاء تكنولوجيا تُوَفّرُ تجارب جديدة ومُحَسَّنة ويمكن الوصول إليها بسهولة.

وأمام عُمان المزيد من العمل الذي يَتَعيّنُ عليها القيام به في ما يتعلق بزيادة النمو الاقتصادي والتنويع، ولكن يجب أن تَظلَّ قوية ومُوَحَّدة. لقد قطع قادة الأمة والحكومة والقطاع الخاص والمواطنون شوطًا طويلًا بفضل الوحدة والرؤية لمستقبلٍ مزدهر.

ويجب عليها الاستفادة القصوى من مواردها المُتاحة لمواصلة تطوير مواهبها والتخطيط الاستراتيجي والارتقاء إلى أقصى قدراتها. ولا أشكُّ في أن سلطنتنا سوف تُحقّقُ أهدافها فحسب، بل ستُثبِّتُ نفسها أيضًا كمِعيارٍ عالميٍّ للنموِّ والمرونة.

  • محمد العارضي هو رئيس مجلس الإدارة التنفيذي لإنفستكورب ورئيس مجلس إدارة بنك صحار الدولي في سلطنة عُمان. يُمكن متابعته عبر منصة تويتر (X) على: @MMAlardhi

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى