لماذا يَصعُبُ انتخابُ رئيسٍ جديدٍ في لبنان؟

مايكل يونغ*

عندما غادرَ ميشال عون القصر الرئاسي في بعبدا في تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، افترضَ العديدُ من المراقبين أن العثورَ على خليفةٍ له سيكون سهلًا نسبيًا، لأسبابٍ ليس أقلها أن أيًا من الأحزاب السياسية الكبرى لم تكن لديه مصلحة في عرقلة انتخاب رئيس جديد في ظلّ الأوضاع المتدهورة في البلاد. ومع ذلك، بعد أربعة أشهر، لم يتمّ العثور على حلٍّ وسط، ويتساءل الكثيرون الآن: متى، أو هل، سيكون هناك اتفاقٌ في أيِّ وقتٍ قريب؟

إنَّ ملامِحَ ترتيبٍ أوسع موجودة، ولكن يبدو أنها متوقّفة في الوقت الحالي. وهي تنطوي على إجماعٍ بين القوى الإقليمية والدولية والفاعلين السياسيين المحليين. من الواضح بشكلٍ متزايد أنه في ضوء الأزمة الاقتصادية الحادة في لبنان والدور الإقليمي ل”حزب الله”، سيتعيّن على الرئيس الجديد تلبية عدد من الشروط. يجب أن يكون مقبولًا لدى دول المنطقة مثل المملكة العربية السعودية وإيران، ويجب أن يحظى بثقة الولايات المتحدة وفرنسا.

تسعى إيران، ومعها “حزب الله”، إلى رئيسٍ لا يُهدّدُ مكانةَ الحزب في لبنان، بينما في الوقت نفسه يجب أن يكونَ أيُّ رئيسِ جمهورية جديد قادرًا على الإظهار للاعبين الإقليميين والدوليين أنه لن يقوّض توقّعاتهم. بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية والدول الغربية، يعني هذا أن الرئيس سيحافظ على علاقات جيدة مع شركاء لبنان العرب مع تنفيذِ إصلاحٍ اقتصادي تأخّرَ كثيرًا.

قبل أسابيع قليلة، عقدت خمس دول –الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية وقطر ومصر– اجتماعًا في باريس لتحديد ملامح المرشّح الذي تسعى إليه. لقد أكد ممثلوها مرارًا وتكرارًا على الحاجة إلى رئيسٍ توافقي يقوم بتنفيذ الإصلاح، ولا تكون له روابط بشبكات المحسوبية الفاسدة في البلاد. ومع ذلك، ماذا تعني خارطة الطريق التي وضعها ممثلو البلدان الخمسة من الناحية العملية؟

أول ما تعنيه على ما يبدو هو أن السعودية لن تستثمر أي شيء على الجبهة اللبنانية ما دام “حزب الله” ناشطًا في اليمن. وقد أكد رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي ذلك في مقابلة مع تلفزيون “الجديد” في الأسبوع الفائت عندما وصف ما قاله له ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان: “هناك طرفٌ لبناني يخطط ويتآمر ضد السعودية في اليمن … إذا كان هناك أي مساعدة للبنان، فإن هذا الحزب سيستفيد”.

إذا توقفت السعودية عن الاهتمام والعمل في لبنان، فإن هذا سيكبح الدول العربية الأخرى، ليس أقلها قطر، التي لعبت دورًا محوريًا في محاولة إيجاد حل، بالنظر إلى حقيقة أنها تستطيع التحدث إلى جميع الأطراف والتصرّف كوسيط. بعدما سعى القطريون وتحرّكوا لإيجاد حلٍّ وسط للانتخابات الرئاسية قبل أسابيع، كما أكد ديبلوماسيون عرب، بدا أخيرًا أنهم تراجعوا وجمّدوا مساعيهم.

لكن المثير للاهتمام هو أن “حزب الله” وحلفاءه أبدوا استعدادهم للتعامل مع دول الخليج. في مقالٍ نُشِر في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، قاموا بإطلاق بالون اختبار عبر وسيلة إعلامية تابعة لهم، صحيفة “الأخبار”. في هذا المقال، اقترح رئيس التحرير، إبراهيم الأمين، مُقايضة، حيث يختار “حزب الله” وحلفاؤه رئيسًا للجمهورية وتختار السعودية وحلفاؤها المحليون رئيسًا للوزراء. حتى أن الأمين ذكر إسمَي: سليمان فرنجية رئيسًا للجمهورية، ونواف سلام، سفير لبنان السابق لدى الأمم المتحدة، كرئيس للوزراء.

بينما لم يكن لدى المملكة العربية السعودية سببٌ للرد على خبر صحافي، كانت الرسالة واضحة. بعد سنوات من محاولة منع دول الخليج من العودة إلى لبنان، كان “حزب الله” يقترح حلًا وسطًا. وإذا كانت هناك شكوك، فقد عُقِدَ لقاءٌ في بيروت في مطلع شباط (فبراير) بين ممثلٍ عن رئيس مجلس النواب نبيه بري وسفير المملكة العربية السعودية وليد البخاري. وبحسب ما أكّدت المعلومات قال ممثل بري أن الثُنائي الشيعي، “حزب الله” وحركة “أمل”، “يسعيان إلى تهدئة العلاقات مع المملكة العربية السعودية”.

كما أكد نعيم قاسم، نائب الأمين العام ل”حزب الله”، في مقابلة نُشرت في 23 شباط (فبراير)، أن الرئيس الذي يبحث عنه الحزب هو شخصٌ يمكنه، من بين أمور أخرى، “إقامة علاقات جيدة مع الدول العربية”.

قد يكون التحوّل في موقف “حزب الله” مُرتبطًا بإدراك الحزب أن الوضعَ في لبنان مُريعٌ وخطيرٌ جدًا بحيث لا يمكن للبلاد أن تتقدّم بدون قدر من الدعم العربي. ومع ذلك، بإضافة ملاحظات الرئيس ميقاتي إلى هذا المزيج، من الواضح أن الرياض لن تُعيدَ النظر في موقفها بشأن لبنان حتى تتنازل إيران و”حزب الله” عن شيء ما في اليمن.

وهذا يشير إلى أن انتخاب الرئيس سيظل مُعطّلًا. كما أن الأبعاد المحلية تمنع إجراء انتخابات أقل تعقيدًا. يود “حزب الله” أن يرى فرنجية مُنتَخبًا، لكنه يواجه الآن عقبات كبيرة. والجدير بالذكر أن الحزبين المسيحيين الرئيسيين، “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، يعارضانه. كان “التيار الوطني الحر”، حتى وقت قريب، حليفًا ل”حزب الله”، في حين أن حزب “القوات اللبنانية” قريبٌ من الرياض.

بدون دعمٍ مسيحي، لن يتمتع فرنجية بشرعيةٍ مُجتمعية، ما يُعيقُ رئاسته. يرغب “حزب الله” و”حركة أمل” في الحصول على الأصوات المطلوبة في البرلمان لضمان فوزه، لكن من غير المرجح أن يتمكّنا من النجاح في مسعاهما. علاوة على ذلك، أعلن “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” بشكلٍ غير رسمي موت اتفاق التفاهم (إتفاق مار مخايل) الذي يجمعهما، المُوَقَّع في العام 2006، حيث كان زعيم “التيار الوطني الحر” جبران باسيل يأمل أن يدعم الحزب ترشيحه.

السبيل الوحيد للخروج من المأزق هو أن تتوصّل الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية إلى اتفاقٍ يأخذُ جميع تفضيلاتها في الاعتبار. من المُتَصَوَّر أنه يمكن التوصل إلى صفقة شاملة في نهاية المطاف. لكن في الوقت الحالي، حتى لو كانت المحادثات تجري خلف الكواليس، فإن النتيجة الإيجابية تظل بعيدة المنال، حتى يُقدّم أحد الأطراف تنازلًا جادًا.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى