وفاة رئيسي تُسَلِّطُ الضوءَ على عَدَمِ الاستقرارِ في إيران والزَعزعةِ المُحتَمَلة في مرحلةِ ما بعدَ خامنئي

بدون وجود شخصيات مؤثّرة من خلفياتٍ مختلفة للمساعدة على إدارة العملية الانتقالية، يبدو من المرجح بشكلٍ متزايد أنَّ احتمالاتَ عدم الاستقرار داخل الحكومة الإيرانية سوف تتصاعد بشكل ملحوظ بعد خامنئي.

الحرس الثوري: ستكون الكلمة النهائية دائمًا له في أيِّ حكم مستقبلي.

ماري عبدي*

كانت وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي بمثابةِ تذكيرٍ صارخٍ بعدمِ الاستقرار المُتفشّي داخل نظام الحكم الإيراني وتداعياته المحتملة على مستقبل الجمهورية الإسلامية.

في أعقابِ وفاة الرئيس الإيراني في حادث تحطّم طائرة هليكوبتر في أواخر شهر أيار (مايو)، اتشرت شائعاتٌ ومناقشاتٌ على نطاقٍ واسع تُشكّكُ بالظروف المُحيطة بالحادث على وسائل الإعلام الناطقة بالفارسية وشبكات التواصل الاجتماعي. يدورُ العديد من هذه المناقشات حول احتمال مقتل أو اغتيال رئيسي. وعلى الرُغمِ من عدم نشر معلوماتٍ موثوقة تؤكّدُ ذلك، فمن الواضح أنَّ الكثيرين من الإيرانيين يشككون في رواية الحكومة القائلة بأنَّ الحادث كان قضاءً وقدرًا.

هذه الشكوكُ شائعة حتى بين المؤيّدين المُخلصين للجمهورية الإسلامية وأولئك الذين يرتبطون ارتباطًا وثيقًا بالحكومة – بمَن فيهم، على ما يبدو، والدة رئيسي. بعد وفاة رئيس الجمهورية، ظهرَ مقطع فيديو تلعن فيه بشدة “أي شخص غير الله” الذي “قتل” ابنها. وفي الوقت نفسه، تستخدِمُ الأجهزة الأمنية الإيرانية أساليب واسعة النطاق للترهيب والقمع ضد الأفراد الذين يجرؤون على تحدّي الرواية الرسمية حول وفاة الرئيس.

عدم استقرار الرئاسة

لفَهمِ سببِ وجود الكثير من عدم اليقين والشكوك حول وفاة رئيسي، لا يحتاج المرء إلى النظر إلى أبعد من مصيرِ رؤساء السلطة التنفيذية السابقين على مدار تاريخ الجمهورية الإسلامية الممتد لـ44 عامًا. باستثناء علي خامنئي، الذي تولّى دور المرشد الأعلى في العام 1989، فإنَّ جميع رؤساء السلطة التنفيذية الآخرين إما فقدوا مناصبهم الحكومية أو حياتهم.

يُعَدُّ مهدي بازركان، الذي تولّى منصب رئيس وزراء الحكومة المؤقتة بعد ثورة 1979، المثال الأول على هذا الاتجاه. أدّت خلافاته مع رجال الدين الحاكمين إلى استقالته القسرية في العام 1980، وبعد ذلك ظل في حالة من الاستياء من السلطات حتى وفاته في العام 1995. وأبو الحسن بني صدر، أول رئيس للجمهورية لإيران، فرَّ من البلاد في العام 1981 لإنقاذ حياته وقضى بقية أيامه في المنفى، وتوفي في العام 2021. واغتيل كلٌّ من محمد علي رجائي، الرئيس الثاني للجمهورية، ومحمد جواد باهنر، رئيس الوزراء، في تفجيرٍ نُسِبَ إلى منظمة مجاهدي خلق في العام 1981. وكثيرًا ما اشتبك مير حسين موسوي، الذي خلف باهونار كرئيسٍ للوزراء، مع خامنئي رئيس الجمهورية آنذاك، وتمّ تهميشه بعد أن أصبح الأخير المُرشد الأعلى. وترشّحَ موسوي لاحقًا لرئاسة الجمهورية في العام 2009؛ ولكن بعد اتهامه الحكومة بتزوير الانتخابات بشأن النتائج، الأمر الذي أثار احتجاجات الحركة الخضراء، وُضِعَ في الإقامة الجبرية منذ ذلك الحين.

مع صعودِ خامنئي إلى منصب المرشد الأعلى وإلغاء دور رئيس الوزراء في الدستور الإيراني، أصبح علي أكبر هاشمي رفسنجاني أول رئيسٍ للعصر الجديد في العام 1989. ومع ذلك، أدت خلافات رفسنجاني المتزايدة مع خامنئي في النهاية إلى استبعاده من قبل مجلس صيانة الدستور –وهي هيئة متحالفة مع المرشد الأعلى مسؤولة عن فحص المرشحين الانتخابيين– من الترشّح في الانتخابات الرئاسية لعام 2013. وغرق رفسنجاني في ظروف مُريبة في العام 2017، وتعتقد عائلته أنه قُتل.

كما واجهَ الرؤساء اللاحقون ــ محمد خاتمي، ومحمود أحمدي نجاد، وحسن روحاني ــ صراعات خطيرة مع المرشد الأعلى ومعاونيه، وخصوصًا خلال فترة ولايتهم الثانية. لقد تمَّ تهميشُ الثلاثة بعد رئاستهم، حيث واجه شركاؤهم ضغوطًا أمنية واتهامات بالعداء تجاه قيادة الجمهورية الإسلامية ومؤسّساتها.

خاتمي، الذي دَعَمَ موسوي في انتخابات العام 2009، تمَّ طرده فعليًا من السياسة بعد ذلك، إلى حدِّ أنَّ صورته مُنعَ نشرها في وسائل الإعلام الرسمية. ومنع مجلس صيانة الدستور روحاني من الترشّح لانتخابات العام 2024 لمجلس الخبراء، الهيئة المسؤولة عن اختيار المرشد الأعلى المقبل. وحتى أحمدي نجاد، على الرُغم من تمتّعه بالدعم الكامل من المرشد الأعلى خلال فترة ولايته الأولى والجُزء الأول من ولايته الثانية، تم استبعاده لاحقًا من الانتخابات الرئاسية لعامَي 2017 و2021.

ويُغذّي مصير أحمدي نجاد، على وجه الخصوص، التكهّنات بأنه على الرُغم من علاقات رئيسي الوثيقة مع المرشد الأعلى، ليس هناك ما يضمن أنه كان سيظل يدعمه حتى انتهاء ولايته الثانية لو بقي على قيد الحياة. في النهاية، انقطعت فترة رئاسته بوفاته المفاجئة قبل انتهاء فترة ولايته الأولى التي تستمر أربع سنوات.

هناك الكثير من التكهّنات الآن حول مَن سيحلُّ محلّه. ومع ذلك، فإنَّ مَن يتولى هذا الدور بعد ذلك سيرث منصبًا يرمزُ إلى عدم الاستقرار وسوء الحظ على مدى أكثر من أربعة عقود. وهذا أمرٌ مهم بشكلٍ خاص نظرًا لاحتمال أن يكون الرئيس المقبل في منصبه خلال الفترة المضطربة للغاية بين وفاة خامنئي وتوطيد السلطة من قبل خليفته.

الوضع الهشّ للخلفاء المُحتَمَلين للمرشد الأعلى

تصبحُ الأهمية الرمزية لوفاة رئيسي أكثر وضوحًا نظرًا لدوره المزدوج كرئيسٍ وخليفةٍ مُحتَمل طويل الأمد للمرشد الأعلى. تاريخيًا، في الجمهورية الإسلامية، كان المرشحون لخلافة القيادة، مثل رؤساء السلطة التنفيذية، إما يفقدون مناصبهم الحكومية أو يموتون بشكلٍ غير متوقَّع.

خلال فترة تولي آية الله روح الله الخميني منصب المرشد الأعلى، برز آية الله حسين علي منتظري كمرشّحٍ رئيس لخلافته. وفي العام 1985، تم تعيين منتظري رسميًا خلفًا للخميني من قبل مجلس الخبراء. ومع ذلك، في أعقابِ انتقادات منتظري للخميني بشأن عمليات الإعدام الجماعية للسجناء السياسيين في العام 1988، عزله المرشد الأعلى آنذاك من منصبه في أوائل العام 1989، مما أدى إلى إقصائه فعليًا من الحياة السياسية.

لم يكن منتظري الخليفة المُحتَمَل الوحيد للخميني الذي تمَّ إبعاده عن المجال السياسي. في أعقاب الثورة الإسلامية، لقي ثلاثةٌ على الأقل من رجال الدين المؤثّرين الذين كانوا يُعتَبَرون من كبار المرشحين لخلافة الخميني، نهايتهم في وقتٍ غير مناسب. لقد اغتيل مرتضى مطهري، أول رئيس للمجلس الثوري، في ربيع العام 1979 على أيدي جماعةٍ أصولية منافسة تُعرَف باسم “أنصار الفُرقان”. توفي محمود طالقاني، الرئيس الثاني للمجلس الثوري، بنوبة قلبية في صيف العام 1979، مع اشتباه بعض أفراد عائلته في وجود جريمة. قُتل محمد بهشتي، الأمين العام للحزب الجمهوري الإسلامي، الذي كان المنظمة السياسية الرائدة لرجال الدين الحاكمين، في تفجيرٍ نُسِبَ إلى منظمة مجاهدي خلق في صيف العام 1981.

في ظل قيادة خامنئي، فَقَدَ أولئك الذين يُعتَبَرون من كبار المرشحين لخلافته ثقته وكذلك مواقعهم واحدًا تلو الآخر. كان رفسنجاني، الذي لعب دورًا حاسمًا في صعود خامنئي إلى القيادة، يُنظرُ إليه في البداية على أنه خليفةٌ رئيسيٌّ، لكنه شهد في وقت لاحق انحدارًا سياسيًا حادًا.

بعد رفسنجاني، ظهر محمود هاشمي شاهرودي، الذي شغل منصب رئيس السلطة القضائية في أواخر التسعينيات الفائتة، كخليفةٍ محتمل. كان الشاهرودي قريبًا في البداية من أحمدي نجاد وفريقه، لكن مكانته تضاءلت في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مع تضاؤل ​​نفوذ أحمدي نجاد. ومن المتوقع أيضًا أن يكون صادق لاريجاني، الرئيس التالي للسلطة القضائية، هو الخليفة المحتمل. مع ذلك، في أواخر العام 2010، أصبح متورّطًا في صراعٍ على السلطة مع رئيس جهاز المخابرات التابع للحرس الثوري الإسلامي آنذاك، حسين طيِّب، الذي كان مُقرَّبًا من مجتبى خامنئي، نجل آية الله خامنئي. وبعد تراجع لاريجاني، اعتُبر رئيسي ومجتبى خامنئي المرشَّحَين الرئيسيين لخلافة المرشد الأعلى. والآن تم إقصاء رئيسي أيضًا من المشهد السياسي الإيراني.

في ظلِّ الظروف الجديدة، ورُغمَ أن مجتبى خامنئي هو أبرز المرشحين المحتملين لخلافة القيادة، إلّا أنه ليس المنافس الوحيد. على سبيل المثال، في السنوات الأخيرة، ذُكر أيضًا علي رضا أعرافي، الرئيس المؤثر للمعاهد الدينية في إيران، كخليفة محتمل. بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن تتم إضافة أفراد آخرين إلى قائمة المرشحين للقيادة في المستقبل.

بغضِّ النظر عن مدى احتمالية نجاح المرشَّحين الحاليين أو الجدد، فلا يمكن افتراض أنهم سيحتفظون بمناصبهم إلى أجل غير مسمّى. وحتى لو لم يفقدوا ثقة المرشد الأعلى، فليس هناك ما يضمن أنهم لن يموتوا قبله أو يتم استبعادهم من الترشّح لأسبابٍ أخرى.

يشير كل هذا إلى أنه، اعتمادًا على مدة حياة المرشد الأعلى، فإنَّ القائمة النهائية للمرشحين المحتملين تخضع لتغييرات مختلفة قد تكون غير متوقَّعة على الإطلاق.

انتقال غير مؤكد في ظل غياب الجهات الفاعلة ذات الوزن الثقيل

مع المضي قُدُمًا، لا تزال حالةُ عدم اليقين بشأن قدرة الجمهورية الإسلامية على التحمّل كنظامٍ سياسي تلوحُ في الأفق. مع ذلك، فحتى لو وضعنا جانبًا احتمال تغيير النظام المحتمل، فإنَّ وفاة رئيسي، كرئيسٍ ومرشَّح أساسي لدور المرشد الأعلى، تُبرِزُ عدم الاستقرار المتأصّل داخل أعلى مستويات السلطة في إيران.

حتى الآن، تُعتَبَرُ الرئاسة والقيادة العليا من اختصاص أبرز شخصيات النظام. ومع ذلك، فقد تم عزل جميع الرؤساء والمرشحين لخلافة القيادة تقريبًا من السلطة أو ماتوا. بمعنى آخر، لا يوجد أيٌّ من هذه الشخصيات البارزة تقريبًا في وَضعٍ يسمحُ لها حاليًا بلعب دورٍ مهم في الفترة الحساسة للغاية بعد وفاة خامنئي.

مع استمرار تهميش أو استبعاد رجال الدين المؤثّرين الذين كان يُنظَرُ إليهم ذات يوم على أنهم خلفاءٌ مُحتمَلون، ومع التراجع العام في مكانة رجال الدين في إيران، فمن المتوقع أن تتولى شخصية أقل نفوذًا بشكلٍ ملحوظ السلطة بعد خامنئي. في مثل هذا السيناريو، فإنَّ الحرس الثوري الإيراني –باعتباره أقوى جهة عسكرية وأمنية واقتصادية في إيران– سوف يلعب بلا شك دورًا مركزيًا في تشكيل ديناميكيات السلطة في البلاد.

في السنوات الأخيرة، حتى قادة العسكر القلائل الذين يتمتّعون بالقدرة على توحيد الفصائل الحاكمة المُتباينة في الجمهورية الإسلامية، واجهوا نهاياتٍ مبكرة. وأبرز مثال على ذلك هو قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الذي قُتِلَ على أيدي الجيش الأميركي في غارة بطائرة مُسَيَّرة في بغداد في أوائل العام 2020. وكان سليماني يتمتّعُ بنفوذٍ كبير عبر مختلف فصائل النظام الإيراني وربما كان المسؤول الأكثر شعبية في الجمهورية الإسلامية – على الرُغمِ من أنَّ المعيارَ ليس مرتفعًا جدًا لأن معظم المسؤولين لا يتمتّعون بشعبيةٍ بشكلٍ عام. وكان منصبه في الحرس الثوري الإيراني مختلفًا عن منصبِ أيِّ قائدٍ آخر. إنَّ حفنةً من الشخصيات العسكرية المعروفة غالبًا ما تدين بشهرتها للمناورات السياسية، أو الخلافات الإدارية، أو الفضائح الاقتصادية، وليس لأدائها العسكري أو تجربتها في زمن الحرب.

بدونِ وجودِ شخصياتٍ مؤثّرة من خلفياتٍ مختلفة للمساعدة على إدارة العملية الانتقالية، يبدو من المرجح بشكلٍ متزايد أنَّ احتمالاتَ عدم الاستقرار داخل الحكومة الإيرانية سوف تتصاعد بشكل ملحوظ بعد خامنئي. وهذا السيناريو سيُعرّضُ الجمهورية الإسلامية حتمًا لمخاطر غير مسبوقة يمكن أن تُعرّضَ وجودها للخطر.

مع ذلك، فإنَّ هذا لا يعني بالضرورة أن نهاية عهد خامنئي ستؤدي إلى سقوط النظام الإيراني أو الدخول في تغييرٍ جذري. من غير المرجح أن تحدثَ تغييرات أوسع نطاقًا إلّا إذا أمكن، من خلال مجموعةٍ من العوامل الداخلية والخارجية، استغلالُ الفراغ الناجم عن وفاة آية الله خامنئي بفعالية لدفع جُهدٍ شاملٍ لتحقيق هذه التغييرات.

في غياب قوة قوية بما يكفي لدفع مثل هذا التحوّل، قد يتمكّن النظام الإيراني من البقاء في ظل ظروف غير مستقرة إلى حد كبير بعد وفاة المرشد الأعلى. وفي المقابل، من الممكن أن يظهرَ في نهايةِ المطاف خليفة أضعف ليتولى قيادة نوع مختلف من الجمهورية الإسلامية: نظامٌ سياسيٌّ ضعيف، حيث يلعب العسكر (خصوصًا الحرس الثوري) دورًا أكثر بروزًا من أيِّ وقت مضى، ومع ذلك يستمر في البقاء.

  • ماري عبدي هي باحثة سياسية إيرانية تركز على الاستراتيجيات المحلية والإقليمية للجمهورية الإسلامية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى