مذكرات الأَرقش ورحلة الأَناقة
هنري زغيب*
إِنه أُسبوعُ الأَعياد. يدخله لبنان ببهجة الفرح، بعد حزن كثير وخوف كثير وقلق كثير في الأَسابيع الماضية.
سوى أَنه هكذا لبنان: ينتفض من كبَواته لينهض أَقوى، والفرحُ أَقوى من الحزن والخوف والقلق.
ولأَنه أُسبوع الأَعياد، والأَعيادُ هدايا وتذكارات، ليس أَغلى من الكتاب يُهدى، أَو الإِشارةِ إِلى قراءةٍ مميّزةٍ تبقى في المكتبة أَو الذاكرة أَفضلَ من أَيِّ هدية عابرة، تَذْبُل زهورُها، أَو يؤْكل قالبُها، فلا يبقى منها سوى ذكرى مُوَقَّتة سرعان ما تزول مع الأَيام.
أَقول القراءة، وأَمامي نموذجان بليغا الدلالة. الأَولُ كتابٌ أَدبي، والآخَرُ مجلةٌ مُضيئةُ الأَناقة.
الكتاب: “مذكرات الأَرقش” لكبيرنا ميخائيل نعيمه. صدر روايةً سنة 1949، وصدر قبل أَيام مسرحيةً شعريةً بالإِنكليزية لدى “دار نلسون” في بيروت، في عمل دقيق قامت به سهى نعيمة (وحيدة مي ابنة شقيق نعيمه) بعد تحويلها رواية نعيمه الشهيرة حواريةً متقنةَ النص والتقْفية في سلاسة المشاهد والسياق.
مطلع الكتاب مقدمة سردَت فيها سُهى بأُسلوب مشوِّق كيف نحتَت اسمها من سُهى حداد إِلى سُهى نعيمه، وكيف وُلدَت منذ أَيامها الأُولى على “جدُّو ميشا” (وهو اسم نعيمه بين رفاقه في “الرابطة القلمية”) وكيف نشَأَت بين والدتها مي وجَدِّها ميخائيل، حتى إِذا غاب هو وغابت مي، أَسَّست سُهى متحف نعيمه في الزلقا ثم حاليًّا في المطيلب مسمِّيةً إِياه “ميماسونا” بجميع تفاصيله، وفاتحةً بابه للزوار.
بعد مقدمة الدكتور الأَب بول هايدوستيان رئيس جامعة هايكازيان، تتسلسل مشاهد المسرحية بين الأَرقش وصاحب المقهى وروَّاده، إِلى أَن يُلاقي الأَرقش مصيره الذي لن أَكشِفه هنا كي أَترك للقارئ مُتعة المتابعة في مسْرَحَة سُهى نعيمه روايةَ الأَرقش بكل ما فيها من براعة تحويلها عملًا مسرحيًّا موسيقيًّا جديرًا بأَن نراه يومًا على أَحد مسارحنا.
النموذج الآخر يُهدى عنوانُه الإِلكترونيّ كي يطَّلع رواد الكومبيوتر واللوح الذكي على مطبوعة لبنانية ساطعةِ المحتوى والشكل. إِنها مجلة Côté Déco الإِلكترونية الفصلية التي تُصدرها بالفرنسية السيدة كريستيانّ طويل في طباعة فخمة وإِخراج أَنيق جدًا، ورخاء إِعلاني يُؤَكِّد أَن السوق الإِعلاني ليس مغْلَقًا كما يظنُّ البعض، بل هو جاهز لدعم العمل العالي المستوى، كما مجلة Côté Déco الأَنيقة.
أَمامي العدد السادس، عن فترة كانون الأَول 2024-آذار 2025، وهو يحوي باقة مواضيع ومقالات وصوَر، بينها مجموعةُ بيوت تُؤَنِّق الخشَب في بنائها، كما في ساقية المسك وفاريا وعيون السيمان وقناة باكيش، ومقالٌ عن جناح نهاد السَعيد الثقافي في حرَم متحف بيروت، وجواهرُ متحف سرسق في الأَعياد، ومواضيعُ من زوريخ وميامي واسطنبول وباريس، وملفَّاتٌ عن فنانين ومعارضَ وبيوتٍ وضَّاءَةِ الجمال والمدى، وعن الفنادق ورخاء الحياة، والجوائز والكتُب، إِلى ملف خاص للتسوُّق من كل نوع، خصوصًا أَننا في فترة الأَعياد.
في افتتاحية هذا العدد السادس، كتبَت رئيسة التحرير كريستيانّ طويل: “مجذَّرون نحن في هذه الأَرض، نحمل هيبة تاريخنا وآمالَنا المبتورة وأَحلامنا المكسورة، ونتمسك عميقًا بنبضة الحياة فينا ثورةً صامتةً وقرارًا صارمًا أَلَّا نستسلم”. وبهذا القرار تُواصل كريستيانّ طويل مسيرتَها الجمالية وسْط كلِّ ما كان، أَو قد يكون، في مسيرة الوطن الشائكة.
في أُسبوع الأَعياد، لا أَبهى من تقديم هدايا تَليق بالعيد، كما “أَرقش” نعيمة ممَسْرَحًا، ومجلة Côté Déco بسُطُوع جمالياها.
- هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر منصة (X): @HenriZoghaib