عُمان: الإستثمارُ في البُنيةِ الأساسية أمرٌ حيوي للتحوُّلِ الاقتصادي
مسقط – خاص بـ”أسواق العرب”
قطعت سلطنة عُمان خطواتٍ واسعة في تعزيز بنيتها الأساسية على مدى السنوات القليلة الماضية، ولكن هناك حاجة إلى المزيد. ويبدو أنَّ السلطات تُدركُ ذلك تمامًا حيث تعمل على التوفيق بين التكاليف وصحة المالية العامة جنبًا إلى جنب مع الجهود الأوسع نطاقًا لتنمية الاقتصاد غير النفطي.
تاريخيًا، كانت السلطنة أقل انفتاحًا من جيرانها في الإمارات العربية المتحدة على التنمية البرّاقة من النوع الذي يجذب السيّاح والمقيمين الأجانب الأثرياء. مع ذلك، يبدو أنها قد تجاوزت ذلك في السنوات الأخيرة، حيث توسعت في مطار مسقط الدولي، وبدأت بناء طريق جديد في محافظة مسندم الغنية بالبراري، والمضي قدمًا في ربط السكك الحديدية بالإمارات، من بين مشاريع أخرى.
يقول صندوق النقد الدولي في أحدث تقييم له للاقتصاد العُماني، والذي صدر الشهر الفائت: “إنَّ توسيع مطار مسقط الدولي وتطوير المنتجعات الفاخرة عزّز من إمكانية الوصول إلى عُمان وجاذبيتها للسيّاح”.
إنَّ التجديد الحضري، والتحديثات السكنية والفندقية، وحتى البناء الصناعي، كلها أمورٌ تتبع ذلك بالفعل: من مدينة السلطان هيثم المُخَطَّط لها في ضواحي العاصمة، إلى مشروع عايدة، مع فيللاته التي تحمل علامة ترامب، أيضًا بالقرب من مسقط، إلى التوسّع المستمر في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم في شرق عُمان.
يقول منصور أحمد، وهو من المخضرمين في مجالات العقارات والبنية الأساسية في المنطقة: “لقد عملت عُمان بنشاط على تعزيز بنيتها التحتية للنقل، مع التركيز على شبكات الطرق ومرافق المطارات لدعم النمو الاقتصادي والتنويع”.
والآن، هناك المزيد من الطرق على طريق التنفيذ، فضلًا عمّا يصل إلى ستة مطارات جديدة، من المقرّر افتتاحها قبل نهاية العقد.
وأخيرًا، في أوائل كانون الثاني (يناير)، قال وزير الإسكان والتخطيط الحضري في عُمان، الدكتور خلفان الشويلي، إنَّ الخطط قيد الانتهاء لبدء بناء مترو في مسقط، مع جدول زمني للانتهاء في أقل من عشر سنين.
ووفقًا لأحمد، كانت السكك الحديدية هي أصعب شيء يمكن تصوّره. على سبيل المثال، كانت خطط إنشاء شبكة شحن وركاب على مستوى البلاد بطيئة في الانطلاق إلى أن انضمت شركة الاتحاد للسكك الحديدية في الإمارات العربية المتحدة إلى شركاء عُمانيين في تطوير خط “حفيت للقطارات”، والذي سيربط ميناء صحار في عُمان بالعين في أبو ظبي.
ولن يكون مترو مسقط أقل تعقيدًا. على الجانب الإيجابي، يقول أحمد إنَّ المشروع سيحتاج إلى خدمةِ أقل من مليونَي شخص، مُقارنةً بأكثر من ثلاثة ملايين نسمة في دبي وسبعة ملايين نسمة في الرياض. مع ذلك، يقول إنَّ المنطقة الحضرية لمسقط تمتد على مساحة 3,800 كيلومتر مربع تقريبًا، في حين تغطي دبي حوالي 1,300 كيلومتر مربع والرياض أقل من 1,975 كيلومترًا مربعًا. “لذا فإنَّ ربط مناطق شاسعة من مسقط ذات عدد سكان صغير نسبيًا سيكون اقتراحًا مُكلفًا وقد يستغرقُ إكماله سنوات”.
إن التحدّي الآخر في إندفاعة عُمان نحو المزيد من البنية الأساسية الأفضل سوف ينشأ من تأمين الأموال بدون الإضرار بالوضع المالي المُحَسَّن الذي اكتسبته البلاد من خلال الإصلاحات المختلفة في السنوات القليلة الماضية، والتي أعادتها إلى تصنيف الدرجة الاستثمارية.
خصّصت أحدث موازنة لعُمان للسنة المالية 2025، 900 مليون ريال عُماني (2.34 ملياري دولار) للإنفاق على “التنمية”، بما في ذلك البنية الأساسية “الحرجة” والإسكان والتوظيف.
في ظاهر الأمر، لم يتغيّر هذا عن موازنة 2024. مع ذلك، وجد تحليلٌ حديث أجرته شركة الإستشارات الدولية “كي بي أم جي” (KPMG) أنَّ هذا يمثل انخفاضًا بنسبة 30 في المئة تقريبًا عن مبلغ 1.2 مليار ريال عُماني تم إنفاقه في نهاية المطاف في العام الماضي، وفقًا للتقديرات الأولية.
منذ العام 2023 على الأقل، نشرت عُمان أيضًا ثروة سيادية نحو تطوير البنية الأساسية.
المستثمر في البنية الأساسية في البلاد، المعروف ب”صندوق ركيزة”، لديه تفويض بدعم البنية الأساسية في مجالات الطاقة والمرافق والاتصالات والنقل والخدمات اللوجستية والمجالات الاجتماعية في عُمان والمملكة العربية السعودية.
يعمل “صندوق ركيزة” كشركة استثمار خاصة، ويدير الاستثمارات الخارجية من صندوق الاستثمارات العامة السعودي، وتشترك في إدارته شركة “إدارة الاستثمار في البنية التحتية العُمانية” (OIM) وشركة “إكويتيكس” (Equitix) التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرًّا لها.
في آذار (مارس) 2024، أنشأت هيئة الاستثمار العُمانية بشكلٍ منفصل صندوق مستقبل عُمان بقيمة تزيد عن 5 مليارات دولار للاستثمار في “مشاريع تجارية واقتصادية جديدة أو قائمة واسعة النطاق تقع في عُمان”، وإن لم يكن ذلك حصريًا في مجال البنية الأساسية.
في نهاية المطاف، يعتبر تعزيز البنية الأساسية ركيزة مهمة لهدف عُمان لرفع مكانتها كوجهةٍ للسياح من جميع أنحاء العالم، كما يقول صندوق النقد الدولي.
ويؤكد صندوق النقد الدولي في مشاورات المادة الرابعة التي نُشرت حديثًا، على أنَّ المفتاح للوصول إلى هناك هو المزيد من الشراكات بين القطاعَين العام والخاص. مُضيقًا أنه “يمكن أن تؤدي المشاريع التعاونية إلى حلول مبتكرة للتنمية السياحية المستدامة وتعزيز القدرة التنافسية الشاملة للقطاع”.
يتّفق أحمد على أنّ الشراكات بين القطاعَين العام والخاص هي الطريق إلى الأمام. ويقول: “تعكس استراتيجية التمويل في عُمان نهجًا متوازنًا، يدمج التمويل الحكومي التقليدي مع الأدوات المالية المبتكرة ومشاركة القطاع الخاص. وهذا يضمن النمو المستدام وتنويع الاقتصاد”.