المياه في لبنان بين الهَدرِ وسوءِ الإدارةِ و…الأطماع

رُغمَ غنى لبنان بمصادر مائية طبيعية متنوّعة، إلّا أنّ سوءَ الإدارة والهدر جعلا أزمة المياه تتفاقمُ لتُلامس الأمن الاقتصادي والسياسي. فالموارد المتاحة تُهدَرُ في البحر والتلوث، بينما المواطن يعاني من العطش.

وزارة الطاقة والمياه في لبنان: مهمتها صعبة في هذا الزمن الصعب.

الدكتور هيكل الراعي*

تحتلُ مشكلة المياه الحَيِّزَ الأكبر من الاهتمام على المستويات كافة. ذلك لأنَّ تَوَفُّرَ كميات كافية من المياه وبنوعيةٍ جيدة يُعتَبرُ من العناصر الأساسية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومن عوامل الاستقرار السياسي. فهذه السلعة الحياتية بامتياز أصبحت مع ازديادِ عدد السكان وتطوُّر العمران، من السلع النادرة التي يزداد الطلب عليها يومًا بعد يوم. ويشير بعض الباحثين إلى أنه إذا ما استمرّت الأوضاعُ على حالها لجهة عدم التوازن بين كمية المياه المطلوبة للاحتياجات المنزلية والزراعية والصناعية والسياحية وبين كمية المياه المتاحة أو المتوفّرة، فإنَّ نزاعات وحروب يمكن أن تنشأ للسيطرة على الموارد المائية واستغلالها. فالحروب على المياه يمكن أن تكون إحدى سمات القرن الحالي.

1 – معطيات عامة حول المياه في لبنان:

إنَّ قراءةً سريعة للإحصاءات والمعطيات العلمية المختلفة المصادر حول واقع المياه في لبنان تشير إلى الحقائق التالية:

  1. إن التقديرات المختلفة حول المياه في لبنان تقول أنَّ كمية المياه المتاحة نظريًا لا تتجاوز 2950 مليون متر مُكعّب في السنة، لا يمكن إستثمار أكثر من 2,000 مليون متر مكعّب منها .
  2. إن المياه المستهلكة في لبنان لا تزيد عن 50% من كمية المياه المُتاحة.
  3. إنَّ حاجات لبنان المستقبلية من المياه يمكن أن تصلَ إلى حوالي 4,000 مليون متر مكعب في السنة إذا ما استثمرت الأراضي الصالحة للزراعة.
  4. إنَّ قطاع المياه في لبنان يُواجِهُ صعوبات فنية ومالية وإدارية ومؤسّساتية تعيق تأمين المياه بصورة طبيعية للمواطنين .
  5. إنَّ كلَّ الجهود التي بُذِلت والمبالغ التي أُنفِقَت خلال العقود الثلاثة الماضية، على مشاريع مياه الشرب وعلى مشاريع الصرف الصحي والنفايات الصلبة، لم تؤدِّ إلى توفير المياه السليمة لجميع اللبنانيين.
  6. إنَّ لبنان يعاني أزمات مائية متعددة الجوانب. فبالإضافة إلى الشحِّ هناك الهدر والتلوث (60 إلى 70% من مصادر المياه والشبكات في لبنان مُعَرَّضة للتلوُّث الجرثومي بسبب اهتراء شبكات الصرف الصحي والنفايات الصناعية) والسرقات الداخلية بالإضافة إلى السرقة الإسرائيلية لجُزءٍ من مياهه.
  7. إنَّ استغلال المياه الجوفية بشكلٍ عشوائي ومكثَّف، في ظلِّ غياب القوانين والأنظمة الرادعة، أثّر في الخزانات الجوفية وفي الينابيع، وأدى إلى تسرّب مياه البحر إلى المياه الجوفية (تُقدَّر كميات المياه الجوفية القابلة للاستثمار بما بين 400 و1000 مليون متر مكعب في السنة).
  8. إنَّ الفرد في مدن الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية يستهلك بين 600 و700 ليتر من المياه يوميًا مقابل مئة وخمسين ليترًا كمعدل وسطي للفرد االلبناني.

2-الموارد المائية اللبنانية:

أ-الأمطار:

إن المصدر الأساسي للموارد المائية اللبنانية هو الأمطار والثلوج. والأمطار في لبنان متفاوتة التوزيع في المكان والزمان. فهي بحدود 200 ملم سنويًا في القاع (البقاع الشمالي) بينما يرتفع معدلها إلى 2000 ملم سنويًا في أعالي جبال لبنان. ويهطل المطر لمدة حوالي ثمانين يومًا، أما بقية أيام السنة فهي جافة.

من حيث الكميات، تتفاوت التقديرات والأرقام حول كمية المياه الهاطلة في لبنان. وفيما يذهب الأب “بلاسار”،  وهو واضع أحدث خريطة مطرية للبنان في العام 1970، إلى تقديرها بـ8600 مليون متر سنويًا، يشير الدكتور مروان اسكندر في مقال له نشر في جريدة “النهار” إلى أنَّ “لبنان ينتج 10 مليارات متر مكعب من الماء سنويًا، أي ما يكفي لسد مجمل العجز المائي لسورية والأردن و”إسرائيل”!!.

 ب- التبخّر:

تتفاوت التقديرات حول كميات المياه المتبخّرة بفعل الحرارة والرطوبة في الجو والرياح… ونظرًا لصعوبات قياس المياه المتبخّرة، فإنَّ الباحثين في شؤون المياه كانوا يلجَؤون إلى طرح كميات المياه الجارية في الأنهر وتلك المُتَسَرِّبة إلى جوف الأرض من كميات المياه الهاطلة. وقد توصّل هؤلاء إلى أنَّ نسبةَ التبخّر تصل إلى 50% من المياه الهاطلة (ترتفع إلى 75% في السنوات الجافة).

ج- المياه السطحية والمياه الجوفية:

إنَّ قياس كمية المياه السطحية يُعتَبرُ سهلًا نسبةً إلى قياس كميات المياه المتسرِّبة إلى جوف الأرض أو تلك الهاطلة والمتبخّرة. ويمكن اعتماد وسائل عدة لذلك أبرزها قياس كميات المياه عند مصبّات الأنهر والمجاري أو في بعض النقاط المميزة من المجرى.

وتتوزّع المياه السطحية اللبنانية على 15 نهرًا دائمًا، منها 12 نهرًا ساحليًا و3 أنهر داخلية. ومن هذه الأنهر هناك ثلاثة مشتركة مع دول مجاورة وهي النهر الكبير ونهر العاصي ونهر الحاصباني.

وقد قدّرت المياه السطحية من قبل المهندس بسّام جابر بـ4131.57 مليون متر مكعّب، يُطرَحُ منها ما ينساب باتجاه سوريا وفلسطين وهو 647.86 مليون متر مكعب، فيكون الباقي 3483.71 مليون متر مكعّب.

أما بالنسبة إلى المياه الجوفية، فإنَّ الدراسة التي وضعها برنامج الأمم المتحدة للتنمية في العام 1970 قدرتها بـ3,000 مليون متر مكعب مُقسّمة كما يلي:

  • – مياه الينابيع السطحية 1,150 مليون متر مكعب.
  • – مياه الينابيع البحرية 115مليون متر مكعب.
  • – مياه تذهب هدرًا في البحر وإلى البلدان المجاورة 570 مليون متر مكعب.
  • -مياه مخزونة 1165 مليون متر مكعب.

ويقول الخبير في شؤون المياه فتحي عبد الحميد شاتيلا أنَّ كمية المياه الجوفية تقدّر بـ67% من مجموع الثروة المائية اللبنانية، موزّعة على 30 خزّانًا جوفيًا تغطّي الأراضي اللبنانية، منها 12 حوضًا تقع في البقاع و18 حوضًا تقع في المناطق الساحلية. ويشير الدكتورعصام خليفة في دراسةٍ له حول “استراتيجية إسرائيل المائية حيال لبنان ومقترحات عملية إلى المفاوض اللبناني” إلى “أنَّ علماء الجيولوجيا لدى إسرائيل يعرفون جيدّا أنَّ الثروة المائية اللبنانية المخزونة تحت الأرض لا تقل عن ثمانية مليارات متر مكعّب سنويًا”.

د- المياه القابلة للاستغلال:

إذا انطلقنا من التقديرات الدنيا التي عرضناها سابقًا يتبيَّن:

  • أنَّ كمية الأمطار والثلوج التي تتساقط فوق الأراضي اللبنانية وفق تقديرات الأب “بلاسار” هي 8,600 مليون متر مكعّب.
  • أنَّ الكميات المفقودة بالتبخّر (50%) تعادل 4,300 مليون متر مكعب.
  • أنَّ الكميات التي تذهب باتجاه سوريا تُقدّر ب 510 ملايين متر مكعب.
  • أنَّ الكميات التي تذهب باتجاه فلسطين تقدّر بحوالي 140 مليون متر مكعب.
  • أنَّ كمية المياه الجوفية التي تذهب هدرًا إلى البحر والدول المجاورة تقدّر ب 685 مليون متر مكعب.

ويبقى بالتالي للبنان :

8600-5635(4300+510+140+685) = 2965 مليون متر مكعل.

هذه الكمية تنخفض كثيرًا خلال أشهر الجفاف.

3- الحاجات الحالية والمستقبلية:

أ-الحاجات المنزلية:           

هي حاجات الإنسان لمياه الشرب والطبخ والغسيل والتنظيف وري الحدائق المنزلية. وكذلك حاجات الإدارات الرسمية والأبنية الجماعية (مدارس ، فنادق …) ومحطات غسيل السيارات وري الحدائق العامة ومياه إطفاء الحريق.

وتتأثر هذه الحاجات بعوامل عدة أبرزها :

  • حجم المدينة أو القرية حيث تزداد الحاجة بتزايد حجم المجتمع السكاني.
  • الخصائص الاجتماعية للسكان، إذ أنَّ استهلاك الفرد من المياه يرتفع بارتفاع مستوى المعيشة.
  • المناخ، حيث يزداد الاستهلاك بتزايد الجفاف.

تقدير الحاجات المنزلية:

إن تقدير الحاجات المنزلية للمياه يجب أن ينطلقَ من إحصاء تقريبي لعدد السكان مضروب بمعدل الاستهلاك الفردي. وإذا انطلقنا من رقمٍ تقريبي لعدد السكان يضاف اليه عدد المقيمين من غير اللبنانيين (لاجئين فلسطينيين ونازحين سوريين) يمكن أن يصل هذا العدد إلى5,5 مليون نسمة وفق تقديرات 2020؛ ومن معدّل استهلاك يومي للمياه يصل إلى 250 ليترًا يوميًا، فإنَّ حاجات لبنان من المياه للاستعمالات المنزلية يمكن أن تصل إلى: 5,5X 250 X 365 = 501 مليون متر مكعب.

ب-الحاجات الصناعية

يمكن توزيع الحاجات المائية للصناعة على الشكل التالي:

  • مصدر للطاقة، حيث تُستَعمل المياه لتوليد الكهرباء في معامل الإنتاج الكهرومائي (معامل الليطاني الثلاثة: عبدالعال وحلو و أرقش؛ معامل نهر إبراهيم الثلاثة: معمل الصفا، معامل نهر البارد، معامل قاديشا). وهذه المعامل لا تستهلك المياه بل تدنّي من مستواها فقط، وهي تستخدم، ولا تستهلك، 700مليون متر مكعب سنويًا لتوليد 115 مليون كيلواط/ساعة.
  • سائل تبريد أو إنتاج البخار كما في المعامل الحرارية كمعملَي الجيّة والذوق (في هذين المعملين تجري تحلية مياه البحر لهذه الغاية).
  • أما في الصناعات الأخرى، فلا توجد مصانع كبيرة مستهلِكة للمياه في لبنان. والمستهلك الأكبر هو الصناعات الغذائية كالمعلّبات (كونسروة) والمرطبات وغيرها من المصانع، كالإترنيت في شكّا ومعامل الأسمدة الزراعية ومعامل الحديد …

أما بالنسبة إلى مصادر المياه للصناعة، فإنَّ أكثر الصناعات تؤمن مياهها بصورة إفرادية من دون الرجوع إلى مشاريع الدولة. وأكثرها يعتمد بنسبة ضئيلة على المياه السطحية، وبنسبة أكبر على المياه الجوفية والآبار الارتوازية. أما توليد الطاقة فهو يستفيد من مياه الأنهر والمجاري السطحية بتجميعها في أحواض بواسطة سدود للاستفادة من مساقطها. تجدر الإشارة إلى أنَّ استعمال بعض المياه في الصناعة يؤدّي إلى تلويثها ويجعلها مضرّة إذا لم تجرِ معالجتها.

وقد قُدّرت حاجات الصناعة من المياه، أواسط التسعينيات، بحوالي 50 مليون متر مكعب منها 35 مليونًا من المياه الجوفية. وكانت الصناعة تستهلك حوالي 40 مليون متر مكعب في العام 1975 بينها 30 مليونًا من المياه الجوفية. أما بالنسبة إلى الحاجات المستقبلية، فيقدرها الخبير في شؤون المياه عبد السلام عمقية بما يناهز 135مليون متر مكعب للعام مقابل 240 مليون متر مكعب حسب تقدير زياد حجّا.

ج-الحاجات الزراعية:

يمكن تحديد الحاجات الزراعية للمياه أو حاجات الري بأنها الكمية اللازمة لنباتٍ مُعَيَّن أو نباتات عدّة في فترةٍ زمنية محددة، لتنمو نموًّا طبيعيًا، وتتضمّن هذه الكمية الخسارة الناتجة عن التبخّر الفيزيولوجي من خلال أنسجة النباتات وأوراقها مضافًا إلى التبخّر (الفيزيائي) الطبيعي من التربة وسطح النباتات.

أما مصادر المياه المستعملة في الزراعة فهي سطحية بنسبة 63% (أنهر، ينابيع، بحيرات جبلية،…) وجوفية بنسبة 37%. مع الإشارة إلى أنَّ المياه الجوفية بدأت تأخذ المزيد من الأهمية، نظرًا لسهولة الحصول عليها وإلى تطوّر تقنيات الضخ.

ويختلف الباحثون في شؤون المياه اللبنانية حول حاجات القطاع الزراعي للمياه. والخلاف يبدأ من مساحة الأرض القابلة للزراعة، ففي حين يقدّم المهندس جعفر شرف الدين في دراسته “الوضع المائي في لبنان …” مساحة 430 ألف هكتار يُستثمر منها، حسب دراسة لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية عن الإنماء الزراعي في لبنان، 146ألف هكتار لزراعات بعلية و66,900 هكتار لزراعات مروية، منها 2,000 هكتار تُروى بشكلٍ غير منتظم أو ريًا ربيعيًا؛ يذهب الباحث عبد السلام عمقية إلى تقديم مساحة 500 ألف هكتار تحتاج برأيه إلى 5,000 مليون متر مكعب من المياه بمعدل 10,000 متر مكعب لكلِّ هكتار سنويًا. والحقيقة أنَّ رقم 500 ألف هكتار (أي نصف مساحة لبنان) رقم مبالغ فيه. ويؤكد المهندس رمّال في دراسته حول “الثروة المائية في لبنان…” أنَّ الأراضي المرويّة في لبنان في العام 1975 بلغت حوالي 67 ألف هكتار موزَّعة على المحافظات وحسب مصادر المياه كما يلي:

 

التوزيع الجغرافي للمساحة المروية (1975)

 

المساحة المروية بالهكتار

 
المنطقة مياه سطحية مياه جوفية المجموع الإجمالي
لبنان الشمالي 11500  هكتار 3400    هكتار 14900  هكتار
جبل لبنان 7400    هكتار 200      هكتار 7600    هكتار
لبنان الجنوبي 8100    هكتار 7800    هكتار 15900  هكتار
سهل البقاع 15200  هكتار 13300  هكتار 28500  هكتار
المجموع 42200  هكتار 24700  هكتار 66900  هكتار
كمية المياه المستهلكة 422 مليون م3 247 مليون م3 669 مليون م3

 

وفي العام 1985 بلغت مساحة الأراضي المروية حوالي 79,000 هكتار (منها 47,200 هكتار تُروى من مصادر المياه السطحية و32,000 هكتار تُروى من المياه الجوفية). وحصل التوسع الأفقي في ريِّ الأراضي في سهل البقاع وفي السهل الساحلي الجنوبي.

وبلغت كمية المياه المستهلكة في ري الأراضي الزراعية حوالي 785 مليون متر مكعب، منها 464 مليون متر مكعب من المياه السطحية و321 مليون متر مكعب من المياه الجوفية.

أما في العام 1990 فقد وصلت مساحة الأراضي المرويّة في لبنان إلى حوالي 87,000 هكتار، وبلغت كمية المياه المستهلكة في ريّ الأراضي حوالي 835 مليون متر مكعب.

بالنسبة إلى المستقبل، وبعيدًا من الأرقام المبالغ فيها حول إمكانية ريّ كامل المساحة القابلة للزراعة أي 430 ألف هكتار، فإنَّ الدراسة المشتركة لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية ومنظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو) تُشير إلى ضرورة زيادة المساحات المروية إلى 170 ألف هكتار تحتاج ضمن المعدلات العادية إلى 1700 مليون متر مكعب. أما إذا اعتُمدت الطرق الحديثة في الريّ حيث يتمُّ تخفيض حاجة الهكتار الواحد إلى 7,000 متر مكعب سنويًا، فإنَّ الحاجة الإجمالية للمياه لري المساحة المذكورة أعلاه ستكون 1200 مليون متر مكعب سنويًا. أما إذا انطلقنا من حاجة لبنان إلى ري مساحة 360 ألف هكتار، فإنَّ كمية المياه المطلوبة ستكون بحدود 3600 مليون متر مكعب، ذلك لأن الزراعة اللبنانية لا تُساهم حاليًا بأكثر من 12% من الدخل الوطني.

4-الميزان المائي

أ – تختلف الدراسات حول المياه في لبنان، في تقدير الحاجات الحالية والمستقبلية، والسبب يعود إلى اختلاف المعطيات التي تُشكّل قاعدة الانطلاق لكل من هذه الدراسات.

وإذا تجاوزنا الخلاف في تقدير الحاجات الحالية والمستقبلية، واعتمدنا رقمًا تقديريًا هو 4,000 مليون متر مكعب سنويًا، وإذا انطلقنا من كمية المياه المتوفرة حاليًا والمقدرة بـ2,965 مليون متر مكعب، مع الإشارة إلى أنه لا يمكن السيطرة على كامل المياه بسبب الهدر المقدّر بحوالي 20% مما يخفّض كمية المياه المتوفّرة الى 2,372 مليون متر مكعب، نستطيع تلمّس المشكلة.

وفي حين يؤكد الباحث المهندس بسّام جابر أن”مياهنا تكاد لا تكفي حاجاتنا الحالية والمستقبلية، وسنجد أنفسنا مضطرّين إلى البحث عن موارد مائية جديدة غير تقليدية لسدّ العجز المذكور”؛ ويشاطره الرأي الدكتور عصام خليفة عندما يقول أنَّ المياه اللبنانية غير كافية لسدّ حاجات اللبنانيين ومشاريعهم، وبالتالي لا مياهَ فائضة لدينا، حيث يشير  الدكتور خليفة إلى أنَّ الحاجات الفعلية للبنان من المياه لا تقل عن 4.2 مليارات متر مكعّب، وهو رقم يزيد كثيرًا عن كمية المياه المتوافرة في سنة متوسطة (3.2 مليارات متر مكعّب في السنة)، يذهب الاقتصادي مروان اسكندر في أحد أبحاثه إلى أنَّ لبنان ينتج من الماء ما يكفي لسدِّ مجمل العجز المائي لسوريا والأردن وإسرائيل!!! ويُجاريه في ذلك باحثٌ آخر هو السيد فتحي عبد الحميد شاتيلا الذي يقدّر أنَّ “كمية المياه التي ستبقى تهدر في البحر خلال فترة الغزارة في أنهره وينابيعه الساحلية والبحرية ستتراوح بين 2,500 و3,000 مليون متر مكعب سنويًا”، ويقترح السيد شاتيلا ” الاستفادة من كمية مقدارها 750مليون متر مكعب في السنة من المياه المهدورة وذلك بتحويلها إلى دول الخليج العربي بواسطة خطٍّ من الأنابيب يمرُّ من جنوب لبنان بمحاذاة خط أنابيب النفط-التابلاين- الذي يربط بين بلدة الزهراني اللبنانية ومدينة الظهران السعودية”.

5- مواجهة العجز

يجمع الباحثون في موضوع المياه على وجود هدر كبير في المياه اللبنانية ذلك لأنَّ كمية المياه المستهلكة في لبنان لا تزيد عن 40% من كمية المياه المُتاحة. وتشير الدراسات التي أجرتها وزارة الطاقة والمياه إلى أنَّ ما يمكن تخزينه من مياه بواسطة سدود تُقام عند مجاري الأنهر الساحلية تبلغ حوالي 550 مليون متر مكعب، بما فيها كمية المياه المخزّنة في سد ألبر نقاش على نهر الليطاني (حوالي 220 مليون متر مكعب). غير أنَّ كلفة إقامة بعض هذه السدود وصيانتها أكبر بكثير من مردودها .

إنَّ وضع سياسة مائية واضحة للبنان استنادًا إلى معلومات وإحصاءات لا يرقى الشك إلى صحتها تبدو من الأمور الضرورية جدًا. وهذه السياسة يجب أن تقوم على محاور عدة أهمها:

1-إعادة تأهيــل المشــاريع وإصلاح المنشآت ومحطات الضخ وخطوط الجر والتوزيع.

2-توعية المواطنين إلى أهمية المياه وضرورة المحافظة عليها والاقتصاد في استعمالها.

3-إعادة تأهيل المحطات المناخية.

4-إتباع الطرق الحديثة في الري مما يوفر في استعمال المياه ويؤمن إنتاجية أفضل.

5-السيطرة على ما أمكن من المياه السطحية (سدود، بحيرات جبلية…).

6-تنفيذ مشاريع الري الكبرى التي أُنجِزَت ملفــاتها قبل الحرب الأهلية التي اندلعت في العام 1975.

7-تحديث التشريعات والقوانين المتعلقة باستثمار المياه.

6- أطماع إسرائيل بالمياه اللبنانية

تعيش إسرائيل أزمة مياه حادة بسبب التناقض بين إمكاناتها المحدودة من جهة وخططها الطموحة جدًا من جهة أخرى، خصوصًا بالنسبة إلى مسألتَي الاستيطان والزراعة. فجمع يهود الشتات ومقولة “جعل الصحراء تزهر” يحتاجان إلى المياه. وفي ظل حالة الاستغلال الكامل لمواردها المائية تطلّعت إسرائيل إلى المياه المتوفرة لدى جيرانها. وهناك إجماع على أنَّ حروب إسرائيل على الدول العربية أفادت الدولة العبرية في الحصول على المزيد من مصادر المياه. فالخطط التي وُضعت منذ أواخر القرن التاسع عشر تضمّنت سبل الحصول على المياه وأول مشروع وضعه الصهاينة لتقسيم منطقة الشرق الأوسط كان يضم ما يسمى الجليل الأعلى حتى نهر الليطاني. وتستفيد إسرائيل حاليًا من المياه السطحية اللبنانية التي تسير باتجاه الأراضي المحتلة وخصوصًا نهري الحاصباني و الوزاني حارمة لبنان من حصّته.

أما بالنسبة إلى نهر الليطاني، فقد عرقلت إسرائيل كل المشاريع التي وُضعت للاستفادة من مياهه عبر ضغوط لمنع التمويل أو عبر منع تنفيذ هذه المشاريع بالقوة. (مشاريع ريّ البقاع الغربي، وريّ الجنوب اللبناني …).

والأطماع الإسرائيلية في مياه نهر الليطاني ليست جديدة ، فهي تعود إلى بداية القرن الماضي. وقد كتب أليشع كالي في كتابه “المياه والسلام”: “شكلت الفوائض المائية في لبنان، ولا سيما في حوض الليطاني، موضوعًا لمشاريع من أجل تصدير المياه إلى الجنوب، وذلك منذ بدء البحث في مشاريع لاستغلال مياه المنطقة …”.

وقد وضعت إسرائيل تصوّرًا للاستفادة من مياه الحاصباني لتوليد الطاقة الكهربائية، ومن مياه الليطاني لاستغلالها كهرومائيًا أو لنقلها إلى حوض نهر الأردن من طريق بحيرة طبريا.

ويبقى…

إنَّ الاستثمار العقلاني المبرمج للمياه المتوفّرة والمتاحة على الأراضي اللبنانية يحرم إسرائيل الحجج التي تستغلها للمطالبة بقسم من هذه المياه. فلبنان يحتاج، كما رأينا، إلى كميات من المياه لتأمين حاجاته في المجالات المنزلية والزراعية والصناعية، والأراضي الزراعية قابلة للتوسع وهي الأحق بالمياه. فإسرائيل استطاعت أن تروي أكثر من نصف الأراضي القابلة للري لديها وتطمع في المزيد، أما لبنان فلا تتجاوز المساحة المروية من أراضيه 23% من الأراضي الصالحة للاستثمار الزراعي.

  • الدكتور هيكل الراعي هو باحث وأستاذ جامعي لبناني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى