رُغمَ الضغوطِ الأميركية على لبنان، طهران وحدها تملكُ النفوذَ لنَزعِ سلاحِ “حزب الله”
مايكل يونغ*
عادَ السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث إلى سوريا، توم برّاك، إلى بيروت يوم الاثنين الفائت للاستماع إلى آراءِ المسؤولين اللبنانيين حولَ مقترحٍ قدّمه قبل أسبوعين. وبعد وصوله بفترةٍ وجيزة، أعلن أنه “راضٍ ومُمتَنٌّ للاستجابة اللبنانية… نحنُ بصددِ وَضعِ خطةٍ للمضي قُدُمًا، وأشعرُ بتفاؤلٍ كبير”.
تولّى برّاك ملفَّ لبنان مؤقتًا خلفًا للمبعوثة السابقة مورغان أورتاغوس. في 19 حزيران (يونيو)، أحضرَ معه خطةً تُحدِّدُ ملامح نزع سلاح “حزب الله”، والتي من شأنها أن تؤدّي إلى انسحابِ إسرائيل من التلال التي تحتلها في جنوب لبنان. ويشمل المُقترَحُ أيضًا إصلاحاتٍ اقتصادية ومالية.
كما ينصُّ المُقتَرَح على أن يتّجه لبنان وإسرائيل نحو ترسيم حدودهما، مما يُزيلُ أيَّ مُبرِّرٍ لاستمرار المقاومة ضد إسرائيل. وسيطلق بالمقابل الإسرائيليون سراحَ سجنائهم اللبنانيين. وبالتوازي مع ذلك، كان على لبنان أن يُنفّذَ إصلاحاتٍ تُنهي الاقتصاد النقدي، وتُعيدُ هيكلة القطاع المصرفي، وإغلاق بنك “حزب الله” الفعلي، “القرض الحسن”، فضلًا عن مكاتب الصرافة التي تساعد الحزب على تمويل نفسه.
سيُطلَبُ من لبنان وسوريا أيضًا تحسين العلاقات والسيطرة على حدودهما المشتركة التي سيُرسّمانها. ستُوضّح هذه الخطوة لمَن تعود ملكية مزارع شبعا التي تحتلها إسرائيل، وإذا اتفق الطرفان على أنها سورية، كما ذكرت الأمم المتحدة، فسيُنهي ذلك تبرير “حزب الله” لتحرير المزارع.
وأوضح برّاك أيضًا أنَّ المطالبَ جُزءٌ من حزمةٍ أوسع نطاقًا – حزمةٌ تحظى بدعمٍ عربي. إذا فشلَ لبنان في تطبيقِ نزعِ سلاح “حزب الله”، فلن يستفيدَ من الاستثمار الخارجي أو المساعدات لإعادة إعمار البلاد بعد حرب العام الماضي. سيستخدمُ برّاك الآن الردَّ اللبناني للمساعدة على تمهيد الطريق للتقدُّم على الجبهة اللبنانية-الإسرائيلية، لأنَّ الولايات المتحدة تشعرُ أنَّ الآلية التي وُضِعَت لتثبيت وقف إطلاق النار الذي تمَّ التفاوضُ عليه في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي لم تَعُد فعّالة.
في العلن، حافَظَ “حزب الله” على موقفٍ مُتشدِّد، واصفًا الدعوات إلى نَزعِ سلاحه بأنها مطلبٌ إسرائيلي، مدعومٌ من واشنطن، وأصرّ على أنَّ مستقبلَ أسلحته يجب أن يقرّره اللبنانيون. وقد صرّح أمينه العام، الشيخ نعيم قاسم، الأسبوع الفائت: “سنتناولُ ونتّفقُ داخليًا على […] مسائل مثل السلاح وغيره”.
وأضاف: “سلاحُنا موجودٌ لمُواجهة إسرائيل، ولن نتنازلَ عن حقّنا”. ويوم الأحد، صرّح قاسم بأنَّ الحزبَ مستعدٌّ لخيارَين: السلام وبناء الدولة أو المواجهة. وأضاف: “لكننا لن نستسلمَ، ولن نُساوِمَ على حقوقنا وكرامتنا”.
لدى عودته إلى بيروت، بدا برّاك مُصالحًا عندما قال إنه “لا يوجدُ موعدٌ نهائي” لنزع سلاح “حزب الله”.
لقد وَضَعَ المقترَحُ الأميركي اللبنانيين في موقفٍ محرج. فبينما يسعى رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام إلى احتكارِ الدولة للسلاح -وقد جعلا ذلك هدفًا مُعلَنًا لمجلس الوزراء- إلّا أنهما تحَرَّكا ببطءٍ نحو نزع سلاح “حزب الله” لتجنُّب مواجهةٍ مُحفوفةٍ بالمخاطر مع الحزب. ومع ذلك، وتحت ضغطٍ أميركي، ذكرا صراحةً في ردّهما على برّاك أنَّ الدولة وحدها هي التي يجب أن تمتلكَ السلاح، وهو ما كان على “حزب الله” الموافقة عليه.
يَكمُنُ جُزءٌ كبير من المشكلة في أنَّ أيَّ قرارٍ بشأن سلاح “حزب الله”، في نهاية المطاف، سيُتَّخَذُ في طهران، نظرًا لمقتل معظم أعضاء القيادة العليا للحزب العام الماضي، وباتت إيران تتمتّعُ الآن بسلطةٍ مركزية أكبر في شؤونه. وقد أشارت تقارير إخبارية غير مؤكّدة إلى أنَّ عون طرح أخيرًا مسألةَ نزعِ سلاح “حزب الله” مع مسؤولٍ بارز في الحزب، واقترح أن تُصادِرَ الدولة صواريخه، لكن هذا الطرح قوبلَ بالرفض.
علنًا على الأقل، سعى “حزب الله” إلى تصوير نفسه على أنه مَرِنٌ بشأنِ سلاحه. ليس الأمرُ كما لو أنَّ لديه خياراتٍ كثيرة. فالحزب معزولٌ على الصعيد الوطني، وليست لديه آمالٌ جدّية في إحياء استراتيجية عسكرية ضد إسرائيل في الوقت الحالي، مع بقائه عُرضة للهجمات الإسرائيلية. كما إنه يسعى إلى تجنُّب التوترات مع الدولة اللبنانية. وقد وردت تقاريرٌ غير مؤكّدة، أبرزها تقرير نشرته وكالة رويترز في 4 تموز (يوليو)، يفيد بأنَّ “حزب الله” يناقشُ تقليصَ دوره كجماعةٍ مسلحة داخليًا، حتى لو لم يصل هذا إلى حدِّ نزع سلاحه بالكامل.
في الوقت نفسه، لا يُريدُ الحزب أن يُنظَرَ إليه على أنه يُسلّمُ سلاحه تحت ضغطٍ خارجي، وخصوصًاً أميركي وإسرائيلي. إلّا أنَّ هذا قد يُشكلُ مشاكلَ ل”حزب الله”. فقد راهن رئيس لبنان وحكومته بمصداقيتهما على مَنحِ الدولة احتكارًا للسلاح، وقد يُؤدي تردُّدُ الحزب في الموافقة على ذلك، أو رغبته في فَرضِ شروطٍ على نَزعِ سلاحه، إلى توتُّرِ علاقاته بالدولة.
إذا اعتقدَ الأميركيون والإسرائيليون أنَّ الدولة اللبنانية و”حزب الله” يُناوران لكسب الوقت، فمن شبه المؤكد أنَّ إسرائيل ستُصعِّدُ عملياتها العسكرية في لبنان لفَرضِ النتيجة التي تُفضّلها. ويزدادُ هذا الاحتمال إذا انتهى القتال في غزة قريبًا. كما يبدو من غير المرجح أن تدعمَ الولايات المتحدة تجديدَ تفويضِ قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في البلاد في مثل هذه الحالة، في حين أنَّ استمرارَ عدمِ إحرازِ تقدُّمٍ سيعني انقطاع المساعدات لإعادة الإعمار، ناهيك عن الاستثمار الأجنبي في البلاد.
إنَّ مبادرةَ برّاك، الذي من المتوقع أن يعود بعد أسبوعين إلى بيروت، تفتحُ البابَ أمامَ مرحلةٍ جديدة، مرحلةٌ سيُضطرُّ فيها لبنان قريبًا إلى تقديمِ جدولٍ زمني لنزع سلاح “حزب الله”. يبدو أنَّ الرئيسَين عون وسلام مُتَّفقان مبدئيًا على ذلك، في حين أنَّ إيران والحزب غائبان. في ظلِّ هذه الظروف، قد يشعر الرئيسان، على عَكسِ تفضيلاتهما العميقة، أنَّ النفوذَ الوحيد الذي قد يُغيّر موقف “حزب الله” هو ما يوفُّره عدوُّهما اللدود.
- مايكل يونغ هو مُحرّرٌ كبير في مركز مالكولم كير كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيثُ يرأس تحرير مدوّنة “ديوان” التابعة للمركز. وهو كاتب رأي في الشؤون اللبنانية في صحيفة ذا ناشيونال، ومؤلف كتاب “أشباح ساحة الشهداء: رواية شاهد عيان عن كفاح لبنان في الحياة” (دار سايمون وشوستر، 2010)، الذي اختارته صحيفة وول ستريت جورنال كواحد من الكتب العشرة البارزة لعام 2010. يُمكن متابعته عبر منصة (X) على: @BeirutCalling
- كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.