رشا الرومي تُدخِل الخطوط الجوية الكويتية إلى القرن الواحد والعشرين

فيما تعرف شركات الطيران الخليجية الثلاث “طيران الإمارات”، و”الإتحاد للطيران” و”الخطوط الجوية القطرية” نجاحاً ملحوظاً محلياً وإقليمياً ودولياً حيث صارت تتمثّل بها شركات الطيران العالمية، لا تزال شركة الخطوط الجوية الكويتية تعاني من خسائر وتواجه مشاكل كثيرة تحاول رئيسة مجلس إدارتها الجديدة رشا الرومي تذليلها لإدخالها إلى عالم القرن الواحد والعشرين.

رشا الرومي: خطواتها الأولى نجحت
رشا الرومي: خطواتها الأولى نجحت

الكويت – علي الشعلان

غالباً ما تحتل دول الخليج العربي مكانة بارزة في المناقشات حول الطيران المدني، ولكن إسم دولة الكويت نادراً ما يُذكر. وفي حين أن دبي وأبوظبي وقطر على مدى السنوات الماضية بنت محاور من الطراز العالمي الراقي التي تستقبل وتعيد توزيع حركة الطيران العابرة للقارات، لا يزال مطار الكويت الدولي صغيراً في السوق الإقليمي.
هذا التناقض ليس مصادفة تاريخية. تجني دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر الآن عائدات كبيرة من الطيران التجاري بعدما ضخت مليارات الدولارات في البنى الحتية أرضاً وجوّاً. وإلى جانب هذه الإستثمارات المالية الضخمة، رعت رؤية سياسية طويلة الأمد في كلا البلدين بيئات مؤيدة وموائمة للطيران مع تخفيض التكاليف ووضع نظم تأشيرات ليبرالية. وقد أعطى هذا بدوره الشركات المملوكة للدولة – “طيران الإمارات”، “فلاي دبي”، و”الإتحاد للطيران”، و”الخطوط الجوية القطرية” – أساساً متيناً للجدوى التجارية.
في الكويت، تبدو القصة مختلفة جداً، حيث، على الرغم من الثروة الوطنية الكبيرة والمشهد السياسي النابض بالحياة، فقد تعثّرت شركة الخطوط الجوية الكويتية على مدى عقود.
في السنوات الخمس الماضية وحدها، يُعتقَد أن شركة الطيران الكويتية قد خسرت 1.5 مليار دولار. ولا يقع اللوم على الأداء المالي المتردّي على الإدارات المتعاقبة التي حاولت وفشلت في إستعادة عافية الشركة، بل على الحكومة الكويتية، المساهم الوحيد، التي أدّت رقابتها العدائية إلى إبعاد المحاولات المتكررة لتحديث الأسطول وخصخصة القطاع.
إن سمعة الكويت بإعتبارها الأكثر ديموقراطية بين دول الخليج لم تشفع بها ولم تساعد الأمور. ديموقراطيات قليلة تسامحت مع ممارسات ضد العمل النقابي غذّت النجاح في أي مكان آخر في الخليج. لكن الكويت، على وجه الخصوص، تنظر إلى حقوق العمّال كموضوع ساخن. يعمل حوالي 94 في المئة من مواطنيها في القطاع العام، وقد ولّد إنشاء نظام رعاية إجتماعية من المهد إلى اللحد الشعور بالإستحقاق بين العاملين في جميع الشركات المملوكة للدولة. علماً أن الإضراب العام أمر شائع.
ولا عجب بأن رشا الرومي، رئيسة مجلس إدارة الخطوط الجوية الكويتية المعيَّنة حديثاً، أخذت نهجاً حذراً عندما واجهت الصحافيين في الاجتماع العام السنوي للمنظمة العربية للنقل الجوي في دبي. “وضعُنا ليس مثل “طيران الإمارات” أو “الإتحاد للطيران”. حكومتنا يجب أن تعطيني الموافقة”، تؤكد.
تلك الموافقة، أثبتت التجربة الأخيرة، بأنها لا يمكن أن تكون سهلة وأمراً مفروغاً منه. على الرغم من الإعتراف والقبول الواسع النطاق بأن شيخوخة الأسطول تكمن في صميم مشاكل الخطوط الجوية الكويتية – عمر طائراتها في المتوسط 19 سنة – فإن السياسة فشّلت المحاولات المتتالية التي أجرتها الإدارة لإيجاد طائرات بديلة. في العام 2007، ألغى البرلمان إلتزامات لشراء 12 طائرة “بوينغ 787 دريملاينر” وسبع طائرات “إيرباص A320” بعد أشهر على وضع الطلبيتين. في العام 2013، تم أيضاً إلغاء إتفاق مبدئي لشراء خمس طائرات “إيرباص A330” مستعملة.
من ناحية أخرى، فقد فشلت الجهود أيضاً لحقن كفاءة القطاع الخاص في الشركة من خلال مستثمر إستراتيجي. وتعرّض صندوق الثروة السيادية، “هيئة الإستثمار الكويتية”، إلى إنتقادات شديدة في العام 2011 عندما حاول أخذ الشركة إلى السوق لعرضها للبيع على الرغم – وفقاً لمستثمر محتمل – من أنه لم يتم وضع موازنتها العامة بشكل صحيح. ولم ترد، أو يتلقى الصندوق، أي عطاءات. كما أن أحدث محاولة جارية للخصخصة لن تكون نتيجتها أفضل، ذلك أن الحكومة تصرّ الآن على الإحتفاظ بحصة ذهبية لكي تستطيع نقض القضايا الإستراتيجية.
ومع ذلك، يمكن للرومي أن تستمد التشجيع من معرفتها بأنها، بعد سنة واحدة فقط من فترة ولايتها، نجحت فعلياً حيث فشل الكثير من قبلها. في كانون الأول (ديسمبر) 2014، للمرة الأولى منذ 16 عاماً، بدأت الخطوط الجوية الكويتية تلقّي طائرات تجارية جديدة.
لقد إنضمت طائرتان من طراز إيرباص (A320s) من الجسم الضيق إلى الأسطول في ذلك الشهر، من ضمن برنامج تجديد سيشهد تسليم 12 طائرة إيرباص (خمس طائرات أخرى (A320s) وخمس طائرات (A330s) ذات الجسم العريض) إلى الكويت قبل نهاية العام. الطائرة الجديدة آتية على أساس “تدخل واحدة، تخرج أخرى”، وضمان أن الوحدات القديمة الناقلة للعلم الكويتي ستتقاعد في أول فرصة متاحة من دون التأثير في العمليات. بحلول الوقت الذي يتم تسليم الطائرة 12، فإن الخطوط الجوية الكويتية سوف تحيل 11 طائرة إلى قائمة التقاعد من أسطولها المكوّن من 18 طائرة: ثلاث قديمة من طراز (A320)، ثلاث من طراز (A310s)، وخمس من طراز (A300s).
أما الطائرات الست من السبع الأصلية المتبقية – إثنتان من طراز بوينغ (777-200ERs) وأربع من طراز إيرباص (A340s) – فسوف يتم سحبها في وقت مواز لتسلم عشر طائرات بوينغ (777-300ERs)، حيث سيسلّم الصانع الأميركي ست طائرات منها من ذات الجسم العريض والحديثة في العام المقبل، يليها تسليم أربع طائرات في العام 2017. وهذا سيترك الناقلة الوطنية مع طائرة واحدة فقط يبلغ عمرها 21 عاماً من نوع بوينغ (747-400) التي تُستخدم أيضاً من قبل الحكومة للأعمال الرسمية.
وعلى الرغم من تدعيم أسطولها ب 22 طائرة جديدة في غضون ثلاث سنوات فقط، فإنه من المقرر أن تجري الشركة المزيد من التغييرات مع بداية العقد المقبل.
