نابوليون وجوزفين: الحبُّ العاصِفُ المُغَمَّس بالقَهر (1 من 3)

نابوليون يتوِّج زوجته والبابا يتفرَّج

هنري زغيب*

في صفحات التاريخ الفرنسي قصص كثيرة عن نابوليون بونابارت وحبيبته (ثم زوجته) جوزفين بوهارنيه، تراوحت فصولها بين الحب المجنون من الطرَفين( وإِن يكن من جهته هو أَكثر مما لديها هي)، والغضب الجنون (بسبب ما كان يتواتر إِلى كليهما من أَخبار خيانات يرتكبانها نزوة أَو شهوةً أَو انتقامًا).

في هذه الثلاثية نبذة عن تلك القصص وأَمواجها المتلاطمة بين السكينة والأَنواء.

هنا الجزء الأَول منها.

جوزفين: هيبة وذكاء

14 سنة معه

كان حبًّا عاصفًا ذاك الذي قاد نابوليون بونابارت إِلى أَن يصطدم بالبابا من أَجل زواجه من جوزفين.

وهي بقيَت معه 14 سنة: منذ صعود أَلقه في المراتب العسكرية في الجيش، فتعيينه قنصلًا أَول، حتى تكريسه أَمبراطورًا سنة 1804. وما حصل يومها أَن البابا بيوس السابع، فيما حمل التاج كي يرفعه إِلى رأْس نابوليون، تناوله هذا الأَخير ووضعَه هو على رأْسه، ثم وضع التاج الآخَر على رأْس جوزفين متوجًا إِياها أَمبراطورة الفرنسيين، فيما البابا رفع يده مباركًا كلَيهما. وكانت علاقتهما طويلًا معتبرة نموذجًا لعلاقة الحب العاصف، خصوصًا لِما جاء في رسائله العاشقة اللاهبة إِليها. ومرت بعلاقتهما أَحداث كثيرة بين حب عنيف وخيانات متبادلة ومكائد سياسية.

ومهما يكن من أَمره هو، فإِنه الأَمبراطور الذي قاد فرنسا من خرائب الثورة إِلى السلام والاستقرار السياسي، موسِّعًا فتوحاته العسكرية التي قادته، بين 1809 و1811 إِلى أَن يكون مهيمنًا على معظم أُوروبا.

غرفة نوم جوزفين

هل هي حبُّهُ الوحيد؟

ومهما قيل في “تضخيم” قصة الحب بينهما، فثمة مؤَرخون يعتبرون أَن جوزفين هي حب نابوليون الوحيد، حتى أَن بعضهم ذهب إِلى رأْي أَن نابوليون الذي خرج من بيئة عادية، وصل إلى العالم وكان يقود، في الوقت ذاته، حربًا عاطفية ضد خيانات زوجته. ولكسب حبها راح يغزو بلدان العالم حتى إِذا فشل في كسب ذاك الحب، ظل يعمل على تدميرها حتى تدَمَّر هو أَيضًا معها. وفي دراسات تاريخية أُخرى أَنْ لم تكن وحدها الخائنة بل هو أَيضًا ارتكب الخيانات ذاتها.

مَن هي؟

ولدت ماري جوزف روز تاشِر دولاباجري نهار 23 حزيران/يونيو 1763 في جزيرة المارتينيك (مستعمَرة فرنسية في البحر الكاراييبي). كانت أسرتها الميسورة تدعوها روز، وعاشت معها في مزرعة مزدهرة. وحين تدهوَرَت أَوضاع أَهلها اقتصاديًّا وماليًّا انتقلت إِلى باريس، وعقدت في السادسة عشرة من عمرها زواج مصلحة مع الكونت الثري أَلكسندر بوهارنيه، أَحد نبلاء باريس. وَلَدت له ابنًا (أُوجين) وابنة (أُورتانس). ترمَّلَت في الحادية والثلاثين من عمرها إِذ أُعدم زوجها بقطع رأْسه إِبان الثورة الفرنسية، تارًتا لها تراكُمًا من الديون المرهقة، ومسؤُولية تربية الولَدين. لكنها سرعان ما عقدت شبكة من العلاقات الاجتماعية والدبلوماسية فسطعَت شهرتها في العاصمة. وظلت تشق طريقها في صفوف تلك الشبكة حتى التقت بونابارت ذات يوم من 1795.

شغف جوزفين بالأَزياء المزركشة

الأَرملة الأَنيقة

يومَها كانت في الثالثة والثلاثين، وتكبره بست سنوات. وكانت نبيلة المنظر، أَرملة محترمة، وأُمًّا لولدَين. سُجِنت فترةً إِبّان “حكْم الرعب” في الثورة الفرنسية التي استمرَّت عشر سنوات (1789-1799)، وكان مناوئو الثورة يُشنَقون أَو تُقطَع رؤُوسهم في الساحات العامة بين أَيلول/سبتمبر 1793 وتموز/يوليو 1794. وكادت روز تلقى المصير ذاته، لكنها حُرِّرَت في نهاية فترة الرعب، لثبوت براءَتها من العمل ضد الثورة. ويرى محللون في التاريخ أَن فترة سجنها أَثَّرَت سلبًا عليها بضائقة نفسية وعذاب خانق حتى أَنها، بعد تحرُّرها، عاشت فترة من التبذير الفوضوي والعلاقات الرومنسية الجارفة والحاجة إِلى الأَمان والحماية.

أَمَّا هو …

في تلك الأَثناء، كان نابوليون أَيضًا طالعًا من أُسرة منهَكة اقتصاديًّا وماليًا. فهو وُلد سنة 1769 في جزيرة كورسيكا (وكانت، كالمارتينيك، تحت سيطرة الحكم الفرنسي). منذ طفولته برز ذكاؤُه الحادّ، وتصميمه على تحسين وضعه. لذا راح يناضل كي يخرج من الأَزمات العائلية والاجتماعية والمالية، ونجح في تخَطيها تباعًا ببُطْءٍ إِنما بثقة. والده كان هو الذي دفعه إِلى الانخراط في الحياة العسكرية ففعل، وراح يتدرَّج بسُرعة في مراتبها. يوم التقى جوزفين كان جنرالًا في الجيش، لكنه كان مُحكومًا ببعض العُقَد، منها قِصَرُه، وشكله غيرُ الجذَّاب، وشعورُه غالبًا بالدونية، بعيدًا تمامًا عن الأَمبراطور العظيم الذي سيصبحه لاحقًا بعد عشر سنوات.

في الجزء الثاني من هذه الثلاثية: اضطرابات الحب العاصف

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى