كَيفَ تَستَخدِمُ إيران الحَربَ النفسِيّة والإعلام ضدَّ خصومِها محلّيًا وخارجيًّا
التقرير التالي يستندُ إلى ستِّ سنوات من البحث الشامل الذي رَكّزَ على تحديد التهديدات التي تُشكّلها أجهزة الحرب الدعائية الإيرانية ضدّ منتقدي النظام ومعارضيه محلّيًا وخارجيًا.

بابك تغفاي*
تحتكرُ هيئةُ الإذاعة والتلفزيون في جمهورية إيران الإسلامية -وهي مؤسّسة إعلامية حكومية إيرانية- البَثَّ الإذاعي والتلفزيوني في البلاد. وبناءً على ذلك، تلعبُ دورًا محوريًا في العمليات النفسية التي تَشُنّها إيران ضد الخصوم السياسيين – وهي عملياتٌ تُفهَمُ عادةً على أنها مكوّنات “الحرب الناعمة” للنظام. تعمل هذه الهيئة الإعلامية جنبًا إلى جنب مع وسائل إعلامٍ تابعة للحرس الثوري الإسلامي، بالإضافة إلى شبكةٍ من وحدات الحرب النفسية والشركات الواجهة التي يسيطر عليها الحرس الثوري. تُشكل هذه الكيانات مُجتَمعةً جوهرَ جهاز النفوذ الإيراني المُوَجَّه من الدولة والذي يستهدف الخصوم. اعتبارًا من 13 آذار (مارس) 2025، تُسيطرُ هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية على ما يقرب من 376 مليون دولار أميركي (حوالي 35,000 مليار تومان) تُخصِّصها للحرب النفسية. في السنوات الأخيرة، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية والمنظمات الإعلامية التابعة لها لتورّطها في انتهاكات حقوق الإنسان. ومع ذلك، لم تُعِق هذه العقوبات مبادرات هذه الهيئة بشكلٍ كبير.
بمرور الوقت، تطوّرت تكتيكات الحرب الدعائية للنظام إلى نظامٍ شاملٍ لعمليات التأثير. لم تعمل هذه الأنشطة على توسيع نطاق طموحات طهران الخارجية فحسب، بل عَرَّضَت أيضًا الأمن القومي لخصومها للخطر. وهي تتراوحُ من التحريضِ والاضطراباتِ المُنَظَّمة إلى تجنيدِ مواطنين أجانب يُنفّذون أعمالًا إرهابية وتخريبية، وينخرطون في التجسّس لصالح نظام الملالي في جميع أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية.
استهدفت عقوبات وزارة الخزانة الأميركية بشكلٍ مُتكرّر الأذرع المالية لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، بهدف فرض تكاليف مالية على المديرين والسلطات المُشرِفة على جهاز الدعاية للنظام. ومع ذلك، فشلت هذه الإجراءات إلى حدٍّ كبير في تعطيل عمليات هذه الهيئة الإيرانية بأيِّ شكلٍ من الأشكال. ويُعزى أحد الأسباب الرئيسة لهذا الفشل إلى الدور الفعّال الذي لعبته وزارة الخارجية الإيرانية في مساعدة هذه الكيانات على التهرُّب من العقوبات.
التقرير التالي يستندُ إلى ستِّ سنوات من البحث الشامل الذي رَكّزَ على تحديد التهديدات التي تُشكّلها أجهزة الحرب الدعائية الإيرانية ضدّ منتقدي النظام. ويتمثّل هدفه الرئيس في اقتراح استراتيجيات فعّالة لتحييد هذه التهديدات بشكلٍ كامل.
الشعبُ الإيراني: الهدفُ الرئيس للنظام في حربه الدعائية
استخدمت الصحف والمواقع الإخبارية التابعة للحرس الثوري الإيراني -مثل “فارس نيوز”، ووكالة تسنيم الدولية للأنباء، ومَشرِق نيوز، وصحيفة جافان- إلى جانب برامج وقنوات هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، بما في ذلك وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (إيرنا)، أساليب عمليات مُمَنهجة ضدّ أعداء النظام. وتُجسّد هذه التكتيكات تقريبًا في كلّ خبر يُنتِجه الحرس الثوري الإيراني وهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية. ويتمثّل الهدف الرئيس في شقّين: رفع معنويات أنصار النظام الناطقين بالفارسية، وكسر عزيمة المعارضين الناطقين بالفارسية.
لتعزيز فعالية عملياته الدعائية، نشر الحرس الثوري الإيراني أجهزةَ تشويشٍ على الإشارات لتعطيل البث الإذاعي والفضائي من منافذ الأخبار الدولية التي تُقدّمُ معلومات “غير مُفلتَرة” وغير مُراقَبة للجمهور الإيراني. تدعم هذه الجهود كلٌّ من حملات الدعاية الإعلامية التابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية والحرس الثوري الإيراني. لأكثر من أربعة عقود، تعرّضت إشارات الراديو من إذاعة أوروبا الحرة وصوت أميركا للتشويش بشكلٍ روتيني في المدن الإيرانية الكبرى. واجهت القنوات التلفزيونية الفضائية الناطقة بالفارسية، مثل إذاعة صوت أميركا الفارسية، اضطراباتٍ مُماثلة. بالإضافة إلى التشويش، يحجبُ النظام الإيراني الوصول إلى معظم المواقع الإخبارية الرئيسة باللغات الفارسية وغير الفارسية. فبدون وكلاء أو “شبكة خاصة افتراضية” (VPN) لتجاوُز قيود الإنترنت التي تفرضها الدولة، يكاد يكون الوصول إلى هذه المنصّات مستحيلًا.
خلال الاحتجاجات المُناهضة للنظام في جميع أنحاء البلاد، شنّت قوات الأمن الإيرانية حملاتٍ قمعية تُقَيِّدُ الوصولَ إلى الإنترنت لجميع السكان. تمنع عمليات الإغلاق هذه الإيرانيين من استخدام شبكات “VPN” للوصول إلى مواقع الأخبار المستقلة. في الوقت نفسه، تُكثّفُ وسائل الإعلام التابعة للحرس الثوري الإيراني وأجهزة الدولة الإيرانية الأوسع نطاقًا حملاتها الدعائية. الهدفُ الرئيس هو رفع معنويات أفراد قوات الأمن وعائلاتهم، مع تحطيم معنويات الجماهير المُحتَجّة. تشملُ إجراءاتُ النظام بثّ لقطات اعتقالات واعترافات مُنتَزَعة بالإكراه من مُحتجين مُحتَجَزين وسجناء سياسيين. كما تتضمّنُ نشر معلومات كاذبة ومُضَلِّلة حول الاحتجاجات، وربطها زورًا بدولٍ أجنبية مُعادية. ويُصوَّر المُحتجّون السلميون بشكلٍ روتيني على أنهم إرهابيون أو مُخرِّبون لتبرير عمليات القتل خارج نطاق القضاء التي تُنفّذها طهران.
المعارضةُ الإيرانية: الهدفُ الرئيس الثاني للنظام في حربه الدعائية
تستخدم أجهزة الاستخبارات والأمن التابعة للنظام الإيراني هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، إلى جانبِ مجموعةٍ من المواقع الإخبارية الأجنبية وغير الرسمية الخاضعة لسيطرتها، لتقويضِ ثقة الجمهور بشخصيات المعارضة الإيرانية. أما هدفها الثانوي فهو زرع الفتنة داخل المعارضة الإيرانية، مما يُضعِفُ جهودها لبناءِ جبهةٍ مُوَحَّدة ضد النظام. ولتعزيز فعالية الحملات الدعائية، تُديرُ القيادة السيبرانية التابعة للحرس الثوري الإيراني مقرًّا للحرب الناعمة مُخصَّصًا للعمليات النفسية (PSYOPS). تُكلّف هذه الوحدة بتخطيط وتوجيه وتنفيذ العمليات النفسية التي تستهدف كلًا من المعارضة الإيرانية وحكومات الدول المُعادية.
بالإضافة إلى ذلك، يتعاقد الحرس الثوري الإيراني مع مجموعةٍ من المنظّمات الثقافية الحكومية والخاصة لإنتاجِ محتوى دعائي لوسائل إعلامه الإخبارية. ويتمُّ نشرُ هذا المحتوى بواسطة كتائب الحرب الناعمة السيبرانية، المُكَوَّنة أساسًا من أعضاء الباسيج – وهو فرعٌ شبه عسكري للحرس الثوري الإيراني. تُجري هذه الكتائب عمليات نفسية، مدفوعة الأجر أو غير مدفوعة الأجر، ضد منتقدي النظام. ومن بين ضحاياها صحافيون ونشطاء في مجال حقوق الإنسان وشخصيات معارضة داخل إيران وخارجها.
