أزمة الطاقة في باكستان
لندن- هاني مكارم
منذ أن أصبح رئيساً لوزراء الهند في شهر أيار (مايو) الفائت، عمل “نارندرا مودي” على تحقيق توازن بين الأولويات في السياسات المحلية والأجنبية. وقد أظهر فعلياً إشارات إيجابية في صنع القرار الإستباقي والإنفتاح الإقليمي، سواء من خلال دعوة رؤساء الدول من بلدان “رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي” لحفل أدائه اليمين، أو من خلال التوجه إلى “بوتان” فى أول زيارة دولة رسمية له للتعبير بوضوح أن “الهند ملتزمة بعلاقات جيدة مع جيرانها”. وإذا نفّذت نيودلهي بيانه، فضلاً عن عواصم مجاورة أخرى، فقد ينتهي الأمر بنتائج مربحة رئيسية للمنطقة، خصوصاً لعلاقات الهند مع باكستان.
وفي ما يتعلق بالعلاقة بين نيودلهي وإسلام أباد، فقد إعتُبرت الرسالة الديبلوماسية هذا الصيف بين مودي ونظيره رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، تغييراً في اللعبة بالنسبة إلى قضيتين على الأقل: أولاً، أظهرت باكستان أخيراً عن إستعدادها للقضاء على التشدّد والتطرف على أراضيها، رغم أن سبب هذا يعود في معظمه إلى سلسلة من الهجمات الإرهابية ضد الدولة الباكستانية نفسها. ثانياً، حثّت باكستان الهند على الإستثمار في قطاع الطاقة لديها، الذي شُلّ بسبب نقص الطاقة الهائل في البلاد، مقدمةً بذلك فرصة أخرى لإستئناف المحادثات المتوقّفة بشأن جدوى تجارة الكهرباء بين البلدين.
وفقاً لليومية الباكستانية “إنترناشونال بيزنس تايمز”، إن متوسط الطلب على الكهرباء يبلغ نحو 16،000 ميغاواط، ولكن البلاد لا تولّد سوى حوالي 12،000 ميغاواط، وهذا يعني أن هناك نقصاً بحوالي 4،000 ميغاواط. هذا النقص في كثير من الأحيان يزيد خلال فصل الصيف إلى حوالي 7،000 ميغاواط، مما يؤدي إلى إنقطاع الكهرباء بإنتظام حيث يستمر حوالي 18 إلى 20 ساعة يومياً.
هذه المسارات للطاقة والإضطراب المستمر، اللذان لم يسمحا لإقتصاد باكستان بالنمو، دفعا شريف إلى طرح “التجارة والإقتصاد” كبند واضح على جدول الأعمال – مع حل ازمة الكهرباء في جوهرها – عندما زار الهند لحضور حفل قسم مودي.
وبينما وافق مجلس الوزراء الباكستاني على توقيع مذكرة تفاهم لإستيراد الكهرباء من الهند في كانون الثاني (يناير) الفائت –بعدما وافق البنك الدولي على تمويل دراسة الجدوى وخط نقل الكهرباء لإستيراد 1،200 ميغاواط – تجتذب البلاد أيضاً المستثمرين الهنود مع حوافز مالية، مثل إعفاءات جمركية وضرائببة على المبيعات في مناطق إقتصادية حرة خاصة، وعدم دفع رسوم الإستيراد على الآلات لمصانع ومحطات الكهرباء، للمساعدة في معالجة مشاكل الطاقة. وقد قابلت نيودلهي هذه الإعفاءات بخطوات مماثلة. على سبيل المثال، بدأت في تنفيذ مقترحات لمد خط أنابيب طوله 110 كلم من جالاندهار في الهند إلى حدود “واغاه” لتوريد الغاز الى باكستان، مع حافز تقدّمه الحكومة الهندية إلى باكستان يكمن في عدم دفع الرسوم الجمركية الأساسية على توريد الغاز الطبيعي.
على الرغم من أن الهند وباكستان تحدثتا طويلاً عن تجارة المنتجات البترولية –زيت الفرن بشكل خاص، الديزل، والغاز الطبيعي– فإن إسلام أباد تتطلع أيضاً إلى الدول المجاورة مثل الصين، فضلاً عن الواردات من الشرق الأوسط، للحصول على الدعم. بعض هذه الخطوات يشمل إقامة محطة للكهرباء تقوم على الفحم وتنتج 600 ميغاواط مع دعم صيني في ميناء قاسم في كراتشي، وبناء محطة للطاقة الشمسية على 10،000 فدان في اقليم البنجاب بمساعدة الصين أيضاً، وإستيراد 1،000 ميغاواط من الكهرباء من إيران. للأسف، كل هذه الجهود قد لا تقدّم إلى باكستان سوى حلول قصيرة الأجل لأزمة الطاقة لديها.
إن الإجابة المستدامة والطويلة الأجل لنقص الطاقة المستمر في باكستان تكمن في دمج أسواق جنوب آسيا من خلال التعاون في مجال الطاقة الإقليمي، الذي ينبغي أن يركّز على إستخدام المصادر التقليدية وغير التقليدية للطاقة. في أيار (مايو) 2014، نظّم “معهد سياسات التنمية المستدامة” في باكستان بالتعاون مع “مؤسسة وحدة وتمويل المستهلك” في الهند و”فيرست إينيرجي سولوشن” في أميركا مؤتمراً حول “التعاون عير الحدود في قطاع الطاقة”، حيث دعا بوضوح إلى مثل هذا التعاون. كما أشار نائب الرئيس ل”مؤسسة وحدة وتمويل المستهلك” الهندية “بيبول تشاترجي” بعد المؤتمر، إلى أنه “… على البلدين أن يعالجا الإصلاحات في مؤسساتهما التنظيمية المعنية وبناء قدراتها … إن المصادر غير التقليدية للطاقة بما في ذلك طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة المائية والنووية والفحم والغاز الحيوي يجب إستغلالها لتلبية الإحتياجات من الطاقة”.
وهذا يفترض أن تكون له أهمية أكبر عندما يتحدث خبراء الطاقة حول تكامل الأسواق الأورو-آسيوية مع جنوب آسيا، الأمر الذي يتطلب سوقاً في جنوب آسيا منظّمة لأفضل النتائج. إن شراء واردات الطاقة يمكن أن تُضاف إليه المساومة المناسبة من بلدان جنوب آسيا، التي هي من بين أكبر مستهلكي الطاقة، وهذا سوف يساعد أيضا في خفض “أرباح آسيا”، التي سوف تقلّل من تكلفة شراء الطاقة عبر المنطقة. على هذا النحو، يجب على كل من الهند وباكستان أخذ زمام المبادرة وتجاوز تجارة الطاقة بين البلدين وتطوير أسواق أكثر تكاملاً. وهذا بدوره يمكن أن يمهّد الطريق إلى تجديد الإطار المؤسسي لرابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي للإستفادة من التداول بين بلدانها، فضلاً عن زيادة التعاون في مجالات حيوية لأمن الطاقة والسلام في المنطقة.