مشروع السويس يستطيع تحويل مصر
القاهرة – هدى أحمد
“إنها هدية الشعب المصري إلى العالم”. بهذه العبارة أشار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى قناة السويس الجديدة في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في أيلول (سبتمبر) الفائت. إنه مشروع ضخم في حد ذاته، بل هو محور لتعهد أكثر طموحاً، يتمثّل بوضع خطة تنمية شاملة لمنطقة قناة السويس كلها.
إن قناة السويس هي ممر عبور رئيسي للتجارة الدولية، بما في ذلك نقل النفط الخام والبتروكيماويات والغاز الطبيعي المسال. في العام 2012، حوالي 8 في المئة من التجارة العالمية البحرية، 7 في المئة من إجمالي النفط المتداول المنقول بحراً، و 13 في المئة من تجارة الغاز الطبيعي المسال على مستوى العالم، عبرت القناة.
موقعها الإستراتيجي لا مثيل له، كما لو أنه لا يوجد بديل لها في مجال النقل البحري (الأرخص) في التجارة العالمية (80 في المئة من التجارة الدولية من حيث الحجم).
منذ بنائها، تم توسيع القناة مرات عدة لمواكبة الإحتياجات المتغيّرة للتجارة البحرية. اليوم تتكوّن القناة من قناة بخط واحد، ما عدا على طول 40 في المئة من طولها الإجمالي البالغ 193.3 كيلومتراً. إذ أن العبور في الإتجاهين مقتصر على هذه ال80.5 كيلومتراً التي تضم ستة ممرات حيث يمكن للسفن تغيير الإتجاه، وعبورها قد يستغرق نصف يوم.
يشمل مشروع التوسعة الجديد للقناة حفر ممر مائي جديد بطول 34.4 كيلومتراً مواز للممر القائم حالياً وتوسيع وتعميق أربعة من ستة ممرات البالغ طولها 37.6 كيلومتراً. وهذا من شأنه أن يخفّض وقت عبور السفن إلى النصف، وتخفيض تكاليف التشغيل، ومضاعفة القدرة الإستيعابية للقناة إلى نحو 95 سفينة يومياً.
إن تطوير قناة السويس يُعتبر أولوية رئيسية للحكومة الجديدة، وقد تم إستقبال الخبر بحماس من قبل الشعب المصري. في ثمانية أيام عمل في أيلول (سبتمبر) الفائت، شهدت مصر أكبر طرحٍ عام وحملة لجمع الأموال في تاريخها، عندما أطلقت الحكومة برنامجها لتمويل مشروع توسعة القناة.
تم جمع حوالي 64 مليار جنيه مصري (حوالي 9 مليارات دولار)، أربعة مليارات أكثر مما كان مستهدفاً، من خلال بيع شهادات الإستثمار مع 12 في المئة معدل الفائدة السنوي. وهذا المعدل هو على قدم المساواة مع أسعار الفائدة المعروضة على جميع شهادات الإستثمار المماثلة الأجل تقريباً التي تصدرها البنوك في مصر.
ساهم الأفراد والأسر في أكثر من 80 في المئة من الأموال التي تم جمعها، وهو مبلغ قريب تقريباً إلى عشر الودائع المصرفية الأسرية. وجاء حوالي 27 مليار جنيه مصري من خارج النظام المصرفي – وهذا لا يمثل فقط شهادة على مستوى ثقة المصريين في المشروع نفسه، ولكن أيضاً يشير إلى الثقة لديهم بالقيادة الجديدة. كان من المقرر أن تنتهي التوسعة في العام 2017، لكن تمت في ما بعد إعادة جدولة أعمال التوسعة والانتهاء منها في 2018.
لدى مصر الكثير لتكسبه من هذا المشروع ومن خطة تطوير قناة السويس. وقدرت الحكومة أن رسوم العبور ستتضاعف إلى نحو 10 مليارات دولار عندما تعمل القناة بشكل كامل في القدرة الجديدة. كما أن إجمالي الإيرادات سيزيد أيضاً مع أرباح إضافية مرتبطة بخدمات القناة. علماً بأن خطة التنمية للمنطقة تشمل إقامة خدمات بتروكيماوية وتجارية ومالية وفتح الباب لمليون فرصة عمل.
ظهور محور إقتصادي متنوع بقوة في هذا المجال سيكون مواتياً للتوسّع في التجارة والسياحة وتجارة التجزئة. ومن المتوقع أن يَحدُث إمتداد للمكاسب الإجتماعية والإقتصادية حيث ستصل إلى المناطق المحيطة بها، والمساهمة في تطوير سيناء. والإنجاز الذي لا يمكن تقييمه بالنقود، مع ذلك، هو التأثير الإيجابي الذي أحدثه إطلاق المشروع على تصوّرات المصريين حول مستقبل بلادهم والآفاق الإقتصادية. بعد ثلاث سنوات محبطة بشكل رهيب منذ ثورة 2011، هناك مزاج أكثر تفاؤلا في الهواء.
من الواضح، أن حجم المرور عبر القناة لا يعتمد فقط على طولها وعمقها، أو على كفاءة تقديم قناة السويس الجديدة وتعزيز قائمة الخدمات. إن صحة الإقتصاد العالمي وإستقرار المنطقة، والطلب التجاري العالمي، وسياسات “أوبك”، وتطورات صناعة البتروكيماويات كلها ستكون في اللعبة أيضاً.
سوف تحدد بدورها إلى أي مدى يمكن للحكومة أن تسدّد الديون التي ترتبط بالمشروع من دون مزاحمة أخرى منافسة لأولويات الإنفاق الوطني. من المهم أيضاً هو معدل وطبيعة نمو الإقتصاد المصري والمساهمات النسبية للقطاعات الأخرى غير قناة السويس في إعادة بناء إحتياطات النقد الأجنبي، فضلاً عن السياسة النقدية للبنك المركزي.
لا شك أن خطة توسعة القناة واعدة، وتخضع لمجموعة من العوامل. إن قدرة الحكومة على التوجيه والسير من خلال طبقات معقّدة من الظروف الدولية والإقليمية والمحلية، التي سوف تتحامل على هذا المسعى الوطني الشجاع، ستكون حاسمة من أجل أن تؤتي ثمارها. وهناك الكثير يتوقف على مراقبة السلطات للتطورات، ومرونتها في إجراء تعديلات، وإتخاذ الإحتياطات اللازمة لمواجهة التحديات التي يمكن أن تنشأ على طول الطريق.