يخضع أعضاء جيش الحرب الناعمة، في معظمهم، لتدريبٍ أساسي ومتقدِّم في العمليات النفسية قبل نشرهم. وبمجرّد تدريبهم، يُكَلَّفون بإجراءِ حملاتِ تأثيرٍ عبر منصات التواصل الاجتماعي، مثل تيلِغرام وتويتر (المعروف الآن باسم X) وإنستيغرام. وغالبًا ما يقود هؤلاء العملاء فرقًا كبيرة وينسّقون العمليات إما من قواعد الباسيج في إيران أو عن بُعد من المنازل أو المكاتب. بالإضافة إلى ذلك، يتمُّ جلب عملاء الحرب الناعمة غير الناطقين بالفارسية، الذين يختارهم عملاء استخبارات الحرس الثوري الإسلامي من خلال المراكز الإسلامية في أوروبا وأميركا الشمالية، إلى إيران للتدريب. وهناكَ، ينضمّون إلى طلاب المنح الدراسية الأجانب المسجّلين في المعاهد الحكومية حيث يتلقّون تدريبًا مُتخصِّصًا في التأثير والعمليات النفسية. وعند الانتهاء من تدريبهم، يعود هؤلاء العملاء إلى بلدانهم الأصلية لتنفيذ العمليات المُوكَلة إليهم. ويُشرِفُ على كلٍّ منها مسؤول، وهو في العادة ضابط عمليات نفسية من الحرس الثوري الإسلامي. وقد يكون هؤلاء المسؤولون ضباطًا في الخدمة الفعلية أو جنود احتياط يشرفون على المنظمات الثقافية أو يديرون شركات مملوكة أو متعاقدة مع مقر الحرب الناعمة للحرس الثوري الإسلامي.
بالإضافة إلى عملاء الحرب الناعمة الذين يُعرّفون أنفسهم علنًا بأنهم موالون للنظام، يدير الحرس الثوري الإيراني مجموعاتٍ من وكالات التصيُّد والجيوش الإلكترونية التي يتظاهر أعضاؤها بأنهم مواطنون عاديون أو حتى مؤيِّدون لجماعات المعارضة. وبينما يبدو هؤلاء الأعضاء مناهضين للنظام، فإنهم يُديرون بنشاط حساباتٍ تنتجُ وتنشر معلومات كاذبة ومُضلِّلة. تُظهر الحالات المُوَثَّقة أنَّ قوات الأمن الإيرانية تمكّنت من تحديد هوية الأفراد الذين يقفون وراء حساباتٍ بارزة مناهضة للنظام على تويتر (X)، واعتقلتهم، وأجبرتهم لاحقًا على التعاون مقابل تخفيف الأحكام. في بعض الحالات، سيطرَ ضباط العمليات النفسية التابعة للحرس الثوري الإيراني بشكلٍ مباشر على هذه الحسابات، واستخدموها للتجسُّس ونشر معلومات كاذبة أو مُضلّلة.
منذ العام 2022، تمَّ نشرُ آلافٍ من ضباط الحرب الناعمة الناطقين بالفارسية وغير الفارسية وعملاء الحرس الثوري الإيراني في مهمّاتٍ سرّية للعمليات النفسية ضد شخصيات المعارضة الإيرانية وصحافيين ونشطاء، مُتظاهرين بأنهم معارضون للنظام. ينتحِلُ الكثيرون صفة الملكيين أو مؤيدي رضا بهلوي. تلتقط وسائل الإعلام الحكومية الخاضعة لسيطرة النظام محتواهم وتُعيدُ نشره، وتنسبه زورًا إلى المعارضة الإيرانية. هذا التكتيك -المعروف باسم “الكذب من فم العدو”- مُصَمَّم لتفتيت المعارضة من خلال جعل المعلومات المُضلّلة تبدو وكأنها صادرة من داخل الحركة نفسها.
يقومُ عملاء الحرب الناعمة، متظاهرين بأنهم مُعارضون للنظام، بحملاتِ تشويه سمعة قادة المعارضة ونشطاء حقوق الإنسان، وخصوصًا النساء. وتشتدُّ هذه الحملات عادةً بعد اعتقال النشطاء المُستهدَفين أو الحُكمِ عليهم بالإعدام أو إعدامهم. هدفهم هو تشويه سمعة التقارير المتعلّقة بمقاضاتهم وتقويض التعاطف العام. عندما تفشل الحملات أو تُعتَبَرُ غير فعّالة، يلجأ عملاء الحرب الناعمة إلى تكتيكٍ مختلف: ربط النشطاء المُستَهدَفين زورًا بالنظام نفسه. تهدفُ هذه الاستراتيجية إلى تحطيم معنوياتهم وإضعاف احتجاجات المعارضة التضامنية. تحت هذا الضغط، ينسحب بعض المؤيدين من النشاط تمامًا. وفي حالاتٍ متطرّفة، يُدفَعُ النشطاء المستهدفون إلى الانتحار.
في العام 2022، كشفَ أرشيفٌ مُسَرَّب من وكالة أنباء فارس التابعة للحرس الثوري الإيراني أنَّ خبراءً استراتيجيين في الحرب الناعمة الإيرانية، ومن بينهم برويز أميني وبوريا أستارقي، كُلّفوا بتدريب صحافيين على العمليات النفسية. وقد استُخدمت كتبهم وأدلة تدريبهم حول الحرب الناعمة كموادٍ تعليمية في برامج تدريب الحرب الناعمة في كلية أنباء فارس بطهران.
التحريض على الإرهاب والشغب في أوروبا من خلال عمليات التأثير
تُكلّفُ غالبية عملاء الحرب الناعمة غير الناطقين بالفارسية، الذين تعاقد معهم الحرس الثوري الإيراني ودرّبهم، بالدرجة الأولى بنشر دعاية النظام للجمهور الأجنبي. ومع ذلك، يتمركز بعض العملاء في الخارج ويعملون بشكلٍ مستقل، وينتجون محتوى دعائيًا أصليًا يدعمُ أهداف طهران. هدفهم هو توسيع نفوذ النظام بين المجتمعات المسلمة المحلية والطلاب المتعاطفين مع الإيديولوجيات اليسارية والشيوعية.
هؤلاء العملاء المؤثّرون -المعروفون أيضًا باسم نخبة عملاء العمليات النفسية- يُغذّون الأفراد الذين يهدفونهم بالتطرُّف ويُقنِعونهم بالمشاركة في مجموعة من الأنشطة، بما في ذلك الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل، والمخيمات الجامعية، وأعمال الشغب، وأعمال التخريب، والإرهاب، والتجسّس. يُنتج عملاء الحرب الناعمة النخبة في الحرس الثوري الإيراني، الذين هم غير ناطقين بالفارسية، محتوى متنوّعًا -مثل المقالات الإخبارية، والبودكاست، ومقاطع الفيديو- وينشرونها عبر منصات مثل إنستيغرام، وتويتر (X)، وتيك توك، وتيلِغرام. وهم يبنون شبكات من خلال تجنيد متابعين لمشاركة وتضخيم أخبار النظام أو المحتوى المؤيد له. بمرور الوقت، يتم التأثير في هؤلاء المتابعين تدريجًا للانخراط في أنشطة أكثر جدية، بما في ذلك التخريب، وأعمال الشغب، والإرهاب.
في العام 2024، وبعد إغلاق الحكومة الألمانية للمركز الإسلامي في هامبورغ (المعروف أيضًا باسم المسجد الأزرق)، وترحيل إمامه إلى إيران، أنتج عملاء النظام محتوى دعائيًا لتعبئة المجتمع المسلم المحلي والناشطين اليساريين الشيوعيين للاحتجاج على الإغلاق. كشف تحقيق، أجريته بنفسي، أنَّ هؤلاء العملاء تلقّوا تدريبًا متخصّصًا في الحرب الناعمة في قم، إيران، مما يشير إلى جُهدٍ مُنسَّق من جانب طهران لتشكيل الرأي العام في ألمانيا والتلاعب به. منذ العام 2009، شارك معظم أعضاء منظمة الباسيج في تدريب مُكثَّف على عمليات الحرب الناعمة. تُعَرِّفُ الدورات الشاملة -التي غالبًا ما تتجاوز 100 ساعة- المتدرِّبين على مواضيع وتقنيات متخصصة في الحرب النفسية. بعد التخرُّج، يواصل هؤلاء المتدرّبون توجيه أنشطة العمليات النفسية ضد أهداف محددة، مثل صحافيي المعارضة الإيرانية ووسائل الإعلام، وجماعات الدفاع عن حقوق المرأة، وحملات الدعاية المؤيدة لإسرائيل.
غالبًا ما يُمنحُ أعضاء الباسيج المقبولون في أرقى الجامعات الإيرانية من خلال نظام الحصص الخاص للحرس الثوري الإيراني منحًا دراسية مُمَوَّلة من الحكومة لمتابعة دراساتهم الجامعية في جامعات غربية مرموقة. أثناء دراستهم في الخارج، يتعاون الكثيرون منهم بنشاط مع جماعاتٍ مُعادية لإسرائيل وماركسية/شيوعية، حتى أنَّ بعضهم تولى أدوارًا قيادية في تنظيم احتجاجات دعمًا ل”حماس” و”حزب الله”. إن تدريب الحرس الثوري الإيراني على الحرب الناعمة في مجال العمليات النفسية يُزوّدهم بالمهارات اللازمة لتنفيذ عملياتٍ معادية لإسرائيل خارج حدود إيران.
إسرائيل والولايات المتحدة: الأهداف الرئيسة لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية
تدير هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية والحرس الثوري الإيراني شبكةً واسعة من المنافذ الإخبارية غير الفارسية، المُصَمَّمة خصيصًا لإنتاج ونشر عمليات نفسية تستهدف إسرائيل والولايات المتحدة ومواطنيهما. ومن الأمثلة البارزة على ذلك قناة العالم الفضائية (العربية)، وقناة “برس تي. في.” (الإنكليزية والفرنسية)، وقناة “هيسبان تي. في.” (الإسبانية). توظف إذاعة الجمهورية الإسلامية الإيرانية مزيجًا من الصحافيين والمنتجين والمحررين الإيرانيين وغير الإيرانيين لإدارة عملياتها الإعلامية الدولية، مع مراسلين وطواقم تصوير مقيمين داخل إيران وخارجها. ولتعزيز عملياتها الدعائية العالمية، تعتمد هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية أيضًا على صحافيين ودعاةٍ مُسَوِّقين غير إيرانيين متمركزين في أوروبا وكندا والولايات المتحدة.
في العام 2022، حَصَلتُ على أرشيفٍ ضخم يضم ُّموادَ داخلية من قناة “برس تي. في.”. أثبت هذا الأرشيف فعاليته في تحديد هوية الصحافيين والدعاة المُسَوِّقين غير الإيرانيين المُرتبطين بقناتَي “برِس تي. في.” و”هيسبان تي. في.”، وفي تسليط الضوء على أنواع الدعاية التي أنتجوها.
كثيرًا ما تورَّطَ الصحافيون والمراسلون الإيرانيون وغير الإيرانيين الذين يعملون في قنوات الأخبار غير الفارسية التابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية -وخصوصًا “برِس تي. في.”- في أنشطةِ تجسّسٍ لصالح جهاز استخبارات الحرس الثوري الإسلامي. ومن أبرز الحالات هي حالة مَرضِية هاشمي (اسمها عند الولادة ميلاني فرانكلين)، مُقدّمة برامج في قناة “برِس تي. في.”، والتي اعتقلها مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي في شباط (فبراير) 2019 أثناء زيارتها للولايات المتحدة. ومن المعروف أن هاشمي لعبت دورًا في تجنيد الرقيب “مونيكا ويت”، وهي أخصائية سابقة في استخبارات القوات الجوية الأميركية، والتي انشقّت لاحقًا إلى إيران واتُهمت بالتجسس. وبعيدًا من هذه القضية، تعاون العديد من الصحافيين والمراسلين والمحرّرين والمنتجين التابعين لوسائل الإعلام غير الفارسية التابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية مع مواطنين إيرانيين في الخارج لتحويل الأموال لدعم عمليات التجسس والإرهاب.
