نقولا ناصيف يكشف أسرار ملاهي شارع الزيتونة!
بيروت – جوزف قرداحي
كثيرون من اللبنانيين يسمعون بمديرية “الأمن العام” ولكنهم لا يعرفون عنها أكثر من كونها دائرة متخصصة في إصدار جوازات السفر وختمها للمسافرين عبر مطار بيروت ذهاباً وإياباً؛ أو في أفضل الأحوال لا يعرفون عنها أكثر من كونها إدارة تمنح العمال الأجانب الوافدين من أفريقيا وآسيا إجازات الإقامة، أو تحتجز المقيمين غير الشرعيين منهم تمهيداً لترحيلهم إلى بلادهم. قليلون جداً يدركون أن للأمن العام دوراً مخابراتياً وأمنياً لا يقل شأناً وأهمية عن دور مديرية المخابرات في الجيش اللبناني.
ولكن ماذا عن خبايا هذا الجهاز الأمني الذي تعلو أسهمه وتنخفض تبعاً لكل عهد من عهود رئاسة الجمهورية الذي يرتبط ويتأثر باسم وشخصية المدير العام للأمن العام، وأسلوبه في التعاطي مع الفعاليات والقوى السياسية والأمنية وتقاطع أدوارها؟!
الصحافي والكاتب نقولا ناصيف، أضاء في كتابه “سر الدولة” (الصادر عن مديرية الأمن العام، بمبادرة وتشجيع من مديرها العام اللواء عباس ابراهيم) على جوانب مختلفة من تاريخ ونشأة هذا الجهاز الذي بدأ في العام 1945، كاشفاً أوراقاً كثيرة بقيت سرية حتى يومنا هذا، وموثقاً لمرحلة مهمة إمتدت من ذلك الحين الى “حرب السنتين” (1975 – 1976) تقلّب خلالها خمسة رجال إنطبعت اسماؤهم في ذاكرة اللبنانيين طويلاً، وتركوا بصماتهم الخاصة على المديرية منذ كانت مجرد دائرة صغيرة في وزارة الداخلية هم: إدوار أبو جودة، فريد شهاب، توفيق جلبوط، جوزف سلامة وانطوان دحداح، حيث شاركوا في رسم وصوغ سياسة عهود رؤساء الجمهورية منذ بشارة الخوري وكميل شمعون مروراً بفؤاد شهاب وشارل حلو وإنتهاء بسليمان فرنجية آخر الرؤساء الأقوياء، الذي إندلعت في عهده أولى شرارات الحرب الأهلية، الأمر الذي أجبر موظفي الأمن العام على إحراق ما كان تبقى من المحفوظات السرية والعامة خشية وقوعها في أيدي الميليشيات وإيذاناً بتهجير المديرية ورئيسها إلى القصر البلدي في ذوق مكايل.
لكن اللافت في كتاب “سر الدولة” والمثير للإهتمام هو تلك الصفحات التي أضاءت على أسرار شارع الزيتونة وملاهيه الشهيرة. فينبش منذ ثلاثينات القرن الفائت أوراقاً ووثائق تتعلق بدائرة التحرّي والبوليس العدلي، فألمّ بأسرار شارع الزيتونة بتفاصيلها الدقيقة، مدقّقاً بهويات رواده وأسماء فناناته الوافدات من الخارج، وأهم الشخصيات السياسية والأمنية والإجتماعية التي كانت تلجأ إلى علبه ما بعد منتصف الليل، للترويح عن النفس وعقد الكثير من الصفقات المشبوهة التي سرعان ما يكشفها مخبرو الأمن العام المزروعون في تلك الأماكن بشخصيات مموهة.
يروي نقولا ناصيف في كتابه حكاية مشوّقة من حكايات شارع الزيتونة، وطريقة عمل مخبري الأمن العام السريين، لملاحقة المشبوهين والقبض عليهم :
– آنذاك قصد أحد مخبري الأمن العام السريين، نادياً مخصّصاً للسيدات أنشئ في العام 1941، وهو يتألف من طبقتين، واحدة علوية لا تدخلها سوى النساء والثانية أرضية يجتمع فيها أزواج السيدات وهم من الأعضاء المشتركين في النادي.
(ويتابع) عُرف النادي باسم: “women’s club”، ويقتصرعلى ذوي الطبقة الإجتماعية المترفة. إلا أن الجانب المثير للإهتمام أن سفراء بريطانيا في الدول العربية كانوا يلتقون فيه، مرة في الشهر عندما يحضرون الى لبنان براً من طريق حيفا في فلسطين، ويتداولون قضايا سياسية وشؤوناً تتعلق بسياسات حكومتهم، فيما زوجاتهم في الطبقة العلوية. كان هذا السبب وحده كفيلاً بأن يحمل فريد شهاب على الإنضمام الى النادي وبناء صداقات مع رواده، من الذين يشكلون نافذة على شبكات علاقاتهم وإتصالاتهم ومصالحهم وإرتباطها بمعلومات سياسية وأمنية.
أما حجة مدير الأمن العام فريد شهاب في المراقبة الدؤوبة لشارع الزيتونة أمام المفوضين ومشغّلي المخبرين، هي أن الأثرياء يقصدون ملاهيه وحاناته ويخبّئون وراء اللهو والسهر والاتصال بالفنانات أعمالاً خطرة وممنوعة. عدّها شهاب مصدراً مهماً ورئيسياً للمعلومات المتشعبة الإتجاه، فيرتادها مهرّبو المخدرات لإنفاق أموالهم مما يسهّل إكتشافهم ويفضح علاقاتهم وشركاءهم في أعمال التهريب والضالعين في تسويقها. كذلك حال الإنفاق المفرط المثير للشبهة، فتخضع المديرية أصحابه للمراقبة بغية التحقق من مصادر أموالهم ومدى إقترانها بأعمال غير مشروعة تتراوح ما بين السرقات الهزيلة الى الصفقات الخطيرة.
وكان على مخبري المديرية تمضية ليالي الكباريهات وهم يتفرّسون في وجوه الساهرين وتحركاتهم وتحرّشهم، وإنفاقهم الأموال وإخفاء تصرفاتهم وراء ملاطفة الفنانات وإغرائهن بالنقود والإطراء واستدراجهن الى المغادرة، وتواريهم كذلك في زوايا معتمة لأحاديث سرية تضعهم مرة تلو أخرى تحت الشبهة. فعمد الى تجنيد عمالاً من اللبنانيين والأجانب كمخبرين سريين تم زرعم وراء البارات كسقاة أوكحراس ليليين الأمر الذي يمكنهم من إستراق السمع وإلتقاط بضع جمل وعبارات تمثّل خيوطاً أولى للقبض على المشبوهين. وقد ارتبطت سهولة تجنيد العمال الأجانب بتسهيل حصولهم على الإقامة في مقابل تحولهم عيوناً وآذاناً للأمن العام.