بالنسبةِ إلى دولِ مجلس التعاون الخليجي، الاقتصادُ الرَقمي هو النَفطُ الجديد
محمّد العارضي*
قامَ البنك الدولي بمراجعةِ توقّعاته للنمو الاقتصادي لعام 2023 لدول مجلس التعاون الخليجي، من 7.3 في المئة العام الماضي إلى 3.2 في المئة. يعتمد هذا على افتراضِ أنَّ المكاسبَ غير المُتَوَقَّعة من ارتفاعِ أسعارِ النفط ستنتهي. في حين أن هذا قد يبدو مُحبِطًا في البداية، إلّا أنه تذكيرٌ مُفيدٌ للمنطقة بأن التنويعَ الاقتصادي يجب أن يظلَّ أولويّة أساسيّة حتى لا يتأثر بأسعارِ الوقود في السنوات المقبلة.
لقد قطعت دولُ الخليج شوطًا طويلًا في العقود القليلة الماضية، ما قلّلَ من اعتمادها على النفط والاستثمار في مواطنيها – وهم بلا شك أكبر الأصول والقوة الدافعة نحو النجاح. لقد كان التنويعُ الاقتصادي هدفًا مستمرًّا، وبينما لا نشكُّ في أنه تمَّ إحرازُ تقدّمٍ كبير، يجب علينا باستمرار إعادة تقييم جهودنا وتكييفها وفقًا لاتجاهات وتوقّعات الأعمال.
نظرًا إلى الوتيرة السريعة التي تنمو بها الصناعات الرقمية عالميًا، يجب أن تكون جُزءًا لا يتجزّأ من خطط النمو في منطقتنا. ينبغي أن نأخذَ الخبرة التي نمتلكها في مجموعةٍ متنوِّعة من المجالات –من النفط إلى مصادر الطاقة المتجدّدة، وإشراك الشباب، والشركات الصغيرة والمتوسّطة، والسياحة، والزراعة، والمؤتمرات والفعاليات التجارية، إلى البيع بالتجزئة. هذا يضع منطقتنا في ميزةٍ في ساحة الأعمال الدولية– يجب أن نأخذ مركز الصدارة لتطوير وتعزيز الحلول الرقمية الخاصة بمجالات الأعمال هذه، وتسويقها للاعبين في الصناعة في جميع أنحاء العالم.
هناك مجالٌ لإجراءِ بحث حول احتياجات ورغبات شركاء الأعمال المُحتَمَلين عبر الحدود، والتواصل معهم لتقديم حلول تعالج تحدياتهم وأهدافهم وتولّد فرصَ عملٍ في المنطقة.
يمكن للبنوك والحكومات في دول مجلس التعاون الخليجي أيضًا تحفيز رواد الأعمال التقنيين الحاليين والطامحين في المنطقة، مع التركيز بشكلٍ خاص على التعاون عبر الحدود لدعم النمو على مستوى المنطقة. بينما تفتخر المنطقة بسلسلة من السياسات الداعمة، هناك دائمًا مجالٌ للبناء على هذه العروض وجعلها في متناول رواد الأعمال – من التمويل إلى برامج التوجيه والشبكات.
أصبح الإدماج الاقتصادي للمواطنين الذين يواجهون حواجز أمام الأشكال التقليدية للتوظيف وريادة الأعمال أكثر سهولة من أيِّ وقتٍ مضى، وذلك بفضل التقنيات الفعالة. يجب على الحكومات والشركات في المنطقة التعامل مع هؤلاء المواطنين –بمن فيهم النساء في أدوار تقديم الرعاية، والطلاب وكبار السن– لطرحِ الأفكار حول الطرق التي تُحقّقُ أفضل استخدامٍ لمواهبهم من خلال استخدام القنوات الرقمية ذات الصلة.
يجب على الشركات القائمة في المنطقة أيضًا إعادة تقييم استخدامها للتكنولوجيا والبحث عن أحدث الحلول وأكثرها كفاءة لعملياتٍ سَلِسة ومتطوّرة. علاوة على ذلك، ينبغي عليها تعزيز بيئة التعلّم الرقمي المستمر بحيث تكون الإدارة جنبًا إلى جنب مع الموظفين، على مستوياتٍ مختلفة من المؤسسة، على دراية بأحدث تقنيات الصناعة والابتكار.
إلى جانب رقمنة مكوّنات الأعمال الحالية على نطاق واسع قدر الإمكان، يمكن للشركات أيضًا النظر في توسيع وإنشاء منتجات وخدمات هي بالكامل رقمية بطبيعتها. إن تنويع المصالح التجارية لن يحمي الاقتصاد فحسب، بل سيحمي مصالح أصحاب المصلحة في المنظمة ككل. يجب عدم ترك أي حجرٍ بدون قلبه في ما يتعلق بالمشاريع المحتملة التي يمكن أن تخلقَ المزيد من الوظائف وتدفّقات الإيرادات الإضافية.
يتمتّع شباب منطقتنا بالذكاء التكنولوجي والابتكار – ومع ذلك، هناك مجالٌ لتسهيل المسارات المهنية وريادة الأعمال التي تُعالجُ الرقمنة على نطاقٍ واسع. يمكن للمؤسسات التعليمية وقادة الصناعة توحيد قواهم للتعاون وتحقيق نتائج تآزرية، من تجمّعٍ للمواهب الماهرة المتزايدة، إلى الابتكارات المحلية التي يمكن أن تدفع النمو الاقتصادي الوطني.
يمكن أن يساعد التعاون الوثيق بين قادة التكنولوجيا والمؤسسات التعليمية على سَدِّ أيِّ فجواتٍ قد تكون موجودة بين الأوساط الأكاديمية والعالم المهني، ما يُمكّنُ الطلاب والخريجين الشباب من استيعابِ أعلى معايير الصناعة والأداء بمجرد دخولهم سوق العمل.
تقع منطقة الخليج على رادار المستثمرين الأجانب، وليس هناك حقًا وقتٌ أفضل من الآن لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر نحو الصناعات الرقمية، التي تستعدُّ للنمو، وتشجيع القادة العالميين في هذا المجال على إنشاء متجر أو التوسع في المنطقة.
من خلال البُنى التحتية للأعمال الفعّالة التي تتطوّر باستمرار، والتيار المثقف والمتحمّس من المهنيين الشباب والموقع الجغرافي الذي يربط بين الأسواق المختلفة في جميع أنحاء العالم، توفر منطقتنا المشهد المثالي للمستثمرين من خلفياتٍ مختلفة. على الرُغمِ من أنَّ منطقة دول مجلس التعاون الخليجي قد استقطبت قدرًا كبيرًا من الاهتمام، إلّا أننا يجب أن نُركّزَ أعيننا على الجائزة وإيجاد طرقٍ مُبتَكَرة لجذب الاستثمار الأجنبي.
يمكن للحكومات أيضًا أن تُركّزَ بشكلٍ خاص على الاستثمار في مرافق البحث والتطوير داخل المنطقة. علاوةً على ذلك، يمكنها دعوة قادة التكنولوجيا من جميع أنحاء العالم حتى يتمكنوا من المشاركة مباشرة مع السوق ورؤية كيف تتوافق منطقتنا مع رؤيتهم لعالمٍ فعّالٍ وعصري.
بعد سنواتٍ قليلة مليئة بالتحديات، حققت منطقة دول مجلس التعاون الخليجي أداءً جيدًا بشكلٍ عام وهي في طريقها إلى التقدّم. ومع ذلك، فإنَّ المناخَ العالمي يتغيّرُ باستمرارٍ ويزدادُ تعقيدًا، ولا يزال النفط يُمثّلُ نسبةً كبيرة من النشاط الاقتصادي في المنطقة. من أجل حماية المستقبل، يجب أن نستمر في طريقنا لزيادة تنويع مصالح المنطقة، وأرى الصناعات الرقمية كمكوّنٍ أساسي لمستقبلٍ مُزدهر.
- محمد العارضي هو الرئيس التنفيذي ل”إنفستكورب” (Investcorp) ورئيس مجلس إدارة بنك صحار الدولي.