فصولٌ من لبنانيّة شكري غانم
هنري زغيب*
مقاليَ الأَحد الماضي (“أَسواق العرب” 20 تموز/يوليو الحالي) كان عن لبنانيَّة شارل قُرم، شِعرًا ونثرًا ونشْرًا ونشاطًا رائدًا في صالونه الأَدبي قبل 90 سنة (1935). وها حديثي اليوم عن لبنانيَّة عظيم لبناني آخَر، صديق شارل قرم، هو الكاتب والشاعر والصحافي والسياسي اللبناني الفرنكوفوني كذلك: شكري غانم (بيروت 1851- الأَنتيب 1929).
مناسبةُ الكلام اليوم، احتفالٌ قبل يومين لدى “مؤَسسة شارل قرم”، احتفاءً بصدور الكتاب الفرنسي الجديد “شكري غانم – الآثار المكتَشَفَة”، عُنِيَ بها سنينَ طويلةً الباحثُ ميشال إِدمون غانم، جمعًا وتدقيقًا وتحقيقًا وتفتيشًا في الصحف والمجلَّات القديمة عن نصوص ومقالات وصُوَر وقصائدَ ومواقف، حتى تمكَّن من إِصدار هذا السِفْر القيِّم في 555 صفحة قطْعًا كبيرًا لدى منشورات ميليلِّي Milelli في فرنسا. ويأْتي هذا الكتابُ بعد أَولَ كبيرٍ لشكري غانم بالفرنسية أَيضًا صدَر سنة 1994 لدى منشورات “دار النهار” و”مؤَسسة نادية تويني” – بيروت، في جزءَين: الأَول لكتابات شكري غانم السياسية، والآخر لكتاباته الأَدبية.
الكتاب الجديد يضم فئتَين من الكتابات: الأُولى للنصوص الأَدبية بين قصص ومحاضرة ومسرحيَّتين ومجموعة كبيرة من القصائد، والفئة الأُخرى لكتاباته السياسية، وهي جوهرية في مرحلة شهدت “مؤْتمر الصلح” في باريس سنة 1919، وهو أَدَّى بعد سنة ونيِّف إِلى إِعلان دولة لبنان الكبير. وكانت كتابات شكري غانم السياسية حادةً وعنيفةً ضدَّ السلطنة العثمانية، طالبَ فيها باستقلال لبنان عن أَيِّ ضمٍّ، ونادى بهذا الاستقلال في مرحلةٍ شهِدَت كذلك كتابات جبران في استقلال لبنان وتحرُّرِه من الربقة العثمانية، ونضالَ صاحب “الهدى” في نيويورك نعوم مكرزل بالاتجاه ذاته.
وسْط أَهوال المجاعة والموت الجَماعي، أَصدر شكري غانم رسالةً مفتوحةً إِلى الملك أَلفونس الثالث عشر، نشَرَها بتاريخ 25 تشرين الثاني/نوفمبر 1916 في جريدة “لو ماتان” Le Matin، جاء فيها: “في الشرق شعبٌ كامل يُحتَضَر. يموت من الجوع بسببِ فاجرٍ اسمه جمال باشا، يفتكُ جيشُه بشعب لبنان مدعومًا من الحكومة العثمانية وحلفائها. وشعبُ لبنان ليس في حرب مع أَحَد، ولبنان كان حتى الفترة الأَخيرة ذا استقلال خاص تضْمَنُهُ الدُوَل الأُوروبية. وهو مسالِم غيرُ هجوميّ، بلا سلاح، ويُضمِرُ للقوى الصديقة كلَّ شُكران. مع ذلك يعاني شعبُه الشَنْقَ والصَلْبَ والإِبعاد، ولا صوتَ يعلو لنجْدته ودَعمه”.
هذا نموذجٌ من صرخة شكري غانم في باريس، لاقتْها صرخةُ جبران في نيويورك “مات أَهلي جائعين، ومن لم يَمُتْ جوعًا قضى بِحَدِّ السيف”… هذه هي الحميَّة اللبنانية لكبارٍ من لبنان في المهاجر اللبنانية. وشكري غانم من أُولئك الكبار، أَفنى حياته في خدمة لبنان اللبناني، والدفاع عن شعب لبنان، ونُصرة القضية اللبنانية على أَعلى المنابر.
حين انسحبَ شكري غانم من الحياة السياسية سنة 1921، اشترى في مدينة أَنتيب فيلَّا سمَّاها “اللبنانية”، هي التي تُوفي فيها وظلَّ اسمُها “اللبنانية” سنواتٍ طويلةً بعده على مدخل الفيلَّا.
شكري غانم لبنانيٌّ كبيرٌ في تاريخ لبنان الحديث، يجدر أَن تعرفه مليًّا أَجيالُنا الجديدة.
شكرًا ميشال إِدمون غانم على هذا العمل الجبَّار. إِن له وفاءَ الأَجيال اللبنانية الجديدة لإِطلاقه شكري غانم إِلى الضوء الذي يليق به، ويَليق له لبنان.
- هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني، مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية، مدير “صالون فيلوُكَاليَّا الأدبي”، ورئيس “اللجنة الوطنية اللبنانية لنشر الإبداع اللبناني”. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر منصة (X): @HenriZoghaib