أَوَّل بطَلَة سباق سيَّارات قبل 94 سنة
هنري زغيب*
كانت في الثانية عشْرة حين قادت وحدها سيارة عمِّها. وهي بين أَوائل فرنسيات نلْن إِجازة سوق السيارة، وأَول بطلة سباق سيارات في فرنسا. من هنا، باشتراكها في سباق سيارات ومسابقات ذات صلة، اشتهرت بعبارة “سيمونا… هلُمّي إِلى السيارة”.
إِنها سيمونا لويز دي فوريسْتْ (1910-2004). فماذا عن سيرتها ومسيرتها الفريدة في عصرها؟
أَول سيارة في العالم
هي ابنة ماري سوزان لانجفين وإدمون دوبورد دو فورسْتْ (الضابط من فرقة الخيالة في الجيش الفرنسي). وُلِدت في 6 آذار/مارس 1910 في بلدة رُوْيان (غربي فرنسا). ولأَنها من أُسرة ميسورة، أَمضت سنوات طفولتها الأُولى في قصر فونتورْتْ (وسط فرنسا). وإِذ كانت صناعة السيارات عصرئذٍ حديثة العهد وتتطوَّر بسرعة، أَنجز المهندس الميكانيكي الأَلماني كارل بِنْزْ (1844-1929) إِطلاق النموذج السيَّار الأَول سنة 1886: ثلاثة دواليب يدفعها محرِّكٌ يعمل على البنزين اعتُبِرَت أَول سيارة في العالَم. بعد سنتَيْن (1888) انطلقَت بها زوجتُه برثا بِـنْـزْ (1849-1944) وقادتْها في رحلة من 106 كلم بين المدينتَين الأَلمانيتين مانهايْم وبْفورْزْهايْم، عابرةً ممراتٍ وطرقاتٍ متعرِّجةً غيرَ مهيَّأَة للسيارة، ما جعل برثا أَول امرأَة في العالم تقود سيارة طوال تلك المسافة، أَي خارج ما كان فترتئذٍ مقتصرة على طرقات قصيرة أَو مستديرة خاصة للتجارب.
هواية السباق
سباق السيارات ابتدأَ مع أَواخر القرن التاسع عشر. ومع أَنه كان مقتصرًا على الأَشخاص الميسورين، انتشرت سريعةً صناعة السيارات، فكان في فرنسا سنة 1905 مجموع 21523 سيارة.
اهتمَّت الشابة سيمونا بهواية قيادة السيارة ومزاولة السباق. كانت في الثانية عشرة حين قادت للمرة الأُولى سيارة عمِّها، وفي التاسعة عشرة حين نالت إجازة السَوق سنة 1929 وكانت بين أَوائل السيدات اللواتي في فرنسا نلْنَ هذه الإِجازة، بعد الرائدتَين: دُوقة أُوزيْس (آنَّا دو روشيشُّوار 1847-1933، وهي أَول امرأَة في فرنسا نالت إِجازة سوق السيارات) وكاميليا دو غاسْتْ (1868-1942).
3772 كلم
سنة 1930 كان هوَس سيمونا ازداد بقيادة السيارات ما دفعها إِلى المشاركة بأَول سباق لها، وكان نادرًا وجود المتسابقات فيه، لأَن النساء لم يكنَّ كثيرات في قيادة السيارة (34 امرأة بين سائر الرجال)، وبقيت مقتصرةً على الميسورات فقط. لذلك نالت سيمونا دعم أُسرتها الميسورة وخصوصًا والدتها التي كانت أَحيانًا تجلس إِلى جانبها في السيارة لبعض السباقات.
بدأَت سيمونا بالمشاركة في السباقات بسباق شاطئ لاباراك (تأَسس سنة 1924 بطُول 10 كلم في طرقات متعرجة)، ثم شاركت سنة 1931 في سباق باريس-فيشي (410 كلم) وكانت والدتُها إِلى جانبها. ومنذئذ ذاعت شهرتها “متسابقة محترفة” أَخذت تشارك في سباقات متتالية حتى 1957، ولم تقع في أَيّ حادث طيلة سنوات سباقها الثلاثين.
أَطول سباقاتها كان سنة 1934، مع سائقة أخرى حدَّها: فرناند هوسْتِنْكْسْ، ثم في سباق سيارات مونتي كارلو (أَسسه سنة 1911 أَمير موناكو أَلبرت الأَول) عابرة 3772 كلم انطلاقًا من بوخارست (رومانيا) في سيارة بيجو 301، في طرقات شتوية صعبة ومعقّدة، ومثْلجة في بعض المناطق الباردة، وحلَّت في المرتبة السابعة عشرة ونالت “كأْس النساء” على ما سُمِّي يومها “سيدتان تعبران 3772 كلم”.
سائقة شاحنة الصليب الأَحمر
سنة 1932 تشاركت سيمونا مع صديقتها أُوديت سيكو (1899-1984) في سباق وحلَّت في المرتبة السادسة والثلاثين، والثالثة بين السيدات. وسنة 1937 تشاركت من جديد مع أُوديت سيكو وحققت معها مرتبة متقدمة.
سنة 1940، وخلال الحرب العالمية الثانية، تبرعَت سيمونا أَن تقود شاحنة للصليب الأَحمر كي تساعد الجرحى. وبعد الحرب عادت إِلى سباق السيارات مشاركةً في سباق فرنسا (حلَّت فيه العاشرة)، وفي “سباق أَلف ميل” الإِيطالي، وسباق 1000 كلم نوربورغينغ (أَلمانيا) ومجدَّدًا سباق مونتي كارلو. وبقيَت على هذه الوتيرة من المشاركة في سباق السيارات حتى 1957 وكانت في السابعة والأَربعين من دون تسجيل أَيِّ حادث سير، ومع تقدير مميَّز لأَبرز سائقي السباقات في عصرها.
تزوَّجَت في الثالثة والسبعين
بعد تقاعدها الرياضي انصرفَت سيمونا إِلى تعليم السَوق في مؤَسسة كانت أَسستْها سنة 1950 (وكانت رائدة في هذا النوع من مؤَسسات التعليم) ، وعلَّمَت فيها نحو 25 سنة.
وإلى هوَسها الزائد بالسرعة الزائدة وقيادة السيارات، كان لها كذلك هوس في قيادة الطائرات ونالت إِجازة لقيادتها في سلك الطيران المدني.
سنة 1973 تزوَّجَت سيمونا من إِرنست برنار وكانت في الثالثة والسبعين. وتوفيَت سنة 2004 عن 94 عامًا.
- هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
- يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.