مجموعة مواقع الأخبار غير الرسمية غير الفارسية التابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية
في العام 2020، قدّم محمد مرندي، أحد مؤسسي قناة “برِس تي. في.” وأحد أبرز الاستراتيجيين في عملياتها الدعائية، مقترحًا يدعو إلى الاستعانة بكتّاب ومبدعي محتوى غير إيرانيين وغير ناطقين بالفارسية لإنشاء وإدارة شبكة من مواقع الأخبار المستقلة ظاهريًا. كان الهدف الرئيس لمرندي هو استخدام هذه المنصات كأدواتٍ سرّية لنشر المعلومات الكاذبة والمضللة، مع إخفاء أي صلة لها بوسائل الإعلام الحكومية أو أجهزة الاستخبارات الإيرانية. في رسالة بريد إلكتروني مؤرخة بتاريخ 31 آب (أغسطس) 2020، طرح محمد مرندي رسميًا فكرة إنشاء مواقع إخبارية غير فارسية، لا تربطها أي صلات ظاهرة بالنظام الإيراني. تضمّنت الرسالة، المُوَجهة إلى أحمد نوروزي، الرئيس التنفيذي لقناة “برِس تي. في.” آنذاك، مقترحًا مفصَّلًا وقائمة بأسماء أشخاص موصى بهم للعمل كمحررين محتملين لهذه المنافذ.
في تشرين الأول (أكتوبر) 2022، لعبت هذه المواقع الإعلامية السرية دورًا محوريًا في نشر معلومات كاذبة ومضللة دعمًا لقوات الأمن الإيرانية وسط الاحتجاجات التي عمّت البلاد وأشعلها مقتل مهسا أميني. في البداية، أنكرت هذه المواقع مقتل أميني. لاحقًا، وتحت رقابة الرأي العام المتزايدة، غيّرت روايتها، معترفةً بوفاة أميني، لكنها ألقت باللوم زورًا على المعارضة الإيرانية. وُصِفَ المتظاهرون الذين قُتلوا خلال المظاهرات عمدًا بأنهم عملاء أجانب، مما برّرَ القمع العنيف والملاحقة القضائية. أما الصحافيون الإيرانيون المستقلون -بمن فيهم كاتب هذا التقرير- الذين كشفوا انتهاكات النظام لحقوق الإنسان خلال حملة القمع، فقد وُصفوا زورًا من قبل هذه المواقع بأنهم عملاء لوكالة المخابرات المركزية الأميركية أو الموساد لنزع الشرعية عن تقاريرهم.
كيف يُمكِنُ رَدعُ الحرب النفسية التي ترعاها الدولة الإيرانية؟
في السنوات الأخيرة، استخدم النظام الإيراني بفعالية أساليب متنوّعة للتهرُّب من العقوبات والحفاظ على استمرار عمليات هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية وأذرعها الإعلامية الأجنبية. وقد تلقى الصحافيون غير الإيرانيين ومنتجو المحتوى الدعائي أجورهم إما من خلال ديبلوماسيين إيرانيين أو عبر شركات صرافة تُحوّل الأموال إلى حساباتهم المصرفية في أوروبا.
ولمواجهة عمليات الحرب النفسية الإيرانية، ينبغي على وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على منشئي المحتوى الدعائي التابعين لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، سواء كانوا يعملون داخل إيران أو خارجها. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي معاقبة شركات الصرافة -مثل شركة “شنتشن غودكسين الصناعية المحدودة” (Shenzhen Godxin Industrial Co. Ltd.)- التي تُسهّل المدفوعات لموظفي هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية والصحافيين والمروِّجين في الخارج. وينبغي أيضًا إدراج الشركات المتورّطة في تحويل المدفوعات لخدمات الأقمار الاصطناعية التي تستخدمها وسائل إعلام هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية ضمن العقوبات المستقبلية. علاوةً على ذلك، ينبغي على وزارتَي الخارجية والخزانة الأميركيتَين الجمع بين هذه الإجراءات والضغط الديبلوماسي لإجبار مقدّمي خدمات الأقمار الاصطناعية على إنهاء عقودهم مع هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية. اعتبارًا من آذار (مارس) 2025، تُواصِلُ القنوات التابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية -بما في ذلك قناة العالم، وقناة “برِس تي. في.”، وقناة “هيسبان تي. في”.- البث عبر أقمار اصطناعية متعددة، أبرزها “نايل سات 201″، و”إكسبرس إيه أم”، و”يامال 402″، وعرب سات (بدر 5)، ويوتلسات (هوت بيرد 13 بي)، وتلستار 12، وهيسباسات 30 دبليو-5، وإنتل سات 20/21، وباكسات 1 آر، وغالاكسي 47.
في حين أنَّ فرضَ العقوبات على هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية لا يزال أمرًا بالغ الأهمية، فإنَّ ردعَ الجهاز الإعلامي الأوسع للحرس الثوري الإيراني، مثل جيوشه وعملائه في الحرب الناعمة، أمرٌ أكثر أهمية. اعتبارًا من آذار (مارس) 2025، أعلنت المملكة المتحدة عن خططٍ لمواجهة وكلاء النفوذ التابعين للنظام، بما في ذلك الدعاة الذين يعملون لصالح وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية ونظراؤهم من ضباط الحرب الناعمة غير الناطقين بالفارسية. وفي ضوء هذا التطور، ينبغي لوزارة الخارجية الأميركية أن تسعى إلى إجراء مفاوضات منسقة مع الدول الأوروبية وكندا لمعالجة أنشطة وكلاء النفوذ الإيراني.
بالإضافة إلى تشديد العقوبات على هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية وملاحقة عملاء العمليات النفسية (PSYOPS) العاملين خارج إيران، من الضروري أن تفرضَ الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى عقوبات على محرّري الأخبار والصحافيين والمنتجين العاملين في هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية ووسائل الإعلام التابعة للحرس الثوري الإيراني. في تشرين الأول (أكتوبر) 2022، سرّبَ قراصنة قائمة بصحافيين تابعين للحرس الثوري الإيراني تلقّوا تدريبًا متخصِّصًا كعملاء عمليات نفسية (PSYOPS) في الحرب الناعمة. العديد من المدربين وخبراء استراتيجيات العمليات النفسية الذين يوجهون هؤلاء العملاء هم إما أعضاء في الخدمة الفعلية أو الاحتياطية في الحرس الثوري الإسلامي، أو عملاء لوزارة الاستخبارات الإيرانية، وبالتالي يجب أن يخضعوا للعقوبات. غالبًا ما يشارك هؤلاء الأفراد في استجواب السجناء السياسيين وانتزاع اعترافات كاذبة، ثم تبثها وسائل الإعلام الحكومية لأغراضٍ دعائية.
في أعقاب الهجمات التي شنّتها حركة “حماس” على إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2024، اندلعت احتجاجات وأعمال شغب مناهضة لإسرائيل ومؤيّدة ل”حماس”/”حزب الله” في المدن الكبرى وفي الجامعات في جميع أنحاء أوستراليا وكندا وأوروبا والولايات المتحدة. سعت هذه المظاهرات إلى التأثير في سياسات الحكومات الغربية في ما يتعلق بالصراعات في غزة ولبنان. استغلَّ النظام الإيراني هذه الاضطرابات بنشر عملاء نفوذه -بمن فيهم عملاء حرب ناعمة حاليون وسابقون- للمساعدة على تنظيم المظاهرات وقيادتها. إن فرض الحكومات الغربية عقوبات أشد صرامة تستهدف تكتيكات الحرب الدعائية الإيرانية من شأنه أن يحدَّ بشكل كبير من قدرة النظام على إجراء عمليات التأثير والمساعدة على حماية نزاهة المؤسسات الديموقراطية والبيئات الإعلامية.
- بابك تغفاي هو صحافي وباحث ومؤرخ إيراني. وهو كاتبٌ متخصص في شؤون الدفاع والأمن مقيم في أوروبا. بصفته خبيرًا في استخبارات المصادر المفتوحة (OSINT)، ألّف مئات التقارير والمقالات المستندة إلى الأدلة لوسائل إعلامية، بما في ذلك راديو أوروبا الحرة، وهيئة الإذاعة البريطانية (BBC).
- كُتِبَ هذا التقرير بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.