الواقع أن الخطوط الجوية الكويتية كانت تبغي دائماً الحصول على أسطول جديد بلحظ التكاليف في الموازنة العمومية، مع مساهم غني جداً قادر بسهولة على تحمل الدفعات قبل تسلم الطائرات. وبالتالي فإن كل طائرات بوينغ الجديدة سوف يتم شراؤها مباشرة حيث تقدّر قيمتها بنحو 3.3 مليارات دولار حسب قائمة الأسعار. لكن “إيرباص” لم تتمكن من تلبية طلب التسليم في المدى القريب، بحجة تراكم كبير لطلبات العملاء. وبالتالي سيتم تأجير 12 طائرة إيرباص جديدة للشركة الكويتية لمدة حوالي ثماني سنوات، قبل أن يتم إستبدالها مرة أخرى ب25 طائرة مملوكة، ونماذج من الجيل التالي.
“عندما ناقشنا الصفقة مع شركة “إيرباص”، قال مسؤولوها لنا بأن أقرب تاريخ لتسليم الطائرات التي يتم شراؤها سيكون في العام 2020. لذا طلبنا حلاً مؤقتاً حتى ذلك الحين، فقالوا بأنهم يستطيعون أن يوفّروا لنا هذه الطائرات المؤجرة حتى نحصل على أسطول جديد”، توضّح الرومي.
سوف يكون لوصول عشر طائرات تملكها من طراز “A350-900s” و15 طائرة من نوع “A320neos” بين 2020 و2023، تأثير عميق في قاعدة التكاليف للخطوط الجوية الكويتية. لقد دخلت طائرة “A350” الخدمة التجارية مع الخطوط الجوية القطرية في الشهر الفائت، بدعوى توفير الوقود بنسبة 25 في المئة أقل من طائرة بوينغ “777-300ER”، ويرجع الفضل في جزء كبير منه إلى أن إطارها المركّب خفيف الوزن. وطائرة “A320neo” التي ما زالت قيد الإنشاء، ومن المقرر إطلاقها في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، تدّعي تخفيض نسبة 20 في المئة في حرق الوقود مقابل نظيراتها من الجيل الحالي التي سبقتها.
جنباً إلى جنب مع وفورات في تكاليف العمل الهندسي – فإن طائرات إيرباص “A310s” المعمّرة هي، حسب كلمات الرومي، “عفا عليها الزمن تقريباً” وهي بحاجة متكررة إلى صيانة مكلفة – ووفورات الوقود هذه سوف يكون لها تأثير فوري في قاعدة الشركة.
من منظور العلاقات العامة، أيضاً، فإن تقاعد الطائرات القديمة من شأنه أن يساعد على إصلاح الضرر الأخير للعلامة التجارية للشركة الكويتية. فقد وصلت سمعتها إلى الحضيض في العام 2012 عندما، في أعقاب سلسلة من مخاوف السلامة والهبوط الطارئ، أوقفت الإدارة ثلاثاً من أقدم الطائرات لمدة تتراوح بين ستة وتسعة أشهر. على الرغم من أن العمل الهندسي الناتج أعاد صلاحية الطائرات للطيران، فإن الحاجة إلى مثل هذه التدابير الجذرية المفهومة أزعجت المسافرين العاديين.
مع التحديث في الأفق، حوّلت الرومي الآن إنتباهها وإهتمامها إلى النمو. سوف يتضاعف تقريباً حجم الأسطول بحلول العام 2023، ويمكن أن يتوسع أكثر إذا مارست حق الخيار لعشر طائرات إيرباص إضافية. إن دراسات الجدوى التي تبحث في كيفية نشر هذه القدرة المضافة جارية بالفعل.
“نحن نعرف أن لدينا طلباً للسفر إلى تورنتو، ولوس أنجليس، وفيينا،” تؤكد رئيسة مجلس إدارة الشركة. مضيفة: “وفقاً لخطة عملنا، ينبغي أن يكون هناك طلب للسفر إلى قوانغتشو وكاتماندو”.
وهناك أيضاً وجهات إقليمية جديدة في الإعتبار، بما في ذلك على وجه التحديد شرم الشيخ (مصر)، المدينة المنورة (السعودية)، أصفهان (إيران)، وأربيل (كردستان العراق).
لكنها ستكون تعديلات على الشبكة الحالية التي يمكن القول أنها تشكل أكبر نقاط. “يجب أن تكون جميع رحلاتنا يومياً”، تؤكد الرومي، قبل أن تضيف بأن النقاط الرئيسية مثل لندن يمكن حتى أن تصبح مرتين يومياً. الإستراتيجية الحالية لتشغيل خدمات الترانزيت – الكويت الى نيويورك من طريق لندن، على سبيل المثال، أو الكويت إلى مانيلا من طريق بانكوك – سيتم التخلي عنها. “سنغير سياستنا”، تقول. “نريد رحلات من نقطة إلى نقطة، لا وجود بعد الآن لنقاط العبور (الترانزيت). وسوف تكون جميع الخدمات المباشرة”، تضيف.
تضم شبكة الشركة الكويتية اليوم خمس نقاط في أوروبا (لندن وباريس وفرانكفورت وجنيف وروما)، و13 في آسيا، و15 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى نيويورك. حتى مع النمو السريع فإن لدى الشركة فرصة ضئيلة لمنافسة طيران الإمارات التي تطير إلى أكثر من 140 وجهة، ولكن يبدو أن هذا لا يعني الرومي. في حين أن الخطوط الجوية الكويتية تريد أن تستغل “الطراز نفسه” كما جيرانها في الخليج – ربط الشرق إلى الغرب من خلال محور مركزي – فإنها سوف تواصل القيام بذلك على “نطاق أصغر” من منافسيها الأكثر رسوخاً.
وسط علامات واضحة على التقدم، هناك سؤال واحد يخيِّم على خطة التحوّل. كثيراً ما إتّهمت شركة الطيران بتوظيف قوى عاملة متضخمة التي تستنزف الكفاءة وتعمّق الخسائر. وقد تناولت الرومي هذه المخاوف عندما تولّت رئاسة الشركة في كانون الاول (ديسمبر) 2013، متعهدة تسريح 1،000 موظف وموظفة. أين تقع تلك التخفيضات في مخطط التوسع الذي يلوح في الأفق؟
“هدفنا هو 4،500 وظيفة [إنخفاضاً من 6،000] في الوضع الحالي، لكن بالطبع سوف تبدأ الوظائف في الصعود في نهاية المطاف”، تجيب. مضيفة: “سيكون علينا زيادة القوى العاملة مرة أخرى”.
ومع عدم وجود جدول زمني واضح للتسريح، ومع التوسع القريب الذي يلوح في الأفق، يبدو من غير المحتمل أن يكون هناك تراجع كبير في عدد الموظفين. وهذا قد يزيد من كبح الحماس لعملية الخصخصة للخطوط الجوية الكويتية، التي تعترف الرومي، على أية حال بأنها وُضعت في المقعد الخلفي. من المرجح أن الحكومة تريد أن ترى نتائج ملموسة نتيجة تجديد الأسطول قبل مواصلة المناقشات مع طيران “الجزيرة”، وشركة الخدمات اللوجستية “أجيليتي” الكويتية، ومقدمي العروض المحتملين الآخرين.
ولكن إصلاح وتدعيم الأسطول ينبغي مع ذلك أن يكون موضع ترحيب كخطوة مهمة إلى الأمام. لقد طغت على الكويت على مدى عقود نجاحات الطيران في دول الخليج الأخرى. ومن طريق التقليل من حرق الوقود وتحسين منتجاتها، فإن شركة الخطوط الجوية الكويتية ستستمر بعد طول إنتظار التحليق على علو مرتفع وفي مسار أفضل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى