مع اغتيالِ هَنِيّة وشَكَر، “حزب الله” في مأزق؟

مهنَّد الحاج علي*

فَتَحَت مذبحةُ ال12 طفلًا، في مجدل شمس في مرتفعات الجولان المحتلة، البابَ أمامَ مرحلةٍ جديدةٍ في الصراع بين “حزب الله” وإيران من جهة وإسرائيل من جهةٍ أُخرى. كما قدّمت للحكومة الإسرائيلية فُرصةً لتوسيعِ الحدودِ والمعاييرالحالية للصراع.

في لبنان، أدى اغتيال فؤاد شكر، أحد كبار قادة “حزب الله”، في معقل الحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت، إلى إعادةِ ترتيبِ قواعد الاشتباك بين الطرَفَين على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية.

كان الصراعُ محصورًا في الغالب في منطقةِ الحدود على الجانبين، وكُلَّما ضربت إسرائيل خارج هذه المعايير، كان “حزب الله” يستهدفُ قاعدةً عسكرية أعمق داخل الأراضي الإسرائيلية، وغالبًا بدون وقوع إصابات، لتجنُّبِ تزويدِ إسرائيل بحجّةٍ لمواجهةٍ أوسع نطاقًا.

اليوم، يستَوجِبُ استهدافُ الضاحية الجنوبية لبيروت الردَّ لثلاثة أسباب رئيسة:

أوّلًا، إنه الهجوم الثاني من نوعه على الضاحية الجنوبية، بعد اغتيال صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” في كانون الثاني (يناير) الفائت في بيروت.

في ذلك الوقت، تجنَّب “حزب الله” شنَّ هجومٍ على المدن الإسرائيلية للحَدِّ من الصراع وتجنُّبِ حربٍ شاملة. اليوم، سيكون هذا الخيارُ صعبًا لأنَّ الهجومَ، الثاني في غضون ستة أشهر، يضعُ قواعدَ جديدة للاشتباك، مع السماح لإسرائيل بضربِ معقل “حزب الله” عندما ترى ذلك ضروريًا.

ثانيًا، على عَكسِ ضربة كانون الثاني (يناير)، استهدفَ هذا الهجوم قائدًا ل”حزب الله” وقتله إلى جانب مدنيين، بما في ذلك طفلان. سيكونُ من الصعبِ تجنُّبِ الرد. لقد حذّرَ الحزب أصلًا من أيِّ تغييرٍ في قواعد الاشتباك في أعقابِ هجومِ مرتفعات الجولان، ومصداقيته باتت على المحكّ.

في خطاب ألقاه مساء الخميس، قال الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصر الله إنَّ جماعته تدرُسُ ردًّا “حقيقيًا ومَدروسًا”.

ثالثًا، إنَّ اغتيالَ إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي ل”حماس”، على الأراضي الإيرانية من شأنه أن يَستدعي ردًّا مُباشرًا من طهران، كما أكّدت مصادر إيرانية.

في نيسان (أبريل) الفائت، أدّى الهجوم الإيراني إلى تصعيدٍ من لبنان، حيث استخدمَ “حزب الله” أسلحةً وتكتيكاتٍ جديدة. وقد يحدُثُ هذا الآن مع رَدٍّ إيراني مباشر مُتَوَقَّع على مقتلِ هَنية.

سواءَ كانَ هجومُ مجدل شمس خطأً ميدانيًا ل”حزب الله” أو خطأً في الحُكم أو ضربةً من حليف، فقد جاء في الوقت المناسب لحكومة بنيامين نتنياهو. يواجِهُ هذا الأخير ضغوطًا كبيرة في الداخل لإبرامِ اتفاقٍ مع “حماس” لإطلاقِ سراحِ الرهائن الإسرائيليين من قطاع غزة. يُريد رئيس الوزراء الإسرائيلي تجنُّبَ ردِّ الفعل والتداعيات من صفقةٍ مع “حماس”، والتي قد تؤدي إلى نهاية حكومته اليمينية المتطرفة، وربما حياته السياسية.

في الوقت نفسه، فهو حريصٌ على عودةِ إدارة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وقد تكونُ للتصعيدِ قبل الانتخابات الأميركية تداعياتٌ على الإدارة الحالية، خصوصًا إذا تمَّ جرُّها إلى صراعٍ آخر في الشرق الأوسط.

إنَّ التصعيدَ مع “حزب الله” وإيران قد يساعدُ نتنياهو على النجاة من الضغوط الداخلية أو يمنحه نقاطًا كافية على بطاقة نتائج الحرب لاختيارِ اتفاق وقف إطلاق النار. قد يمنحُ التصعيدُ مع “حزب الله” وإيران نتنياهو الوقتَ والنصرَ على خصمِ إسرائيل، لكنَّ الحربَ الأوسع نطاقًا قد تَعكُسُ أيَّ مكاسب.

لا يمتلكُ “حزب الله” قوّةً نارية أقوى من “حماس” فحسب، مع صواريخ وطائرات مُسَيَّرة يمكن أن تصلَ إلى أيِّ نقطةٍ داخل إسرائيل، بل يمكن لحلفاء المنظمة الإقليميين في جميع أنحاء المشرق العربي وفي اليمن أن يحشدوا ويهبّوا لمساعدتها، مما يرفع تكلفة الصراع على إسرائيل المُنهَكة أصلًا من الحرب.

مع ذلك، فإنَّ “حزب الله” سيكون الخاسر الأكبر. لقد انضمت المنظمة إلى الصراع في 8 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، بهجماتٍ محدودة، مُصَمَّمة للضغطِ على إسرائيل ولكن ليس لبدءِ حربٍ شاملة. مع ذلك، أثبتت معايير الصراع الحذرة هذه أنها مُكلِفة ل”حزب الله”، حيث قُتِلَ المئات من المقاتلين والقادة والمدنيين على الجانب اللبناني، بينما خسرت إسرائيل بضع عشرات من الجنود والمدنيين.

لقد ثَبُتَ أنَّ الإِعدادَ المحدودَ للحربِ مُكلِفٌ، مع القوة الجوية والقدرة الاستخباراتية اللتين تتمتّعُ بهما إسرائيل، واستخدامها لتقنياتِ تجسُّسٍ مُتَطوّرة جديدة وسنواتٍ من التسلُّل إلى “حزب الله” ولبنان. وعلى الرُغمِ من التكاليف الباهظة للصراع المُستَمِرّ، فإنَّ المنظمة ستخسر المزيد إذا اختارت الخروج من الحرب، حيثُ أنَّ الانسحابَ من شأنه أن يُضعِفَ هذا التحالف الإقليمي المُسمّى “محور المقاومة” و”وحدة الساحات”، واللذين يتمُّ اختبارهما الآن مع الميليشيات في اليمن ولبنان والعراق التي تدعم “حماس” ضد إسرائيل.

إذا وافقت المنظمة على وقفِ إطلاق النار بينما تستمرُّ حرب غزة، فإنَّ مكانة “حزب الله” بين حلفائه ودوره القيادي في هذا المحور سوف تعاني، ناهيك عن مكانته في جميع أنحاء المنطقة العربية.

في الوقتِ نفسه، لا يمكن للمنظمة الدخول في حربٍ شاملة هدّدت فيها إسرائيل بالفعل بتدميرِ جُزء كبيرٍ من لبنان، على غرار حملة الأرض المحروقة التي شنّتها في قطاع غزة. إنَّ تدميرَ لبنان من شأنه أن يخلقَ أزمةً ل”حزب الله” بعد الحرب، حيث سيتمُّ إلقاءُ اللوم عليه للانضمام إلى الصراع في المقام الأول، لدعم غزة وليس للدفاع عن مصالح لبنان.

إنَّ “حزب الله” عالقٌ الآن في متاهةٍ من الفخاخِ المُترابطة، والطريقة الوحيدة للخروج من هذه المتاهة هي الانتظار لفترةٍ طويلة في ظلِّ حربٍ محدودة، إلى أن يُقرِّرَ نتنياهو ــالذي يفتقرُ إلى رؤيةٍ لليوم التالي ــ وَقفَ إطلاق النار أو انهيار حكومته. ومن المؤكد أنَّ التصعيدَ الأكبر من شأنه أن يُعرِّضَ للخطر السبيل الوحيد المرئي للخروجِ من المأزق.

  • مُهَنَّد الحاج علي هو نائب مدير الأبحاث في مركز مالكولم كير كارنيغي للشرق الأوسط. يمكن متابعته عبر محطة (X) على: @MohanadHageAli

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى