وفاةُ العرب بالتَقسيطِ المُريحِ لإسرائيل

عرفان نظام الدين*

حَلِمتُ بشاعرِ العصرِ الحبيب نزار قباني يسألني بلهفةِ حُزن: هل أعلنوا وفاةَ العرب؟ أم إنّهم تراجَعوا ووَحَّدوا أُمَّتَهُم وأعَدّوا ما استطاعوا من قوّة وهَبّوا من المحيطِ إلى الخليجِ لدَحرِ العدوان الإسرائيلي على أهلهم في غزّة وحَرَّروا الأطفالَ والنساءَ على خُطى مُعتَصِمٍ جديدٍ لبّى نداءَ امرآةٍ عمورية عندما صفعها سجّانُها وصرخت وا معتصماه؛؟

خجلتُ من وَضعِ العرب وتحامَلتُ على نفسي وقلتُ لنزار: لقد تجاوزوا مرحلةَ إعلانِ وفاةِ العرب بأشواط، ولم يَعُد هناكَ من ضرورةٍ للإجابةِ عن سؤالكَ المُحزِن قبل ربع قرن: متى يَعلنونَ وفاة العرب؟ فقد انفرَطَ الجَمعُ وتفرَّقَ العُشّاق تحت أقدامِ المُعتَدين والطامعين.

  • غزت إسرائيل غزة فسكتوا وتغاضوا وتجاهلوا الأخطار كأنَّ الأمرَ لا يعنيهم.
  • ارتكبَ جنودُ الاحتلالِ المجزرةَ تلوَ الأُخرى وأغلبُ العرب أصمٌّ أبكمٌ أعمى لا يفقه.
  • قتلوا النساء وذبحوا الأطفال من دون أن يتحرّكوا، أو يُعلنوا شجبهم وإدانتهم واستنكارهم وتنديدهم كما كان يجري في الماضي على أقلِّ تقدير ولو من باب الخجل إلّا إذا… كان الذين استحوا ماتوا.
  • اغتصبَ المحتلّون حرائر العرب وحتى الرجال والأطفال لم ينجوا من جرائم الاغتصاب على الهواء مباشرة.
  • وهذا القليل مما جرى لأهلنا في غزة، وتمنّينا لو سمعنا استنكارًا واحدًا، أو دعوةً خجولة لمؤتمرِ قمّةٍ عربي رُغمَ اعترافنا بالفشل المُسبَق.
  • ولكن كيف ننتظر ولو لفتة إنسانية للتضامن مع المدنيين الأبرياء بعد أن هدمَ العدوُّ بيوتهم وحتى خيامهم وشرّدَ مئات الالاف من الأطفال الذين فقدوا أهاليهم.
  • يا للعار ويا للخجل من أقذرِ وأحطِّ موقفٍ أو لا موقف بعدما انقسمَ العربُ إلى اتجاهاتٍ مُتباينةٍ بين مؤيّدٍ للعدو بالسرّ لإتمام المهمة القذرة، وبين الشيطان الأخرس الساكت عن الحقّ، وبين صامتٍ ينتظرُ أو خائف من التبعات أو مُتجاهل الأمر كان الأمرَ لا يعنيه، مع أننا نعرفُ ونُدركُ أنَّ الدورَ سياتي إلى الجميع ويقتلهم الأعداء يوم قتلوا الثور الأبيض.

ويبقى السؤال المؤلم، لماذا نسألُ؟ وماذا ننتظرُ ونحنُ تعرفُ البئر وغطاه ونؤمن بأنه ما لجرحٍ بميت إيلام؟
وهنا سكت عن الكلام المُباح ونظرتُ إلى عيني الحبيب الطيب نزار، فلمحتُ دمعةً حرَّى تفيضُ فأدار ظهره وهتف:: وامعتصماه وأسفاه و وَعَرَبا ثم اختفى؟ وبعد هذا لم يبقَ لنا إلّا تقُّبل التعازي حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا… ومع هذا لم نفقد الأمل بيوم ينتصر فيه الحقُّ على الباطل … والله قديرٌ عليم.

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي مُقيم في لندن. كان سابقًا رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية والمشرف العام على محطة “أم بي سي” الفضائية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى