الجامعة اللبنانية الأَميركية من نيويورك: 100 سنة على تأْسيس “الرابطة القَلَمية”

في مناسبة الذكرى المئوية على ولادة “الرابطة القلمية” في محترف جبران خليل جبران في نيويورك، أحيت الجامعة اللبنانية الأميركية ندوة رُباعية إلكترونية (عن بعد).

الطبعة الأُولى من كتاب “الموسيقى” لجبران (محفوظات المتحف العربي الأَميركي).

 

دكتيلو سلُّوم مكرزل، مجلة “السمير” لأَبو ماضي، “كتاب خالد” للريحاني، كتاب “النبي” لجبران (محفوظات المتحف العربي الأَميركي).

 

بعد تأْسيس “الرابطة”، من اليمين: ميخائيل نعيمة، عبدالمسيح حدَّاد، جبران، نسيب عريضة.

 

كتاب “الرابطة” الأَوَّل (1920) مع شعارها (تصميم وتخطيط جبران).

 

محترف جبران النيويوركي حيث تأَسست “الرابطة”.

 

رسالة جبران باسم “لجنة إِعانة المنكوبين في سوريا ولبنان”.

 

مؤَسسو “الرابطة القلمية”، وشعارُها كما صمَّمه جبران.

 

المبنى الذي كان فيه محترف جبران: 51 الشارع العاشر غربًا – نيويورك.

 

بقلم هنري زغيب*

مساءَ الأَربعاء 28 نيسان (أَبريل) 1920، خلال سهرة أَدبية لدى جبران خليل جبران في مُحترفه النيويوركي (الصومعة) وُلِدَت “الرابطة القَلمية”.

الجامعة اللبنانية الأَميركية أَحيَت هذه المناسبة في ندوةٍ رُباعية إِلكترونية (عن بُعد) بتنظيمٍ من مركزها الأَكاديمي في نيويورك، تنسيقًا مع مركز التراث اللبناني فيها (مركزه بيروت)، بمشاركة  “مركز مويـيز خيرالله لدراسات الانتشار اللبناني” (جامعة ولاية نورث كارولاينا في مدينة رالي)، “المتحف الوطني العربي الأَميركي” (ديربورن، ميتشِغان)، و”جمعية شارع واشنطن لتاريخ الهجرة” (مانهاتن، نيويورك).

إفتتح الندوة نديم شحادة (مدير “المركز الأَكاديمي”) فقال إِن انعقاد هذه الندوة كان مُقرَّرًا في مقر الجامعة اللبنانية الأَميركية (نيويورك) لكنَّ ظروف الوباء حالت دونه فتقرَّر انعقادها افتراضيًا عن بُعد. وأَعلن بأَن هذه أُولى سلسلة ندوات ستعقدها الجامعة هذه السنة في نيويورك طيلة الربيع والصيف وصولًا إِلى الخريف حين تنظِّمُ مؤْتمرًا موسَّعًا عن أَنشطة المهاجرين العرب إِلى أَميركا منذ 100 سنة حتى اليوم في حقول الأَدب والشِعر والصحافة والموسيقى والمسرح والرقص، بما فيها تياراتُهم الفنية المعاصرة الحالية في نيويورك.

وأَشار شحادة إِلى افتتاح السلسلة هو بهذه الندوة عن مئوية “الرابطة القلمية” التي “كانت لها صيغةٌ أُولى سنة 1916 تعثَّرَت بسبب انهماك أَعضائها بمساعدة أَهاليهم في لبنان وسوريا إِبَّان الحرب العالمية الأُولى، إِلى أَن كان اجتماعٌ مساءَ الثلثاء 20 نيسان/أَبريل 1920 دعا إِليه صاحب “السائح” عبدالمسيح حداد في مكتب المجلة (19 شارع ركتور)، لم يكتمل فيه البحث فدَعا جبران زملاءَه الحاضرين إِلى اجتماع لديه (الشارع 10 غربًا) مساءَ الأَربعاء التالي، وفي ختامه وُلدَت “الرابطة” وانتخَب أَعضاؤُها جبران عميدًا لها وميخائيل نعيمة مستشارًا.

ليندا جاكوبس

المداخلة الأُولى كانت للدكتورة ليندا جاكوبس، عالمة الآثار والمؤَرِّخة المتخصصة في الهجرة الأُولى للُّبنانيين والسوريين إِلى نيويورك، وهي عضو مؤَسس في “جمعية شارع واشنطن” (https://www.wshsnyc.org)، ومن مؤَلَّفاتها في تاريخ الاغتراب: “غُرَباء في الغرب”. تحدَّثَت عن الفترة الأَدبية التي، بين 1880 و1920، سبقَت تأْسيس “الرابطة القلمية”. وأَقدمُ ما وصَلَنا: رثاءُ ابرهيم عربيلي أُمَّه ببَيتَين من الشِعر مَحفورَين على شاهدة قبرها في ماريـﭭـيل (تينيسي) سنة 1880، ترجمهُما إِلى الإِنكليزية شقيقُه نجيب، وسيكون لهذين الشقيقَين أَن يؤَسّسا لاحقًا أَول صحيفة عربية أَميركية: “كوكب أَميركا” (1892).

وجالت جاكوبس على ما جمعَت من تلك الحقبة الأولى بين كتابات وتقاليد وعادات وفنون موسيقى ومسرح تنامى معظمُها في شارع واشنطن، وهو الحيُّ الأَسفل من جزيرة واشنطن، تجمَّعَت فيه بيوتُ أَوائل المهاجرين اللبنانيين والسوريين وأَشغالُهم. ومنه صدرَت الكتابات الأُولى، ومعظمها لمناسبات عائلية، برعَ بها شعراء مثل فارس فرزان وشقيقه الياس (خالا والدة الشاعر الياس أَبو شبكة الذي وُلدَ في بيت الأَخير سنة 1903 في ﭘـروفيدنس – عاصمة ولاية رود آيلِند) وأَسعد ملكي وسواهم. وفتَح نعوم مكرزل صفحات جريدته “الهدى” (أَسَّسها سنة 1898) لجميع تلك الكتابات الباكرة، منها نصوصٌ أُولى لأَمين الريحاني ومخايل أَسعد رستم وعفيفة كرم، وآخرين كانوا يراسلونها من جميع الولايات الأَميركية وحتى من بيروت، وكان أَمين الغريِّب أَول رئيس تحرير لـــ”الهدى” قبل انتقالها سنة 1902 من فيلادلفيا إِلى نيويورك. في تلك الفترة، أَخذَت الصحف تنشر مؤَلَّفات الأُدباء، فظهرَت على مطابعها الكتُب الأُولى لجبران (“الـمُهاجِر”)، إِيليا أَبو ماضي (“مرآة الغرب”)، عفيفة كرم (“الهدى”)، وظهرَت المطبوعات التجارية الصغيرة، ونجحَ سلُّوم مكرزل في تحويل آلة اللينوتـيپ إِلى الأَحرف العربية، وأَصدر أَولَ دليل تجاري سنة 1908 لأَوائل المهاجرين إِلى أَميركا (أَصدر “مركز التراث اللبناني” في الجامعة اللبنانية الأَميركية طبعةً جديدةً له سنة 2017). ثم صدرَت مجلتا “السائح” لعبدالمسيح حداد (1912) و”الفنون” (1913) فكانت صفحاتهما لاحقًا منصّة الحركة التي تأَسست سنة 1920 وكان أَعضاؤُها يوقِّعون أَسماءهم متبوعةً بعبارة “العامل في الرابطة القلمية”.

أَكرم خاطر

المُداخلة الثانية كانت للدكتور أَكرم خاطر أُستاذ التاريخ في جامعة ولاية نورث كارولاينا ومدير مركز “موييز خيرالله” فيها، فشرح مشروع “المركز” (تأَسس سنة 2015) وهدفُه “حفظ التراث الاغترابي منذ مطالع الهجرة إِلى الأَميركتَين في حقوله المختلفة من رسائل شخصية وعائلية وكتب ووثائق وصوَر وصحف وسمعيات وبصريات وتراث موسيقي، وما تواتَر من قصص وعادات وتقاليد وحكايات عن أَشخاص تلك الهجرات الأُولى، أَخذ المركز ينشرها تباعًا عبر معارض وأَفلام وثائقية يضعها في التداول العام، وهو توصل حتى الآن إِلى تصوير 257 أَلف صفحة من تلك الوثائق”. وأَعلن خاطر عن مشروعَين يعمل المركز عليهما حاليًا:

  • تصوير جميع مؤَلفات أَمين الريحاني المطبوعة والمخطوطة، ومؤَلفات عفيفة كرم (لويزيانا) وميخائيل نعيمة، مع ثبْت بيبليوغرافي كامل.
  • تصوير صفحات 23 صحيفة اغترابية، منها المادة الورقية ومنها ما كان متوفِّرًا على ميكروفيلم.

ومن تلك الثروة الكبرى بات في التداول الآن نحو 11 أَلف صفحة مُتاحة للجميع بالدخول على موقع المركز الإِلكتروني: (https://lebanesestudies.ncsu.edu). ويُهيّئُ “المركز” حاليًا، تعاونًا مع أَرشيـڤ الجامعة الأَميركية في بيروت، معرضًا افتراضيًا واسعًا في أَيلول (سبتمبر) المقبل (2020) احتفاءً بمئوية المساهمات العربية الأَميركية، وكانت كثيرة وغنية لأَن أَصحابها كانوا غزيري الإِنتاج في كل حقل.

ماتْيُو ستيفْلِر

المُداخلة الأَخيرة كانت للدكتور ماتيو ستيفْلر، أُستاذ التاريخ في جامعة مِتشِيغان والباحث لدى المتحف الوطني العربي الأَميركي (ديربورن)، فعرَض ما في المتحف من إِرث ذي وثائق أَصلية، والطبعات الأُولى من مؤَلفات “الرابطيين” وسواهم، ونسخ منها موقَّعة بخط مؤَلفيها، وما أمكن تجميعه منذ تأْسيس المتحف سنة 2005. وذكَرَ أَن المتحف “في ورشة عمل متواصلة، ومعارض دورية يتابع من خلالها زوَّار المتحف شخصيًّا أَو في زيارات إِلكترونية، عرض منها ستيفْلِر نموذجين: الطبعة الأُولى من كتاب “الموسيقى” لجبران (1905)، ومجموعة من آلة الدكتيلو لسلُّوم مكرزل كانت لدى ابنته أَليس، الطبعة الأُولى من “كتاب خالد” للريحاني، مُجلّد السنة الأُولى من مجلة “السمير” لإِيليا أَبو ماضي، نسخة من الطبعة الأُول لكتاب “النبي” مع إِهداءٍ بخط جبران إِلى نعوم مكرزل (1923)، رسالة من “لجنة إِعانة المنكوبين في لبنان وسوريا” بتوقيع جبران وكان أَمين سر اللجنة (كاتم الأَسرار)، وأَول كتاب لأَعمال “الرابطة القلمية” (1920).

ويعمل المتحف حاليًّا على فهرسة جميع موجوداته كي تكون في التداول السهل إِلكترونيًّا. وختمَ ستيفْلر بأَن “مواد المتحف تتقاطر إِليه من أَبناء المغتربين وأَحفادهم كي تكون محفوظة للأَجيال التالية، لأَن منها يمكن نسج قصة الاغتراب منذ أَيامه الأُولى”.

وزيارة المتحف ممكنة على موقعه الإِلكتروني: (http://www.arabamericanmuseum.org).

بعد مداخلات الندوة كانت سلسلة أَسئلة وأَجوبة وحوار مع بعض المشاركين عن بُعد، أَعلن في ختامها مديرُ الندوة نديم شحادة عن أَن المركز الأَكاديمي في الجامعة اللبنانية الأَميركية يهيِّئُ للخريف المُقبل ورشة عمل كبرى في مقرِّه (نيويورك) بمشاركة 70 باحثًا من لبنان وكل العالم اللبناني في ديار الاغتراب.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني مخضرم.
  • يَصدُر هذا المقال في أَسواق العرب تَوَازيًا مع صُدُوره في صحيفة النهار” – بيروت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى