يا شربل ساعِدنا… في غرفة العمليات

بقلم هنري زغيب*

 وصلَني قبل أَيامٍ مقطعُ ﭬـيديو للطبيب أَلان شلهوب يُـجري عمليةً جراحيةً في مستشفى الـجامعة الأَميركية، فيما يُرَتِّل قصيدتي “إِلى شربل” التي كنتُ كتَبْتُها قبل 40 عامًا (سنة 1979) خصيصًا لسهرةٍ في عنَّايا أَمام محبسة شربل ليلةَ عيدِ شفيعَيها بطرس وبولس، رافقَها عزفًا على الـﭙـيـانو مُلَحِّنُها جوزف خليفة، وأَدَّتْـها ماجدة الرومي التي انطلقت بصوتها القصيدةُ للمرة الأُولى، وأَصبحت ترتيلةَ آلاف المؤْمنين في لبنان وبلدان المهجر، عدا انتشارها على وسائل التواصل الاجتماعي في وسائطها الكثيرة.

أَتَـجاوزُ كونَـها قصيدتي، وكونَـها ما زالت حتى اليوم على شفاه المؤْمنين منذ 40 عامًا، وأَتوجَّه إِلى بادرة ذاك الطبيب الشاب الذي راح يرتّلُها بإِيـمانَين: إِيمانِه الذاتي بعمله الإِنساني، والإِيمانِ الآخَرِ بِـحُـبٍّ غامرٍ يَــبُــثُّ عطفَه في مبضعه إِبَّان العملية الجراحية. وفي هذا الإِيمان الآخَر قدسيةُ عملِه كطبيب، وشرفُ رسالةٍ مهنيةٍ تُــتَــوِّجُها الأَخلاقُ الطبية السامية.

علاقةُ الحب مع المريض تساعده على الإِيمان بالشِفاء، ولو هو مصابٌ بأَقسى الأَمراض وأَصعبها.

المريض الذي لا يشعر من الطبيب إِلَّا بيده الحاملةِ المبضعَ أَو الـمُمسِكة بآلة الفحص، يَظلُّ بعيدًا عن نبضة الإِيمان بالطب وبالطبيب. ومَن يبقى بعيدًا عن نبضة الإِيمان يبقى بعيدًا عن الأَمل الأَخير وحتى عن الرجاء الصالح.

الحبُّ مصدرُ الإِيمان. الإِيمانُ مصدرُ الثقة. الثقةُ مصدرُ الأَمل. الأَملُ مصدرُ الرجاء.

والطبيب، سواءٌ في يده آلةُ الضغط أَو مبضعُ الجراحة، وجْهُهُ مسافةُ الرجاء والتماعُ الأَمل وواحةُ الثقة ومزارُ الإِيمان وفردوسُ الحب.

والإستسلام إِلى الطبيب ضمْن هذه المشاعر، هو الإستسلام إِلى القدَر، قبل أَن يغيب المريضُ بفعْل البنج، أَو حين يصحو من التخدير إِلى الصحوة من جديد.

كلُّ مريض يرى في طبيبه مُنقذًا مـخلِّصًا ويتمسَّكُ به مـجترِحًا أُعجوبةَ الإِنقاذ من القدَر القاسي.

وهذا التمسُّكُ بالأُعجوبة يزدادُ حين يَدخل الطبيبُ غرفةَ العمليات، يحيط به مساعدوه، فيمسك بِـمبضَعِه، وهو يردِّد:

يا غافي وعيونَكْ لَعينَينا نُور

زهَّرِت عَ جفونَكْ حَبِّة البخُّور

قدَّاسك الحقله مَدبحَك البيتْ

بِـحَنْوِة السَبْلِه ركَعْتْ وصلَّيتْ

يا شربل ساعدنا

يا شربل احـمينا

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى