جنوب لبنان: عينٌ تُحاكي الجمال

النبطية: جمال قلعة الشقيف

هنري زغيب*

لا يزال الإِعلامُ يَنقُل إِلينا كلَّ يوم، من شاشات مختلفة على معظم البلدان، مشاهد من الخراب الذي سبَّبَهُ – وما زال يسبِّبُه – عدوٌّ وحشٌ ينهال بأَظافره الغليظة على مدُن وقرًى وحقولٌ وبساتينُ من جنوب لبنان، حتى ليبدو الجنوب من البعيد كأَنه خرابٌ عميمٌ وسط أراضٍ قفراء في معظمها من أَهلها الطيّبين هربًا من آلة الموت الإِسرائيلية.

لكن جنوب لبنان ليس قفرًا ولا خرابًا لأَنه، بعد انقشاع الغيوم السود الخانقة، سيعود إِلى أَلَقه ونهضته لأَن فيه ثرواتٍ وكنوزًا وجدتُ جُلَّها في كتاب جامع يضم نصوصًا جمالية وصوَرًا تشهد وتؤَرِّخ لجنوبنا الغالي في شكلها الأَغلى كما سيعود إِلينا.

قانا: جمال المحفورات التاريخية

العين الجمالية

في حجْمٍ أَنيقٍ مربَّعٍ، وَسَم المصوِّرُ الصِّحافي كامل جابر كتابه الجميل “لبنانُ الجنوبي: عينٌ تُحاكي الجمال”، من إِصدار وزارة السياحة، في 240 صفحة ملوَّنة تتنافسُ جمالًا ولقطاتٍ طريفةً ونادرةً، ما لا تلتقطه العين عادةً فالتقَطَتْهُ عينُ هذا الفنان بكاميراهُ، ورسمَتْها لوحاتٍ من إِرْث جنوبنا الغنيّ تراثًا وجمالات.

ولكلِّ صورةٍ لُقِيَّةٍ تعليقٌ شاعريٌّ بليغٌ يَزيدها التماعًا وتعبيرًا. من غلافٍ لِمطحنة الرُقَيْقَة في “الخيام” تُطِلُّ من تحت قنطرةٍ ختيارة، إِلى كلمة وزارة السياحة وأَنَّ “مُميِّزاتِ الجنوبِ الجماليةَ انعكاسُ ما يتمتَّع به الإِنسانُ الجنوبيُّ من تَشبُّثٍ بأَرضه، وتَعَلُّقٍ بها، ودفاعِه عنها، واهتمامِه بِمُنْتَجاتها وإبداعِه في مِهَنِها والحرِفيّة في طليعتها“، إِلى كلمة المؤَلِّف المصوِّر وأَنَّ “هذا الكتاب يروي بالصورة والكلمة حكايةَ الجمال الشامل في الجنوب. ونو ليس مُجرّدَ دليلٍ سياحي بل كتابُ معرفةٍ مصوَّرةٍ عن جنوب لبنان“.

حاصبيا: جمال القصر الشهابي

كنوز الجنوب: مواقع غالية…

ينفتح الكتاب على الكنوز: آثارُ صيدا (قلعتَا صيدا البحرية والبرية، ومعبد أَشمون)، آثارُ صُوْر (صوْر البرّية، قوس النصر، صُوْر البحرية، قبر أَحيرام)، قلاعُ الشقيف وتبنين ودُوبيِّه وشمع ومقام شمعون الصفا ومارون وأَبو الحُصن الصليبية، أَبراجٌ وخاناتٌ (خان الإِفرنج: صيدا، برج بعل: الهبّارية، خلوات الكفَير)، متاحفُ (متحف “عودة” للصابون، متحف صُوْر البحري، متحف موسى طيبا في قانا، أَهرامات تُفاحتا في “وادي الملوك”)، دورٌ وقُصورٌ (القصر الشهابي في حاصبيا، قصر دبّانة في صيدا، قصور يارون).

… ومدن تاريخية

كنوزُ مدننا الجنوبية: صيدا (ميناء الصيادين، زيرة صيدا)، وصُوْر (مرفأُ صور، صور القديمة، فنار صور)، النبطية وجباع وجرجوع وحومين الفَوقا والتحتا، وصربا والدُوَير ودير عجلون وبنت جبيل وتبنين وعين إِبل وجزين، وكفرحونة وجدَيدة مرجعيون ومعتقل “الخيام” وحُولا وحاصبيا وشبعا، مقاماتٌ ودورُ عبادة (الجامع العمري، خلوات البياضة، دير مشموشة، صخرة مار جريس).

جزين: جمال الشلَّال الطبيعي

… وطبيعة نادرة

مواقعُ طبيعيةٌ نادرة، منها المغاورُ (قانا، النبع الشتوي، مغاور عدلون، عين الريحان، مغارة فخر الدين: جزين، مغارة سيدة المنطرة: مغدوشة)، وثروةٌ مائية (أَنهار الليطاني والحاصباني والوزّاني والزهراني ونبع الطاسة وشلال جزِّين وبُرَك رأْس العين وبركة أَنان)، وثروةٌ طبيعية (جبل الريحان وإِقليم التفاح وجبل الشيخ ومحمية شاطئ صور وسهل “الخيام” وسنديانة شبعا).

… وعادات وصناعات عريقة

بينها عاداتٌ وتقاليدُ (الأَسواق الشعبية- سوق الاثنين في النبطية، سوق الخميس في بنت جبيل، سوق الخان في حاصبيا)، الصناعاتُ الحِرَفية (سكاكين جزين، مراكب صيدا، صابون وادي التَّيم، فخَّار راشيا، زجاج الصرفند، إِسكاف النبطية، ماء زهر مغدوشة، دبس حاصبيا)، مؤُونة الحقول (مطاحن شبعا، تبغ الجنوب، حلويات صيدا، تربية النحل)، زراعاتٌ مُختلفة، وجمالاتُ وجوهٍ وطبيعةٍ وحجارةٍ ناطقةٍ بنبض التاريخ.

روائع جمالية بين الصفحات

سياحةٌ بَصَريَّةٌ جماليةٌ كتابُ كامل جابر، وبين صفحة منه وصفحة ينقلُنا إِلى لُقِيّاتٍ من لبنان جميلة، منها ما نعرفه أَو نعرف بعضه أَو نعرف عنه، ومنها ما يدهشنا جمالُه الطبيعي أَو التراثي، حتى لنُغلِق الكتاب وهو فعلًا عينٌ تُحاكي الجمال، وتبقى في عيوننا حكاياتٌ من لبنانَ الجمال تُبهجُ العين والقلب، وتُرَسِّخُ فينا كنوزًا من لبنان نفهم منها أَكثر لماذا أَورَثَنا إِياها جدودٌ تشبَّثوا بأرضنا كي نتعلَّمَ نحن كيف نتشبَّثُ بها، فننقُلَها إِلى أَولادنا ثَرواتٍ بَهيةً تَجعلُهم فعلًا يؤْمنون بأَنَّ نعمة الطبيعة في لبنان ثروةٌ لا تعادَل، لذا هي جديرةٌ بأَن نَحميها من كلّ ريح، حتى يظلَّ لبنانُ صامدًا قويًا في وجه كلِّ ريح.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر منصة (X): @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى